«الحريات تحت مقصلة القضاء والأمن» في «منتدى جنوبية».. صاغية يُحذّر من كتم أصوات المحامين وجربوع تُنبّه من تصاعد حدّة الانتهاكات

لم تتوقف محاولات السلطة المتعاقبة في لبنان عن ممارساتها القمعية والدموية لكمِّ أفواه المحامين كما الإعلاميين وكل المعارضين لسياسة قوى الأمر الواقع، فرحلة الإنتفاضة لصالح صون حقوق المجتمع في المعرفة والعدالة متواصلة على الرغم من التهديدات، وهو ما أضاءت عليه ندوة "الحريات العامة تحت مقصلة القضاء والأمن" التي نظمها "منتدى جنوبية"، وتم خلالها عرض تجربة المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية الذي استدعي للاستجواب من قبل مجلس نقابة المحامين في بيروت في قضية التعديلات النقابية، وتحدثت خلالها الصحافية والباحثة في "مؤسّسة سمير قصير" وداد جربوع عن التضييق الذي يطال الإعلاميين والممارسات القمعية بحقهم، وأدارها الدكتور علي خليفة الذي قدّم نبذة عن مسار الحريات في لبنان واكد على والنضال في وجه تطويقها وضربها.

حفلت السنوات الأخيرة بانتهاكات جسيمة طالت حرية الرأي والتعبير عبر أساليب عدّة انتهجتها المنظومة الحاكمة من خلال أدواتها، وتحديداً النقابية، من أجل تطويق المنادين بها، الذين اختاروا المواجهة انتصاراً لثقافة ومشروع ورؤية تتماهى مع طموحاتهم الداعية الى قيام الدولة الحرة المستقلة وصون الحريات وتعدد الآراء، وهو ما تم عرضه في الندوة التي أقيمت في مكتب “جنوبية”، في حضور: الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، رئيس تحرير الموقع على الأمين، الدكتور حارث سليمان، الدكتور وجيه قانصو، الدكتور رامي فنج، الزميل مجيد مطر، حمزة خلف، يوسف مرتضى، وحشد من الشخصيات.

إقرأ أيضاً: «الغرف السوداء» تُهدّد الحريات العامة في لبنان!

اختار خليفة أن يستهل تقديمه بنبذة عن ضمانة الدستور اللبناني للحريات الشخصية والعامة، ولفت الى أنه “تم التأكيد على تلك الحريات وغيرها، غداة توقيع لبنان على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهود الدولية ذات الصلة التي ترمي إلى صون تلك الحريات وتعزيزها على كافة المستويات”، وقال:” بيد أن هذه الحريات بقيت عرضة للانتهاك، على يد سياسيين ومتنفذين وتجمعات ونقابات، طمحت إلى تقليصها والحد منها لمواجهة قضايا اجتماعية وطنية ضاغطة، و من هذه القضايا حقوق الناس والدفاع عنها، فهل تحتاج إلى إذن مسبق، والعدالة لضحايا تفجير مرفأ بيروت، فهل يجوز الالتفاف عليها؟، وحرية التعبير والصحافة، فهل مسموح قمعها والتضييق عليها؟”.

خليفة: الحريات بقيت عرضة للانتهاك على يد سياسيين ونقابات طمحت إلى تقليصها والحد منها

وسأل:” أو ليس الحد من الحريات واخضاعها لمراقبة مسبقة ايذاناً بتطويق هذه الحريات وضربها؟، إذ كيف لطاغية أن يحكم شعبا حراً وأبياً ما لم يكن في حرية ذلك الشعب شيء من الاستبداد وطبائعه وفي ابائه شيء من الذل والترويض”.

علي خليفة

صاغية

“ما حصل في نقابة المحامين مؤسف جدا ًفي فترة تتطلب حرية الكلام في القضاء والقانون، من قبل المختصين لإيصال الحقيقة إلى الناس أو على الأقل للقيام بنقاش عام لكي تكون الآراء في مجالها الصحيح”، بهذا الرأي وصّف صاغية القرار بحقه الذي اعتبر أنه “يفرض رقابة مسبقة على أي محامي يريد الحديث بأي شأن قانوني او قضائي”.

وقال:”عندما نقول رقابة مسبقة يعني أن النقيب هو الذي يحدد إعطاء الإذن بالكلام من عدمه، وبالتالي هو قادر على التحكم بإعطاء الإذن أو حجبه وفق ما يراه مناسباً، دون أن يكون هناك أي معايير أو ضوابط و مهل لإعطاء الإذن من عدمه، والأهم بدون أن يكون هناك أي إمكانية لمراجعة قراره، وبالتالي تتحول حرية المحامي من حرية مضمونة في الدستور والعهد الدولي لحقوق الإنسان لحرية ملازمة للشخص، إلى حرية مأذون بها، من الممكن أن تُمنح أو تُمنع، ما يعني أن هناك شيئا أساسيا في حقوق الإنسان تدمّر”.

