حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: تصفية قيادة «سرايا القدس» في ظلال «وحدة الساحات»

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته الإلكترونية.

صمتت جبهات القتال في فلسطين، وعاد الهدوء الى غزة مقابل الهدوء في مستوطنات غلاف غزة، و مقابل راحة رواد المسابح في عسقلان وطمأنينة واستقرار سكان مدن إسرائيل، على الساحل الفلسطيني من حيفا إلى تل أبيب وصولا الى سيديروت.

ارخى العدوان الاسرائيلي على غزة حملا كبيرا من المآسي والنتائج، فقد نعت “الغرفة المشتركة” لفصائل المقاومة ( عشرة فصائل)، الجمعة ١٢/٥/٢٠٢٣، عضو المجلس العسكري، ومسؤول وحدة العمليات في “سرايا القدس”، السيد إياد الحسني. وأعلنت “سرايا القدس”، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ان الشهيد هو عضو مجلسها العسكري، ومسؤول وحدة العمليات، قضى في عملية اغتيال إسرائيلية في حي النصر، وسط مدينة غزة، بعد ان لجأ الى حماية حركة حماس التي اودعته شقة بحسبها آمنة، وبالإضافة إلى السيد الحسني، نعت “سرايا القدس” في وقت سابق، خمسة من قادتها تمت تصفيتهم، منذ بداية عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، هم أحمد محمود أبو دقة، في عملية اغتيال إسرائيلية في خان يونس، جنوبي قطاع غزة. اضافة الى علي حسن غالي، جهاد غنّام وهو أمين سر المجلس العسكري في سرايا القدس، طارق عز الدين عضوالمجلس العسكري و قائد العمل العسكري في الضفة الغربية، وخليل البهتيني قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس وعضو المجلس العسكري. وتشير معلومات موثوقة، ان خسائر منظمة الجهاد الإسلامي، بين أعضاء مكتبها السياسي ومجلسها العسكري وعدد من كوادرها العليا، قد وصل الى ١٣ شهيدا.

حركة الجهاد الاسلامي، قد تعرضت لهجوم اسرائيلي شامل، لا تحده أي خطوط حمراء انسانية او اخلاقية

يتضح مما تقدم، أن حركة الجهاد الاسلامي، قد تعرضت لهجوم اسرائيلي شامل، لا تحده أي خطوط حمراء انسانية او اخلاقية، هدفه استئصال الحركة، او على الاقل دفعها لرفع الراية البيضاء، عبر اغتيال قياداتها هم وعوائلهم. وقد بدأ العدوان فجر الثلاثاء، وانتهى مع وقف إطلاق نار رعته مصر مساء السبت.

وبعد أن تأخر رد الجهاد مدة ٣٦ ساعة، تضاربت التحليلات في تفسيره، من ارباك طال حركة الجهاد الإسلامي بعد الضربة العنيفة التي تلقتها، الى اعتبار تأخر الرد تكتيكا يفاقم قلق العدو واحتياطاته، وقد استهدفت حركة الجهاد الفلسطينية، بعد مهلة الانتظار، في إطار حملة “ثأر الأحرار” تجمعات لآليات وجنود الاحتلال بقذائف من العيار الثقيل، وحققت إصابات دقيقة ومباشرة، في منطقة تمركز آليات عسكرية خلف السياج الفاصل شرق مدينة غزة، كما استهدفت الصواريخ الفلسطينية مستوطنات غلاف غزة…

وفي اليوم الرابع، أعلنت قيادة جيش الاحتلال انها حققت أهدافها من العملية، التي اطلقت عليها اسم “درع وسهم”، فيما وصلت صواريخ المقاومة مدينة القدس بعد تل أبيب، في الوقت نفسه، كانت وسائل اعلام اسرائيلية تتحدث عن مناقشة “إسرائيل” وساطة مصرية لوقف قتال، اشترطت حركة الجهاد قبولها به، مقابل وقف جرائم الاغتيال لقيادتها، لكنها شروط لم تتحقق، بعد إصرار حركة حماس على اعتماد الهدنة، واستتب الهدوء متبادلا دون شروط.

