حارث سليمان يكتب ل«جنوبية»: التلويح بحرب خارجية تسويغ لاستبداد داخلي

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لا أحد يريد حربا في منطقة الشرق الأوسط، لا اميركا تريد محاربة ايران ولا إيران ترغب بحرب مع أميركا، حتى اسرائيل بحكومتها اليمينية العنصرية، لا تريد التدحرج نحو حرب مع حزب الله، يمكن ان تفتح الطريق الى حرب مع ايران، وهي تعلم ان ضرباتها الجوية الدورية، وشبه الاسبوعية لمواقع إيرانية في سوريا، ستبقى ضمن حيز الرسائل والضغوطات، ولن تتطور الى حرب شاملة، ما تبقى من دول المنطقة لها، سلوك مشابه و خيار مطابق للابتعاد عن مخاطر نشوب مواجهة تكون طرفا فيها، فلا مصر مستعدة للانخراط في حرب مع إثيوبيا، تنطلق من النزاع على اقتسام مياه النيل وتطورات امتلاء سد النهضة الإثيوبي، ولا هي بوارد التورط عسكريا، في النزاع القائم في السودان او الفوضى السائدة في ليبيا.

لا أحد يريد حربا في منطقة الشرق الأوسط لا اميركا تريد محاربة ايران ولا إيران ترغب بحرب مع أميركا حتى اسرائيل بحكومتها اليمينية العنصرية لا تريد التدحرج نحو حرب مع حزب الله

ما ينطبق على الأطراف الآنفة الذكر، ينطبق على دول الخليج والسعودية، ما هو واضح من سياسة السعودية الخارجية، هي تنويع الأصدقاء والحلفاء، والانفتاح على مجموعات دول آسيا في الشرق الأقصى و اليابان والصين ودول البريكس والاتحاد الروسي، واهتماماتهم بأن يكون لديهم صفر مشاكل في المنطقة،فقد تم حصر الحرب اليمنية وتطويق احتمالات توسعها وامتداداتها خارج اليمن، عبر مجهودات اماراتية وسعودية توجها الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، وعبر جهود ايرانية أكدتها طهران في زيارات وزير خارجيتها لدول الخليج جميعها، بعد توقيع الاتفاق مع المملكة العربية السعودية.

كما ينطبق هذا الأمر على تركيا، التي تطلب من جهة اولى اعادة فتح مفاوضات انضمامها الى الاتحاد الاوروبي، كما تنفتح على تطوير علاقاتها السياسية مع كل دول الخليج ومصر، وعلى توسيع مبادلاتها التجارية والعلمية والاقتصادية مع الإمارات والسعودية، وعلى تبريد تعاطيها مع الازمة السورية وعلاقتها بنظام الأسد.

وتلعب سلطنة عمان وإمارة قطر ادواراً، معلنة تارة وسرية أخرى، في نزع فتائل الأزمات، وتبريد حماوة الخلافات والوساطة بين الخصوم والأعداء، سواء كانت الأزمات والملفات المتعلقة ببرنامج إيران النووي، او  نفوذها الإقليمي، أو بتخفيف آثار العقوبات المفروضة على إيران من قبل دول الغرب واميركا…

تلعب سلطنة عمان وإمارة قطر ادواراً معلنة تارة وسرية أخرى في نزع فتائل الأزمات وتبريد حماوة الخلافات والوساطة بين الخصوم والأعداء

يستقر الأمر على هذا النحو في الدول المذكورة أعلاه، فيما تستمر الفوضى متفاقمة و متدحرجة في دول أخرى، هي دول الساحات كاليمن وسوريا ولبنان والسودان والعراق.  

وعلى الرغم من الخطابات والتصريحات، التي تنطلق تارة من اسرائيل بوجه ايران وبرنامجها النووي، وطورا من طهران ومليشياتها تجاه إسرائيل، فإن الأمر لا يتعدى تصريحات نارية من هنا، يقابلها تصريحات ملتهبة من هناك، و لكثرة تردادها عشرات السنوات، لم تعد حدثا أو خبرا تتناقله وسائل الاعلام، او تهتم لها دوائر صناعة السياسات، او رسم الاستراتيجيات في العالم.

ويتبدى السؤال هنا حرجا، طالما أنَّ خيار الحرب ليس مطلوبا من كافة الاطراف المذكورة، فلماذا يستمر التلويح بها بشكل مستمر، ومتبادل ودائم. وأول سبب لذلك، هو أن التلويح بالحرب هو وسيلة دبلوماسية معتمدة عادة، لكنها مختلفة عن الانخراط الفعلي بها،  وقد حدث خلال أزمات عديدة، تدحرج دول من موقف التلويح بالحرب، إلى التورط بخوضها، دون أن يكون القرار الأصلي، شن حرب وخوض اوارها.

