حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: نقاط اوروبية امريكية على حروف الأوليغارشية في لبنان

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تتمثل القضية اللبنانية كما أوضحنا في مقالة سابقة بثلاث كلمات سيادة / مساءلة / وتعافي، وهي مفاتيح حل أزمة شعب لبنان، وعناوين صالحة لخريطة طريق تنتج التغيير المطلوب، وتنهي معاناة اللبنانيين والامهم، وتخفف قلقهم وخوفهم من غد مجهول و محفوف بالتحديات .وتزداد القضية اللبنانية وضوحا وأثرا على المستوى الدولي، بعد صدور مواقف أوروبية و أمريكية، تضع نقاط الحقيقة على حروف نفاق المنظومة الحاكمة في لبنان و طروحاتها.

وقد صدر قرار البرلمان الأوروبي حول لبنان، ليُحَمِّلَ منظومة الفساد والفشل والارتهان للخارج، مسؤولية الانسداد السياسي، القائم على تعطيل المؤسسات الديموقراطية ؛ رئاسة جمهورية، وحكومة فاعلة تجري إصلاحا شاملا، ومجلس نواب يستجيب لتشريع قوانين مطلوبة، واعتماد قانون حديث للمشتريات العامة وسن استراتيجية لمكافحة الفساد. وإنشاء سلطة قضائية مستقلة وشفافة.كما حَمَّل وزارة الداخلية مسؤولية إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، خلال الأشهر المقبلة.

وأكد أنه يرفض “إعاقة السياسيين في الطبقة الحاكمة والأحزاب المسلحة بشكل غير قانوني للعملية الديمقراطية والدستورية ويدعو إلى نزع سلاحها”. كما لحظ ارتهان المنظومة للخارج، فدعا القادة اللبنانيين إلى إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية. كما أدانت البنود ال١٤ لقرار البرلمان الأوروبي، المافيا الحاكمة وحملتها مسؤولية الانهيار الاقتصادي،  ومسؤولية تعطيل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، ودعا البيان إلى “وضع حد فوري لثقافة الإفلات من العقاب السائدة في المؤسسات اللبنانية، وحث السلطات على إزالة جميع العقبات أمام التحقيقات القضائية الجارية، لا سيما في قضايا الفساد”.

تجربة دبي والإمارات وقطر يعتد بها حيث تبلغ نسبة الأجانب 10 اضعاف عدد السكان فيها ومع ذلك لا خوف من الاعداد لان هناك دولة لها سيادتها


وتحاول الاوليغارشية اللبنانية ان تصور البيان الأوروبي، على أنه موقف متشكل من بند واحد، يتعلق بالنازحين السوريين، والمطالبة لهم بالبقاء في لبنان، وهو أمر لم يذكر على هذا النحو، بل تمت الدعوة في  البند ١٣ من البيان “لتأمين الظروف الأمنية والإنسانية التي تسمح بعودة آمنة وكريمة للنازحين”، ملاحظةً ان هذه الظروف لم تتأمن بعد تحت حكم نظام الاسد…وتتكشف أسباب نقمة المنظومة على البيان الأوروبي، حين ندقق بالآليات التنفيذية التي تبنى إقامتها في مواضيع متعددة؛ من تشكيل فريق دولي إنساني للإشراف على المساعدات وصرف الأموال، الى نشر بعثة استشارية إدارية شاملة من الاتحاد الأوروبي، من أجل تلبية الحاجة الملحة، لمواجهة الانهيار المتسارع للإدارة العامة والخدمات الأساسية، والى اعتماد “التنظيم الموثوق به للقطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل قطاع الكهرباء”…الى دعوة المجلس إلى تطبيق عقوبات هادفة، ضد “كل من يخالف العملية الديمقراطية والانتخابية في المؤسسات اللبنانية، أو يعرقل التحقيق الداخلي في انفجار مرفأ بيروت، أو بعثة تقصي الحقائق الدولية المقبلة، والى الاستيلاء على أصولهم في الاتحاد الأوروبي”.

