الحرية بين المفكرين والمستبدين..اللبنانيون إرتضوا إرتهانهم من قبل زعماء طوائفهم!

عيد الاستقلال

تتبدّى الحرية، حاجة وضرورة في حياة الفرد لأنها تحدّد ، قبل كل شيء، ماهيّته ككائن بشري. و يؤدي انتهاك حرية الفرد، إلى إضعاف مبادرته الخاصة و خسارة فرادته في التفكير والتصرّف، مما يُسقِط عنه قيمتة “الآدمية”، وسيّما في حال ارتضى حرمانه من حريته طوعاً وهلّل له!

تشكّل مبادرة الفرد نواةً لحريته، لذلك تحتل حيّزاً مهماً في حياته النفسية. ويعود السبب في ذلك، إلى أنها تطلق العنان لوعيه، الذي يغذّي بدوره تفتّح شخصيته، على مستوى علاقته مع ذاته و مع محيطه. كما لا يخفى من أن الحرية تعدّ، من زاوية علم الاجتماع، مؤشّراً على تقدّم المجتمع، لأنها تؤمن الجو المناسب للإبداع على المستويات كافة.

و بما أن الحرية تعدّ، في أساسها، محرّكاً دينامياً للوعي، الذي يعزّز رؤية الفرد العقلانية والنقدية لواقعه، و يدفعه إلى الانتفاضة على محاولات تهميشه واضطهاده، فإنها شكّلت ومازالت، هدفاً للأنظمة الاستبدادية، التي عملت على اضعافها وانتهاكها من خلال أجهزتها الأمنية و القضائية، فلاحقت من عارضها واقتصّت منه.

الفرد “العاقل” يخطئ عندما يظنّ أنه حرّ باعتباره هو نفسه رهينة المنطق والعقلانية ومن هذا المنطلق تعدّ الحرية “وهماً”

ومما لا شكّ فيه، أن هذه الأنظمة تبرَع في عملية الاستلاب، التي ترتكز قبل كل شيء على إضعاف وعيّ الفرد، من خلال توظيف المقدّس، ونظرية المؤامرة وخلق القضايا الوهمية، كالحصار على سبيل المثال والبطولات الدونكيشوتية…. وتمتهن “تغريبه” عن ذاته أولاً، وعن كل ما يجري حوله. وهي تتقصّد بذلك “برمجته” بما بتناسب مع مصلحتها وإيديولوجيتها المستبدة.

لسنا هنا، في صدد تناول مسألة بلوغ الحرية المطلقة، لكن من الضروري الإشارة، ولو بإيجاز سريع، إلى نقطة مهمة تتمثّل في أنها أمرٌ محال. بمعنى أن الفرد “العاقل”، يخطئ عندما يظنّ أنه حرّ باعتباره هو نفسه رهينة المنطق والعقلانية. ومن هذا المنطلق، تعدّ الحرية “وهماً”. وفي هذه الحال، نستذكر أيضاً جاك لاكان في قوله :”المجنون هو الانسان الحرّ”. وهو يقصد بذلك أن المجنون يظنّ نفسه حراً .

كذلك الأمر، يطرح موضوع الحرية، من جانب آخر، مسألة العبودية. و تبرز اشكالية حول ما إذا كان هناك من يختار العبودية ويرتضي بها، و من يطالب بحريته و يناضل من أجل حصول عليها. و نشير هنا، إلى “تقرير المصير” الذي ارتبط بمفهوم الهوية الوطنية في القرن التاسع عشر، وحيث شكّل النواة الأولى للدولة الأمة، واستمرّ يقوى مع حركات التحرّر، سيّما في أفريقيا و آسيا اللتين رزحتا تحت الاستعمار الأوروبي.

إقرأ أيضاً: الدولة «تنهش» دولارات المغتربين والمُضطرين..«الباسبور» السريع بـ6 ملايين و200 الف ليرة!

ومما لا شكّ فيه، قدّم لبنان نموذجاً عن هذه الحركات، فتمّ اعتقال الرئيس بشارة الخوري، ورئيس الوزراء رياض الصلح، ومعهما وزراء آخرين في قلعة راشيا. و لا يخفى ما لحركة التحرر بقيادة نلسون مانديلا، الذي مكث في الاعتقال مدة ٢٧ عاماً، نتيحة مقاومته للاستعمار من دور رئيسي في استقلال جنوب أفريقيا.

ولا يتعلق تقرير المصير فقط، بتحرّر الشعوب من الاستعمار أو الاحتلال، وإنما أيضاً من الاستعباد الذي قد تلحقه السلطة بشعبها أو بفئة منه. لقد أدت الحركات النسوية دوراً بارزاً ليس في تحرّر المرأة فحسب، وإنما أيضاً تجاوزته لتطال مجتمعها بأكمله.

ونذكر، على سبيل المثال لا الحصر، سيمون دو بوفوار، التي أرست من خلال كتابها بعنوان “الجنس الثاني “، أسس حوار حول نشأة الحركات النسوية، ونوال السعداوي التي دافعت بشراسة عن حقوق الانسان، وسيّما المرأة و أتت مؤلفاتها لتسهم في إدخال تحول على مستوى الوعي لدور المرأة، ونذكر منها”الأنثى هي الأصل” و “أمرأة عند نقطة الصفر”.

إيتيان لابويتي تحدث في مقالة عن “العبودية الطوعية” ان الطغاة لديهم السلطة لأن الشعب كرّسها لهم بعد أن انصاع إليها و تخلّى في ذلك عن حريته

وحقّقت ، ملالا يوسفزي، الفتاة الباكستانية، قفزة نوعية في مجال تعليم الفتيات ونادت بحقوقهن. وكانت النتيجة أن تعرضت لمحاولة اغتيال من قبل تنظيم القاعدة. و أتت انتفاضة النساء في إيران (نساء، حياة ، حرية) عقب تصفية مهسا اميني لتشكّل شرارة لانتفاضة شعب بأكمله.

لكن في المقابل، هناك من تكلم عن عبودية اختيارية و طوعية، وهو إيتيان لابويتي في مقالة عن “العبودية الطوعية”، و رأى أن الطغاة لديهم السلطة لأن الشعب كرّسها لهم بعد أن انصاع إليها، و تخلّى في ذلك عن حريته.

السواد الأعظم للشعب اللبناني ارتضى ارتهانه من قبل زعماء طوائفه

وبدوره يعتبر غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير “أن الشيء الذي يهيمن على روح الجماعة ليس الحاجة إلى الحرية وإنما إلى العبودية. إذ يجعل ظمأها إلى الطاعة، خاضعة غرائزياً إلى من يجعل من نفسه زعيماً عليها. و يقدّم السواد الأعظم للشعب اللبناني نفسه، نموذجاً مثالياً عن نظرية لوبون باعتباره ارتضى ارتهانه من قبل زعماء طوائفه.

تفرض مقاربة الحرية الكثير من المقاربات، التي يتطلب تناولها عدة أبعاد: سياسي و اجتماعي وأنتروبولوجي و فلسفي وسيكولوجي… ويرجع السبب إلى كونها تعدّ خاصية كونية انسانية. وهي تبقى “قبلة” المجتمعات البشرية حتى لو تمّ انتهاكها أو نبذها أو التخلي عنها.

السابق
الحركة الصدريّة في العراق: أزمة المرجعية الفقهية ورحلة البحث عن مرجع جديد
التالي
الطقس هبّة باردة وهبّة ساخنة..وتوقعات بأمطار خلال «الويك آند»!