بين الاستحقاق الرئاسي و«تخلف» زعمائه!

الفراغ الرئاسي بعبدا

لا شك بأن الاستحقاق الرئاسي دخل مرحلة خطيرة جداً، بالنظر الى الاستحقاقات الداهمة التي تنتظر لبنان وشعبه، وليس اقربها انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، والذي تدور حوله شُبُهات تبييض اموال ونهب المال العام، حسب القضائين الالماني والفرنسي، واللذين اصدرا مذكرة توقيف بحق رياض سلامة وتم تعميمها عبر الانتربول.

بل هذا الامر على اهميته، يبقى دون غيره من استحقاقات اخرى داهمة متعددة وكثيرة، وفي الوقت ذاته يتلهى زعماء لبنان بغالبيتهم، بالغوص في تفاصيل المواصفات وفي حسابات مصالح صغيرة ضيقة، ينشدون من خلالها الاستفادة مالياً او حصصاً في توظيفات الفئة الاولى، وغيرها من مناصب قيادية في الادارة العامة ومؤسساتها، وهذا الامر ساهم في إدخال الاستحقاق الرئاسي في عنق الزجاجة، وبالتالي اصبح من الصعب إخراجه خلال فترة قصيرة كما كان متوقعاً من قبل.

ومن هنا اتت زيارة البطريرك بشارة الراعي الى باريس، بعد ان علِم او استشف توافقا قواتيا عونيا وهما الكتلتان الاكبر مسيحياً، فتوجه على وجه السرعة الى باريس، لعله يستطيع عمل شيئاً ما يُساهم في بلورة حل، بعد ان زار حاضرة الفاتيكان والتقى امين سر الدولة فيها، حاملاً معه إسم ازعور المتفق عليه مسيحياً وتحديداً مارونياً.

لباريس كلامٌ آخر يتعارض مع رغبات البطريرك الراعي، بل يتماشى مع مصالح فرنسا التجارية

لكن لباريس كلامٌ آخر يتعارض مع رغبات البطريرك الراعي، بل يتماشى مع مصالح فرنسا التجارية منها والسياسية، وبالتالي كان جواب ماكرون والذي بالغ في حفاوة الاستقبال للراعي، فدام اللقاء مايُقارب الساعة وخمس دقائق، بينما في السياسة عبر للبطريرك، بأن المشروع الفرنسي هو الاقرب لحل معضلة الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وبذلك يكون الراعي ذهب باسم جهاد ازعور وعاد من دونه .

في هذا المجال لابد من تسجيل بعض الملاحظات:
اولاً : كان حرياً بالزعامات اللبنانية واحزابها، ان تدرس جيداً إمكانياتها وبناء عليه، تضع شروطها ومطالبها لتتناسب مع الحدث ومصالح لبنان.

ثانياً : كان على احزاب لبنان وخصوصاً تلك المعارضة، ان لاتُغرِق نفسها وترهق اللبنانيين بتفاصيل المواصفات غير القادرة على تحقيقها، خصوصاً انها لم تُنتج حلولاً، لانها لم تختر الانسب من بين اللبنانيين الموارنة، بل كانت مفاضلتها بين السيء والاسوأ فقط، وبالتالي اصطدمت بمعارضات داخلية وخارجية، واصبحت عاجزة وغير قادرة على الفعل، بل كل ماتقوم به تسجيل ردات فعل لا اكثر.

لم تستطع المعارضات ان تتوحد على رؤية واحدة، لمواجهة مرشح الثنائي ” امل – حزب الله”

ثالثاً : لم تستطع المعارضات ان تتوحد على رؤية واحدة، لمواجهة مرشح الثنائي ” امل – حزب الله”، بل دائماً لا تملك سوى الاعتراض بالمفرق، والدخول بردات فعل على افعال حزب الله، والذي اصبح يُمثل الحزب القائد في لبنان، وتحديد مسار سياساته الداخلية والخارجية .

رابعاً: رفض القوى والاحزاب المسيحية ذات الثقل، بالاستجابة للحوار الذي دعا اليه رئيس البرلمان نبيه بري، اضعف موقف تلك القوى والاحزاب واسقط من يدها ورقة مهمة كانت تمتلكها .

خامساً : نواب ما يُسمى بالتغيريين لم يكونوا افضل حال من الاخرين، ولم يتلقفوا الفرص التي أُتيحت لهم ليجعلوا من تكتلهم بيضة القبان، التي تستطيع اتقان الفن السياسي في محاورة الاخرين، بل يتلهون دوماً في صغائر الامور، مما افلت من ايديهم اوراق كثيرة كان بإمكانهم فرض قوتهم على جلب الاخرين لملعبهم.

وحده وليد جنبلاط، وبما يتمتع به من براغماتية وواقعية سياسية وحياديته او وسطيته في المشهد السياسي، اتاح له ان يطرح العديد من المبادرات، والتي لم يقبلها طرفا الانقسام اللبناني

واخيراً وحده وليد جنبلاط، وبما يتمتع به من براغماتية وواقعية سياسية وحياديته او وسطيته في المشهد السياسي، اتاح له ان يطرح العديد من المبادرات، والتي لم يقبلها طرفا الانقسام اللبناني، مما عطل الحلول واخرج الاستحقاق الرئاسي من لبنانيته، ووضعه في ايدي اللاعبين الاقليميين والدوليين، واخرج وليد جنبلاط من المبادرات وتقريبا سيخرج من السياسة، تاركا هذا الامر لنجله تيمور، وبالتالي اصبح القادة اللبنانيين فاعليتهم تنحصر فقط في الاعلام والبيانات، ولم يعُد لها تأثير على مجرى الاحداث التي تتعلق بالاستحقاق الرئاسي وقد التحقت بهم اخيراً الكنيسة المارونية واصبحت طرفاً، وبالتالي اخرجها من امكانية ان يكون لرأيها ورؤيتها اية مفاعيل على ارض الواقع، خصوصاً من خلال زيارة البطريرك الراعي الاخيرة لفرنسا ولقاء رئيسها ماكرون .

هذا الامر ونتيجة تضييع الفرص اصبح حزب الله الفاعل الوحيد على ارض الواقع، وحتماً القوى الاقليمية والدولية الفاعلة على الساحة اللبنانية، تسعى لمقاربات قريبة من طرحه، وبالتالي تلقى تجاوباً من قِبله للوصول الى حلول، تُخرج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة الذي ادخلته فيه قوى المعارضة، والتي خسرت المواجهة لانها لا تمتلك رؤية للوضع اللبناني، بل لا زالت تناور وتبحث عن حلول ظرفية، وتغرق بأنانياتها الحزبية مفضلة المصالح الصغيرة الضيقة على قضايا الوطن.

وهنا لا بد من التنويه بموقف رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، الذي سعى لتقريب وجهات النظر بين الكتلتين الاكبر مسيحياً، ولكن لم تجر الرياح بما يرغبه رئيس حزب الكتائب الشاب، كونه لا يمتلك كتلة كبرى كما القوات اللبنانية والتيار العوني، وبالتالي القوة بيد الغير، وهذا الغير لا يمتلك ملكة الرؤية والوطنية الفاعلة.

السابق
مصادر قضائية لـ«جنوبية»: التحقيق الالماني مع رياض سلامة يتوسّع نحو نجله وابن شقيقته!
التالي
معوض: المجلس ليس ملك علي حسن خليل وعليه ان يحترم موقعنا النيابي!