من تسبب في النزوح السوري والترحيل ومارس التجويع والتطهير العرقي والمذهبي هو اولا نظام الأسد وميليشيات طهران ثم حزب الله

ويذكر البيان بأن “إجراء تحقيق شفاف ومستقل ومحايد وفعال في انفجار مرفأ بيروت يمثل أولوية ويجب ضمانه” ؛ ويدعو إلى ” إرسال بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق إلى لبنان للتحقيق في انفجار بيروت، في إطار الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان”… كما  يشجع على مساعدة عائلات ضحايا انفجار ميناء بيروت، في استكشاف إمكانيات رفع دعاوى قضائية في محاكم وطنية أجنبية، وكذلك استكشاف إمكانيات محاكمة السياسيين، المتهمين بارتكاب فظائع بموجب الولاية القضائية العالمية…

كما يعرب عن قلق البرلمان الاوروبي “إزاء العديد من حالات سوء الإدارة والاحتيال،  ويدعو المفوضية ومكتب المدعي العام الأوروبي، للتحقيق في قضية سوء الاستخدام المزعوم لأموال الاتحاد الأوروبي في لبنان…وغني عن القول، ان مضبطة الاتهام الاوروبية هذه، وما تقترحه من آليات تنفيذية لملاحقة المنظومة ومحاكمتها، سواء في لبنان أو في دول أوروبا، واجبارها على فتح الطريق للإصلاح والمساءلة، واستعادة النهوض الاقتصادي، تلتقي مع أهداف ثورة ١٧ تشرين، وتنحاز لها وتستعيد قضاياها وتتبنى مطالبها، في وقت تجهد المنظومة لاعتبار هذه الثورة سحابة صيف عابرة تم تجاوزها؟! ولذلك تأمل المنظومة بإعادة تأهيل نفسها عربيا ودوليا، مستفيدة اولاً من  تعثر قوى ١٧ تشرين وفشلها، في بلورة  كتلة تاريخية، مؤهلة برنامجا ومبادرات، لفتح طريق التغيير واستعادة الدولة لوظائفها وحسن سير مؤسساتها، ومستغلة ثانيا انفتاح الدول العربية على نظام الأسد و عودة سوريا الى الجامعة العربية، و طامحةً ثالثا، الى تجيير مفاعيل الاتفاق السعودي الإيراني مكاسب سياسية لخط الممانعة في لبنان وسوريا.ولعل ما فاقم غضب المنظومة واستياءَها، التزامنُ بين البيان الأوروبي ومشروع القانون  الجديد في الكونجرس الأميركي الذي حاز، بسرعة استثنائية، تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ليصل الى عتبة اعتماده بشكل نهائي، وهو قانون يمدد العمل بقانون قيصر حتى سنة ٢٠٣٤، الذي يعاقب بشار  الأسد وحاشية نظامه، ويمنع التعامل مع أية حكومة بقيادته، او تقديم اية مساعدة لها، لا في مجال الاقتصاد ولا لإعادة الإعمار او التبادل التجاري والمعاملات المالية.وخطورة المشروع الأميركي الجديد، هي منع الأسد من جني ثمار عودته الى الجامعة العربية، ومنع دول العرب و الخليج وخاصة الامارات العربية المتحدة ومصر، من التعامل مع نظام الأسد أو مساعدته، وهو ما يشدد الحصار على أطراف خط الممانعة من طهران الى دمشق الى حارة حريك.

إقرأ أيضاً: بالفيديو..خبيرة النفط هايتايان تكشف عبر «جنوبية» عن صفقة ترسيم رئاسية برية!

وبالعودة الى ملف النزوح السوري الشائك و المتدحرج، والذي تعلو به المزايدات ودعوات الترحيل والتحريض العنصري، وخطابات التذاكي والنفاق، فلا بد بداية من تأكيد الحقائق التالية:

 ان النزوح السوري يشكل عبئا اقتصاديا وديموغرافيا على لبنان، ويحمله حملا ينوء تحت أثقاله ولا طاقة له على حمله.
 ان أكثر من نصف النازحين السوريين في لبنان على الأقل، لا تنطبق عليهم شروط اللجوء السياسي، وهؤلاء ليس لديهم مشكلة سياسية او أمنية مع نظام الاسد، وهم يدخلون الأراضي السورية ويعودون الى لبنان منها، لاسباب عديدة ومتفرقة، وبشكل متكرر وقد يكون دوريا. واما بقاءهم في لبنان فهو لأسباب اقتصادية ومكاسب نفعية، وإن تحميل لبنان في ظل انهياره  الاقتصادي، عبء الأزمة الاقتصادية السورية أمر مرفوض وظالم ودون جدوى.