التلويح بالحرب هو وسيلة دبلوماسية معتمدة عادة لكنها مختلفة عن الانخراط الفعلي بها وقد حدث خلال أزمات عديدة

حدث الامر مع جمال عبد الناصر في الأيام التي سبقت حرب حزيران ١٩٦٧، وقد تكون الحرب الروسية على أوكرانيا مثالا آخر، لخطأ الحسابات في تصعيد أزمة، أفضت إلى حرب شاملة لم يتخذ فلاديمير بوتين قرارا بإشعالها، ولعل تهاون الغرب وصمته إزاء تمدد بوتين في أزمات جورجيا وأوسيتيا والشيشان وضم القرم، دون أن يلقى أية مقاومة، قد ساهم في استهتار بوتين بأوكرانيا، واعتبرها لقمة سائغة من السهل ابتلاعها والسيطرة عليها، دون أن يحتسب انَّ عمليته العسكرية المحدودة، ستفتح حربا مع دول الغرب بمجمله، وتستعيد انقسامات الحرب الباردة وآليات المواجهة مع حلف شمالي الأطلسي. 

فيما عدا ذلك، تكتفي الدول هذه بممارسة عمليات عسكرية عبر اذرعة رديفة لها في دول الساحات، دون الانخراط المباشر في النزاع أو تحمل مسؤولياته.
لماذا تلجأ دول المنطقة، وخاصة ايران واسرائيل وتركيا وسوريا وحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، الى خطابات التلويح بالحرب، التي تحمل مخاطر الإنزلاق إليها، واشتعالها دون عمد منها، طالما لا تنوي خوضها؟!

تكتفي الدول هذه بممارسة عمليات عسكرية عبر اذرعة رديفة لها في دول الساحات دون الانخراط المباشر في النزاع أو تحمل مسؤولياته

والجواب المثبت من التاريخ؛ أن ثمار التلويح بالحرب مع الخصم الخارجي، له عائد سياسي داخلي، وأن أية سلطة تستعمل لغة حرب محتملة مع خصم خارجي، هدفها الاستثمار والتلاعب في معارضتها الوطنية، و من أجل الاستقواء على منافس داخلي وتخوينه وعزله عن مناصريه.

فمواجهة عدو خارجي، يفترض وحدة داخلية، واصطفافا مرصوصا وراء قيادة الوطن، واسقاطاً من قبل المعارضة، لأيِّة تحفظات او اعتراضات على خيارات سياسية اتخذتها السلطة الحاكمة، وتطبيق سياسة طالما اطلقتها كل انظمة الاستبداد في المنطقة، “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، ولذلك فان خيار التلويح بحرب مع عدو خارجي، يطلق يد السلطة المستبدة، لتنال من معارضيها وخياراتهم، ويؤهلها لكي تشن ضد منتقديها حملات الإتهام بالخيانة والعمالة، والتشكيك بانتمائهم الوطني.

على هذه الطريقة يقوم بنيامين نتنياهو بتصعيد حملاته ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، و يرسل طائراته لتدمير ما تبقى من غزة، يفعل ذلك من أجل مواجهة معارضة يهودية متعاظمة لحكومته وخياراتها، في الانقضاض على السلطة القضائية وضرب استقلاليتها عن السلطة التنفيذية في دولة الكيان، وتفعل ذلك إيران حين تجعل مسألة تصدير الثورة، شأنا سياسيا وخيارا مقدساّ، كلف شعب إيران الخضوع لنمط عيش بائس ومرير ومتقشف على مدى ٤٥ سنة، كذلك فعل بشار الأسد، حين اعتبر أن ثورة شعب سوريا، ما هي إلا مؤامرة خارجية اشتركت بها ٨٣ دولة من كل أنحاء العالم.

يستمر حزب الله في لبنان في استدامة وظيفة سلاحه عبر خطب التلويح بالحرب

وبنفس الطريقة يتصرف رجب طيب اردوغان، بجعل مواجهة الاكراد مسألة وطنية تركية عليا، يحمل رايتها ليس في وجه الأكراد واحزابهم فحسب، بل في وجه المعارضة التركية العلمانية بمجملها.

ويستمر حزب الله في لبنان في استدامة وظيفة سلاحه، عبر خطب التلويح بالحرب، التي يداوم على إطلاقها السيد حسن نصرالله، و بافتعال إشكالات حدودية دورية لا تقدم ولا تؤخر في موازين المواجهة مع العدو الإسرائيلي، بل تُمَكِّنُ الحزب، من امتلاكه أوراق قوة، يستعملها في الداخل اللبناني، للي عنق أية معارضة لبنانية وطنية لخياراته، في جميع الاستحقاقات الوطنية.

السابق
في عنقون.. اشكال كبير بين افراد في حزب الله: اطلاق نار وترويع للاطفال!
التالي
مأساة مروعة : لُبنانيان توفيا في أنطاليا تركيا حرقا!