وقالت هيئة الإسعاف الإسرائيلي، إنها تعاملت مع 57 إصابة في صفوف الإسرائيليين، منذ بداية التصعيد على قطاع غزة الثلاثاء الماضي، وقال الجيش الإسرائيلي إن خللا في منظومة “القبة الحديدية”، حال دون اعتراض صاروخ سقط على عمارة في مستوطنة رحوفوت، قرب تل أبيب، مكونة من طوابق عدة، وأصابتها إصابة مباشرة، مما أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة أكثر من 8 آخرين بجروح أو حالات هلع، ووفق التقديرات، فإن الصاروخ الفلسطيني من صنع محلي، وكان يحمل رأسا متفجرا بزنة 20 كيلوغراما.

وفي الضفة المحتلة أصيب العشرات برصاص الاحتلال، خلال وقفات احتجاجية على العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. وردد المشاركون في الوقفات الهتافات المنددة بجرائم الاحتلال والمجازر التي ترتكب في قطاع غزة، داعين إلى الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام…
فيما اعلنت وزارة الصحة الفلسطينية ان حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ارتفعت إلى 33 شهيداً (بينهم 6 أطفال و3 سيدات)، و147 جريحاً…

ولعل أهم عبر هذه المواجهة ودروسها هي:

ان الكيان الاسرائيلي نجح بان يحيّد حركة المقاومة الاسلامية حماس، خلال المعارك، واستفرد بحركة الجهاد الإسلامي، على الرغم من بيانات المقاومة في غزة، وإعلان قيام “غرفة عمليات مشتركة”، بحيث استهدف الحلقة الأضعف، وعزز قدرة الردع لكيانه، وتمكن من ترميم سمعته..

الكيان الاسرائيلي نجح بان يحيّد حركة المقاومة الاسلامية حماس، خلال المعارك، واستفرد بحركة الجهاد الإسلامي

ويقول وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين؛ ان إسرائيل ستحاسب مسؤولي حركة الجهاد الإسلامي الذين يقيمون في الخارج، وليس فقط الموجودين في غزة والضفة والقدس. وهو يريد التأكيد أن القتال الدائر هو “معركة ضد الجهاد حليفة إيران في قطاع غزة”؛ وليست “حرباً ضد قطاع غزة”؛ بدليل أن حماس التي هي العنوان السياسي والعسكري لقطاع غزة لا تشارك في القتال.. ويمكن بسهولة ملاحظة أن بيانات الجيش الإسرائيلي، خلت من تحميل حركة حماس مسؤولية ما يحصل من قتال؛ ووجهت كل “التهم” لحركة الجهاد الإسلامي

إن نتنياهو بموافقته على العملية في جولة تصعيد قصيرة وسريعة ومحدودة ضد الجهاد الإسلامي، قد سجل من خلالها مكسبا يرفع رصيده داخل إسرائيل.

وفي بيان لاحق بعد انجاز الهدنة، قال نتنياهو “أجهزنا على كل القيادة العليا في حركة الجهاد الإسلامي، دمرنا 17 مقرا للجهاد وقتلنا العشرات من الإرهابيين، ضربنا قواعد الصواريخ وأزلنا فرق الصواريخ المضادة للدبابات وأكثر من ذلك”. وأضاف “اليوم أعداء إسرائيل في غزة
وخارجها يعرفون أنهم حتى لو حاولوا الاختباء يمكننا وسوف نصل إليهم في أي وقت”.

وأكد الجيش الإسرائيلي أنه أصاب منذ الثلثاء 371 “هدفا إرهابيا”، وأن أكثر من 1230 صاروخا أطلقت من غزة على إسرائيل، اعترضت منظمة الدفاع الجوي أكثر من 370 منها. وتعمل هذه المنظومة الدفاعية عادة عندما تهدد الصواريخ مناطق مأهولة بالسكان.

