حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: مواجهة المنظومة تمرين داخلي ايضاً!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

أكدت اللجنة الخماسية لأجل لبنان، التي انعقدت في العاصمة القطرية بمشاركة مُمثلي السعودية ومصر والولايات المُتحدة وقطر، والموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، في بيان ختامي على الإلتزام بسيادة لبنان واستقلاله، والتزام أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤوليتهم الدستورية، وأن يشرعوا في انتخاب رئيس للبلاد. وناقشت البلدان خيارات محددة، فيما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك، الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال. ورأت أنه لا بد أن ينتخب لبنان رئيسًا للبلاد، يجسد النزاهة ويوحد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه، ويشكل إئتلافًا واسعًا وشاملًا لتنفيذ الإصلاحات الإقتصادية الأساسية، ولا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي. وشددت على أنها على إستعداد للعمل مع لبنان، لدعم تنفيذ هذه الإجراءات الإصلاحية التي لا مفر منها…

كما شددت الدول الخمس، على الحاجة الماسة إلى الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون، لا سيما فيما يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020. وحثت بقوة القادة والأطراف اللبنانية، على إتخاذ إجراءات فورية للتغلب على المأزق السياسي الحالي. وأكدت أهمية تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن الدولي والإتفاقيات والقرارات الدولية الأخرى…، بالإضافة إلى الإلتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية، ولعل أهم ما في بيان الخماسية العربية والدولية التي اجتمعت مؤخرا في قطر، أن دول الخماسية قد غادرت الرهان الواهم، التي روجت له فرنسا طويلا، على تعاون طوعي تقوم به منظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج في لبنان، بتبني برنامج إصلاحي شامل، قامت بالمطالبة بتنفيذه جهات لبنانية وعربية ودولية، منذ سنة ٢٠٠٠ بعد مؤتمرات باريس ١ و ٢ و ٣، ثم أصبحت هذه الإصلاحات شرطا مسبقا مطلوبا تنفيذه ،كمقدمة لاعتماد برنامج “سيدر”، الذي كان يمنح لبنان تمويلا لمشاريع بنى تحتية تصل ل ١٢ مليار دولار اميركي…

استمرار الوضع الراهن يمثل الخطر الأكبر على الآفاق وستظل مستويات الثقة متدنية وستزداد الدولرة النقدية للاقتصاد في حال الاستمرار في إرجاء الإصلاحات

بعد الانهيار سنة ٢٠١٩ أضيف الى برامج الإصلاح، ووضع في رأس أولوياته إصلاح قطاع الكهرباء، الذي تم تقييم أثره بنصف قيمة الدين المالي للخزينة، كما أضيفت إصلاحات تشريعية، طلبها صندوق البنك الدولي، متعلقة بقوانين الشراء العام والسرية المصرفية، وتقييد حركة الرساميل، وانشاء هيئة لمكافحة الفساد.

واصبح إصلاح الادارة العامة وتقليص حجمها، وتمكين الدولة من السيطرة على معابرها الدولية، و احتكارها لحق جباية رسومها المالية والجمركية، مطلبا لصندوق النقد الدولي، تماما كإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإجراء تدقيق جنائي في وزارات الدولة وصناديقها.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب ل«جنوبية»: التلويح بحرب خارجية تسويغ لاستبداد داخلي

وتزامنت هذه المطالب ايضا، مع خارطة طريق تبناها البرلمان الاوروبي، الذي شدد على ادانة سلوك الافلات من العقاب، وطالب بقيام آليات مساءلة فعالة لتحقيق العدالة في جريمة انفجار المرفأ، والاغتيالات والاعتداءات على القوات الدولية، ولم يكن تقرير الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس، بمناسبة تجديد مهلة عمل القوات الدولية في جنوب لبنان أقل وضوحا، حين حدد خرق حزب الله للقرار ١٧٠١، عبر نشره قوات عسكرية تابعة له بين نهر الليطاني و الحدود الدولية، وحيث استعاد المطالبة بتنفيذ القرارين الدوليين ١٥٥٩ وال ١٦٨٠، وبنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، ويضاف الى كل ما تقدم بيان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مع لبنان، بتاريخ 1 يونيو/ حزيران 2023. الذي ورد فيه:
يواجه لبنان أزمة مصرفية ونقدية سيادية غير مسبوقة، لا تزال مستمرة لأكثر من ثلاث سنوات . ومنذ بداية الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشا ناهز 40 %، وفقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها، وسجل التضخم معدلات غير مسبوقة، كما خسر المصرف المركزي ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي.

واشار البيان الى الحالة الشديدة من عدم اليقين، والقيود في القطاع المصرفي، كما النقص الشديد في إنتاج الكهرباء وارتفاع أسعارها، جميعها واعتبرها عوامل ما زالت تعيق النشاط الاقتصادي.