ملايين النازحين السوريين، سواء كانوا في لبنان او الاردن او تركيا هم فئة بشرية لا يرغب في استيعابها أحد

ان من تسبب في النزوح السوري والترحيل ومارس التجويع والتطهير العرقي والمذهبي، هو اولا نظام الأسد وميليشيات طهران ثم حزب الله، وان قسما كبيرا من هؤلاء النازحين يعود اصلهم الى منطقة حمص والقصير والقلمون الغربي وريف دمشق، حيث خاض حزب الله وميليشيات إيران معاركهم وانتصروا فيها، وان الحكومة اللبنانية في ذلك الوقت كانت برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي وبمشاركة جبران باسيل و الرئيس ميشال عون، وتخضع لإملاءات حزب الله وقراراته. والمفارقة اليوم ان الأطراف التي تسببت وغطت بالسياسة والمواقف، اقتلاع هؤلاء من قراهم وبيوتهم، تهتف غاضبة لخروجهم من لبنان وعودتهم الى سوريا.

أما الحقيقة الرابعة والمؤلمة، فهي ان ملايين النازحين السوريين، سواء كانوا في لبنان او الاردن او تركيا، هم فئة بشرية لا يرغب في استيعابها أحد؛ فالاسد لا يريد عودتهم، بعد ان انجز  التخلص منهم، وأعاد رسم توازنات الديموغرافيا والأقليات في سورية المفيدة، ودول أوروبا والغرب التي تلقي دروس التضامن الإنساني صباحا ومساءً، تخشى تدفق موجاتهم اليها، وتجزي العطاء لمنظمات الرعاية والإغاثة في الأردن ولبنان وتركيا، من اجل إبقائهم في شقائهم، وعدم انتقالهم إلى دولها. لا أحد في العالم يريد استقبال النازحين السوريين، سواءّ تبنى خطابا عنصريا في مواجهتهم، او هتف لصالح التضامن والحق الانساني بالحياة والعيش بحرية وكرامة.

لا أحد في العالم يريد استقبال النازحين السوريين سواءّ تبنى خطابا عنصريا في مواجهتهم او هتف لصالح التضامن والحق الانساني بالحياة والعيش بحرية وكرامة

إزاء هذه الحقائق ماذا على لبنان أن يفعل؟! بداية لا بد من دولة تستحق اسمها، دولة تطبق القانون وتحافظ على سيادتها، والسيادة، اي سيادة القانون اللبناني أمر ينطبق أيضا على التعامل مع قضية النازحين، فالصراخ الأجوف حول تزايد نسبة النازحين الى نسبة اللبنانيين، يثير السخرية والمرارة معا، فحين تكون الدولة سيدة تستطيع ادارة الوافدين اليها وان تتحكم بأعدادهم… 

هذه تجربة دبي والإمارات وقطر، حيث تصل نسبة الأجانب الى عدد السكان في هذه الدول الى عشرة أضعاف، ومع ذلك لا هلع ولا عنصرية ولا خوف من الاعداد، لان هناك دولة لها سيادتها، وقانونها يطبق على حركة الأفراد على المعابر الحدودية، و قانون عمل يسري على الوظائف والمهن والأعمال وأنظمة الشركات، الدولة السيدة تدير ملفات النازحين والأجانب وتحقق المصلحة العامة، ومن مساخر الدهر إن من يمعن في لبنان، في هدم بنيان الدولة وتعطيل مؤسساتها، وممارسة السلطة خلافا للدستور وانتهاكا لكل قانون، يملأ الدنيا صراخا لعودة النازحين، الذي يسمح الأسد بعودتهم، وبشروط الأسد وحسب مصالحه وأهوائه. 

السابق
بالفيديو..خبيرة النفط هايتايان تكشف عبر «جنوبية» عن صفقة ترسيم رئاسية برية!
التالي
بين «حزب الله» والصفقة وتقاسم الجبنة!