ويرتبط حرص نتنياهو على إجراء حملة تصعيد عنيفة وسريعة وقصيرة الأمد، تنتهي قبل حلول تاريخ ١٩ ايار من الأسبوع الجاري، الذي يحل فيه يوم القدس، وهو موعد حساس على خلفية مسيرة الأعلام التي تقوم بها الصهيونية الدينية في القدس، البلدة القديمة ، ولذلك حاذر نتنياهو مد الجولة القتالية حتى يوم القدس. و ستسمح الهدنة لأقصى اليمين الديني أمثال بن غفير وسموتريتش وباقي الإرهابيين والعنصريين في حكومة نتنياهو، إلى ان ينشطوا ويثابروا، لتنظيم مسيرة الأعلام والاجتياحات للمسجد الأقصى وباحاته، لتنفذ في الاسبوع الحالي، يوم ١٩ أيار.

من جهة أخرى، حذر الناطق باسم “الجهاد الإسلامي” طارق سلمي إسرائيل من “أي عمل غبي أو اغتيال لقادة للمقاومة الفلسطينية”، بينما صرح محمد الهندي رئيس الدائرة السياسية في الحركة نفسها في اتصال هاتفي من القاهرة أن الاتفاق يتضمن تعهدا من إسرائيل “بوقف استهداف مجاهدين”.

وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان، أن “الهدوء سيقابل بالهدوء”. وأضاف أنه “إذا تعرضت إسرائيل لهجوم أو تهديد فستقدم على ما كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها. ويظهر ان وقف اسرائيل لعمليات الاغتيال يمكن ان يستأنف في اي زمان او مكان.

يتبدى من مجمل المشهد وتقلباته سؤال استراتيجي وملح، أين أصبحت “وحدة الساحات”، وكيف نفسر حياد حماس، وصمت حزب الله

يتبدى من مجمل المشهد وتقلباته سؤال استراتيجي وملح، أين أصبحت “وحدة الساحات”، وكيف نفسر حياد حماس، وصمت حزب الله وانكفائه، واختفاء الصواريخ اليتيمة التي كانت تنطلق عادة من حقول الموز قرب بلدة القليلة، وهدوء جبهة الجولان المدوي التي طال الحديث عن فتحها!؟

في المواجهة التي جرت دفاعا عن سكان حي الجراح في القدس، حقق الشعب الفلسطيني مكسبا بالمزاوجة بين فعاليات جماهيرية في الضفة والقطاع، إضافة لهبة عرب ال ٤٨، وعمليات القصف الصاروخي التي انضوت تحت اسم “سيف القدس”، كانت معركة كل الفلسطينيين، دفاعا عن عروبة القدس، معركة فلسطين عنوانها ومتنها، أما “وحدة الساحات” والتي تعني أنه في مواجهة اي عدوان اسرائيلي على قوى “المقاومة” في سورية او لبنان او فلسطين او ايران ستقوم قوى المحور بالرد من كل الساحات، وقد اعلن السيد نصرالله عن الاستراتيجية الجديدة بعد إمعان إسرائيل في ضرب مواقع إيران وميليشياتها في سورية، وسقوط ثلاثة قتلى من كبار ضباط الحرس الايراني الثوري فيها.

ستبقى فلسطين هي القضية حتى يوم انتصارها، اما ايران فلن تكون القضية حتى لو اختطفت راية فلسطين

ولعل أهم نتائج المعركة الاخيرة وعِبَرَها انها أظهرت ان استراتيجية “وحدة الساحات”، لم تشمل بمظلتها حركة الجهاد الإسلامي في غزة! ولا حماية فلسطين، بل كانت درءا لخطر يهدد ايران..

ستبقى فلسطين هي القضية حتى يوم انتصارها، اما ايران فلن تكون القضية حتى لو اختطفت راية فلسطين.

السابق
بين بري والبخاري.. هل من جولة قريبة من عروض «السيرك الرئاسي»؟!
التالي
محمد حسن عماد حيدر