أفق الرئاسة والحوار مسدود

كرسي الجمهوري رئاسة الجمهورية

على المستوى الرئاسي، يبدو أنّ هذا الملف قد نَحّاه التطبيع الكامل مع الفراغ في رئاسة الجمهورية، جانباً، والداخل بكلّ مستوياته السياسية، يترقّب الزيارة الثانية للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان التي يقال إنّ موعدها تحدّد الاثنين المقبل. واللافت في هذا السياق أنّ مقاربات المعنيين بالملف الرئاسي، لهذه الزيارة، تتقاطَع عند النّعي المُسبَق لمهمّة الموفد الفرنسي، إذا ما كان القصد منها فقط، هو محاولة اطلاق حوار بين مكونات التعطيل الرئاسي.

ثمة معلومات تحدثت عن “انّ باريس استبقت وصول الموفد الفرنسي إلى بيروت بإرسال اشارات إلى المستويات السياسيّة تؤكّد انّ الايليزيه يُولي أهميّة كبرى لمهمة لودريان، باعتبارها فرصة جديّة وثمينة في هذه المرحلة، لمساعدة اللبنانيين على التوافق على استيلاد حل رئاسي وحكومي في آن معاً، وأنّ ترجمة هذه الفرصة تستدعي ان يبقى الموفد الفرنسي اسبوعاً وربما اكثر في بيروت”. إلّا أنّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع أكدت لـ”الجمهورية” جديّة الجانب الفرنسي في انجاز حلّ سريع للأزمة في لبنان، إلّا انّها لاحظت في الوقت نفسه انّ باريس تبدو وكأنها وحدها في هذه المهمّة، حيث ان ملف لبنان غائب كلّياً عن جدول اهتمامات واولويات سائر الدول المصنفة صديقة او شقيقة، حيث لا ذكر له لا من قريب او من بعيد”.

وتؤكد المصادر ان مهمّة لودريان، التي ترمي بالدرجة الاولى الى تسهيل عقد حوار لبناني حول الملف الرئاسي، شديدة التعقيد. امّا جوهر هذا التعقيد، فهو كامِن في أنّ لودريان آت في زيارة عنوانها تسهيل اطلاق حوار بين اللبنانيين، وهو بذلك أوكَلَ الى نفسه مهمة حفر جبل التعطيل بإبرة. ذلك انّ المكونات السياسية قدّمت على مدى ثمانية أشهر من تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، النموذج الأسوأ في مقاربة هذا الملف، وتَموضعَت في الخطّ النقيض لأي فرصة التقاء او حوار يُفضي الى توافق على الحسم الايجابي للملف الرئاسي. وضمن هذا السياق، أعدمت إرادة التعطيل مسلسلا طويلا من الدعوات المتتالية الى حوار نتيجته محسومة سلفاً ربطاً بالشروط المتصادمة على الحلبة الرئاسية، والرؤى المتناقضة جذرياً التي حسمت خياراتها مُسبقاً بنَسف إمكانية بلوغ اي قواسم مشتركة، ليس فقط حول الملف الرئاسي، بل حول سائر الملفات والقضايا والاخرى، وما يخشى منه في هذا السياق هو ان ينسحب هذا الإعدام على “حوار لودريان” قبل أن يبدأ”.

حوار صادق ومسؤول: واضحٌ انّ مهمّة لودريان تسقط على واقع منقسم ومتصادم على هوية المرشح العتيد لرئاسة الجمهورية، فرئيس المجلس النيابي نبيه بري، المُتمسّك بدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ينتظر وصول الموفد الرئاسي الفرنسي ليبني على ما يحمله مقتضاه، ويؤكّد في الوقت نفسه تأييده الكامل وبلا ايّ تردّد “لأي مسعى يُفضي الى انهاء الازمة الرئاسية، عبر حوار صادِق ومسؤول مُنطلقه صفاء النيات”، ويشاركه في ذلك “حزب الله” وسائر الحلفاء الذين صَبّوا أصواتهم لمصلحة فرنجية في جلسة الفشل الثاني عشر في انتخاب رئيس الجمهورية، إلا انّ الضفة السياسية المقابلة عائمة بالإشتراطات، وهو ما تعكسه بوضوح ما سُمّيت “جبهة التقاطعات” في مواجهة ترشيح فرنجية.

وتبعاً لذلك، أبلغت مصادر سياسية الى “الجمهورية” انّ ما تخشى منه هو أن يَعلق لودريان فور وصوله في المتاهة اللبنانية، ويصعب عليه إقناع المكونات السياسية اللبنانية بالإستجابة لمسعى الحوار.

وتستدرك المصادر عينها وتقول انّ نجاح لودريان في إقناع مكونات الانقسام السياسي بالجلوس الى طاولة الحوار، لا يعني نجاحاً لمهمته، فالنجاح يكون ببلوغ النتائج التي يرجوها لودريان، اي الوصول الى توافق بين هذه المكونات يُنهي الازمة الرئاسية، اما ان يعقد الحوار وتكون نتيجته الفشل في التوافق، فعدم انعقاده افضل من عَقد حوار فاشل، لأن النتيجة المؤكدة لهذا الفشل هي اعادة الوضع في لبنان الى مربّع التوتير الاول، وفتح باب الاحتمالات على مصراعيه”.

تشاؤم: الى ذلك، أشارت معلومات “الجمهورية” الى أنّ الملف الرئاسي كان محور تداول بين سفير دولة غربية كبرى وشخصية وسطية بارزة في لقاءٍ جَمعهما في دارة الاخير قبل ايام قليلة، قدّم خلاله السفير المذكور مقاربة تشاؤميّة حول انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان. واللافت في هذا اللقاء ان السفير الغربي قارَب الحراك الفرنسي كفرصة يتوجّب على اللبنانيين عدم تفويتها فقد ضاع وقت كثير على لبنان وعلى مكوناته السياسية إدراك ذلك، إلّا انه قال ما مفاده: “إنّ وضع لبنان بات دقيقا للغاية، وليس في أفق التوازنات السياسية القائمة ما يُشجّع حتى على الاعتقاد بأنّ ثمة حلاً مُمكناً في لبنان للمسألة الرئاسية في المدى المنظور، اخشى ان يستمر هذا التخبّط في لبنان لفترة طويلة جداً”.

وبحسب المعلومات، فإنّ الشخصية الوسطيّة البارزة عَقّبت على كلام السفير الغربي قائلة: اللبنانيون محترفون في تضييع الوقت. مضيفة: لكن يجب ان نعترف ان الواقع اللبناني منقسم بين جبهتين عريضتين: القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر من جهة، وحركة “امل” و”حزب الله” من جهة ثانية. وما يحكم هاتين الجبهتين حتى الآن هو توازن التعطيل، وهو ما شهدناه على مدى 12 جلسة فاشلة لانتخاب رئيس الجمهورية.

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الثلثاء في 11 تموز 2023
التالي
لا طحين مدعوماً للأفران غير المرخصة