وعقب التدهور الكبير في سعر الصرف، خلال الربع الأول من عام 2023، ازدادت دولرة النقد وتسارعت وتيرة التضخم لتصل إلى 270% على أساس سنوي في شهر إبريل/نيسان 2023. وحسب التقديرات، ارتفع عجز المالية العامة إلى 5%، من إجمالي الناتج المحلي عام 2022، بسبب إنهيار الإيرادات، كما ارتفع عجز الحساب الجاري إلى حوالي 30%، من إجمالي الناتج المحلي بسبب الزيادة الكبيرة في حجم الواردات، في ظل استمرار الاستثمار الأجنبي المباشر والتدفقات المالية الوافدة الأخرى على مستويات متدنية.

أن استمرار الوضع الراهن، يمثل الخطر الأكبر على الآفاق، وستظل مستويات الثقة متدنية وستزداد الدولرة النقدية للاقتصاد، في حال الاستمرار في إرجاء الإصلاحات. كذلك سيواصل سعر الصرف تراجعه لتظل معدلات التضخم مرتفعة. وسيتحول النشاط الاقتصادي إلى القطاعات غير الرسمية، مما سيزيد من صعوبة تحصيل إيرادات المالية العامة. وسيواصل مصرف لبنان، المثقل نتيجة الخسائر غير المعالجة وفقدان الثقة، خسارة احتياطياته الخارجية. وقد تتسارع وتيرة الهجرة الخارجية، لا سيما لأصحاب المهارات، مما سيؤدي إلى تقويض النمو مستقبلا. وسيكون الاستثمار في رأس المال المادي محدودا. ولن تتمكن المصارف من أداء دورها المهم في توفير الائتمان، وسيستمر تباطؤ النمو الحقيقي… وسيظل الدين العام على مسار غير مستدام، نظرا لأنه من المستبعد السير في إعادة الهيكلة في ظل غياب الإصلاحات، مما سيحد بدرجة كبيرة من قدرة الدولة على الاقتراض. وستكون قدرة الدولة محدودة على توفير الخدمات، حيث أن تدني الإيرادات وغياب التمويل، سيزيد من الضغط على النفقات (الاستثمار الرأسمالي، التوظيف والأجور). وستزداد الأوضاع الاجتماعية هشاشة بمرور الوقت.

يشكل تقاطع البيانات والمواقف الدولية والعربية وكثافتها مؤشرا هاما وخطيرا لمرحلة قاسية من المواجهة مع المنظومة السلطوية في لبنان أو ما تبقى منها …

ويشكل تقاطع البيانات والمواقف الدولية والعربية وكثافتها، مؤشرا هاما وخطيرا لمرحلة قاسية من المواجهة مع المنظومة السلطوية في لبنان، أو ما تبقى منها …

وتراهن المنظومة في رفضها المتمادي على مدى ربع قرن، للسير بأية إصلاحات ضرورية، وفي الإصرار على هذا الرفض حتى بعد الانهيار، على ممارسة تعودت عليها، حيث كانت المساعدات الخارجية تأتي متزامنة مع طلبات الإصلاح، فتستولي أطراف المنظومة على أموال المساعدات، ثم تهمل تنفيذ الإصلاحات الموازية لها، ولذلك لا تدرك اطراف المنظومة، ان الاستمرار في هذا السلوك لم يعد ممكنا، وان الدول والهيئات المانحة لن تعطي أموالا لسلطة فاسدة تسرقها، وقد نظمت مساعداتها الإنسانية إلى لبنان، على مدى ثلاث سنوات من عمر الأزمة، لكي تصل للمستفيدين منها دون المرور بأجهزة السلطة وأحزابها، أما الدعم النقدي والمالي الضروري، من أجل اعادة النهوض الاقتصادي والتعافي المالي، فهو مرهون بتوقيع صندوق النقد الدولي وشروطه، و بإعادة تشكيل سلطة نزيهة وشفافة، وهو ما وضع من ضمن مواصفات رئيس الجمهورية العتيد.

الفراغ الرئاسي هو آخر متاريس المنظومة التي تتحصن وراءه من اجل رفض السير بالاصلاحات و منع تفعيل مؤسسات الدولة ووظائفها المستباحة

لذلك فإن الفراغ الرئاسي هو آخر متاريس المنظومة، التي تتحصن وراءه من اجل رفض السير بالاصلاحات، و منع تفعيل مؤسسات الدولة ووظائفها المستباحة، من محاسيب المنظومة واحزابها، والمعركة قائمة و معالمها وتفاصيلها تتضح بالمواقف العربية والدولية.

الموقف العربي والدولي يحاصر المنظومة ويتجه لمعاقبتها اذا لم ترضخ، والمنظومة تحاصر الناس وتحولهم من مواطنين لهم حقوق انسانية، الى متسولين يسألون الصدقات، ماذا تفعل قوى التغيير في الداخل اللبناني، وماهو دورها في قيادة الشعب وشرائحه أصحاب المصلحة بقيام الدولة؟!

السابق
العلاقات الخارجية للشيوخ الأمريكي تبحث في أمن معسكر اشرف لمجاهدي خلق في البانيا
التالي
أهالي ضحايا تفجير المرفأ: ٤ آب ليس يوم عطلة انما حداد وطني