صاغية: المحاماة لا تمارس دون حرية والمفروض أن لا يكون ثمن الحرية التخلي عن المهنة

ورأى “أن اخضاع الحرية لإذن مسبق يعتبر نسفاً لمبدأ حقوق الإنسان”، وقال:” هذا الأمر شعرت من خلاله بالخطر، فتخيير المحامي بين أن يكون محامياً، أو أن يكون حراً هو خيار غير معقول، فحريتك تستطيع ممارستها دون أن تخسر شيئا لا أن تضحي بمهنتك لكي تستطيع ممارسة حريتك، وفي نفس الوقت من غير المعقول أن تكون محامياً تدافع عن حياة الناس دون أن تحتكم للرأي العام وتخاطب الناس، خصوصاً في القضايا الإجتماعية الدقيقة والحساسة والتي بحاجة لتغيير أساسي أو تواجه فيها أشخاصاً نافذين”.

صاغية: الحرية لا يجب ان تكون مشروطة بالإذن المسبق ولا يبررها ادعاء السلطة بمكافحة فوضى الإعلام

وشدد صاغية على “أن الحرية لا يجب أن تكون مشروطة بالإذن المسبق ولا يبررها ادعاء السلطة بمكافحة فوضى الإعلام، فالمحاماة لا تمارس دون حرية، و يُفترض أن يكون ثمن الحرية التخلي عن مهنتك”، وقال:” كي أكون محامياً حراً سعيت لكسر القرار فتم استدعائي للتحقيق، وهو مبادرة خطيرة هدفها كتم اصوات المحامين، وكان لا بد من أن أخوض معركة سميتها معركة كسر هذا الخيار الذي هو غير منطقي لكي يكون المحامي حراً في النهاية، لأبقى محامياً حراً كما تعودت أن أكون منذ 29 عاماً وحتى اليوم”.

ولفت الى “أنه كان من الضروري مواجهة هذا الاستدعاء، والسكوت عن ذلك سيؤدي الى تغذية عملية القمع من بلد إلى أخر، والأكيد أن المتضرر الأكبر من هذا الأمر هم أجيال المحامين القادمة الذين سيجدون أنفسهم أمام سياسة تدجين حريتها تحت السقف، وسيتضرر المجتمع كله لأن جزءاً من الحقيقة سيغبب عن النقاش العام لأن الأشخاص الذين يستطيعون الكلام فيه سيكونون بحكم الشامتين”.

وقال صاغية:” هذا هو حجم المعركة، ولهذا اعتبرنا أن لديها أبعاداً مهمة جداً ويجب أن تخاض حتى لو دفعنا فيها اثماناً غالية، إن لناحية الحرية ووظيفتها، والهرمية داخل النقابات، كما العلاقة بين النقابة في الدفاع عن مصالح اعضائها، وفي الدفاع عن مصالح المجتمع”.
أضاف:”ما حصل في نقابة المحامين أمر مؤسف في مرحلة نحن بأمسّ الحاجة فيها الى حرية الكلام وخصوصاً بما يتعلق بالقضاء والقانون لإيصال الحقيقة الى الناس، ليأتي القرار لفرض رقابة مسبقة “.

وتابع:”أنتم سميتموها حملة ولكن أنا اسميها حملة احتكام للرأي دفاعاً عن حقوق طبيعية ودفاعاً عن سمعة النقابة كنقابة حريات، وليس للدفاع عن شخصي”.

وسأل:” هل هذا الإجراء يحد من الفوضى، هل يستطيع النقيب الواحد أن يتلقى اتصالات من 100 محام لاعطائهم الإذن اللازم؟”، لافتاً الى “أنه كنا نقول لهم بأنه لديكم السلطة التأديبية، فعندما يشتم المحامي ويكذب أو يهدد قاض على التلفزيون، تستطيعون محاسبته تأديبياً ولكن بصورة لبقة، بشرط أن لا تكون الحرية مشروطة بالإذن المسبق”، مشيراً الى “أن جزءاً من المحاميين غير مهتمين بالشأن العام، وهناك محامون اتفقوا معي في قصة التعديلات ولكن اختلفوا في قصة طرحها على الرأي العام، فيما المحامون المعنيون بالشأن العام، ناصرونا وكانوا بغالبيتهم معنا”.

صاغية: كي اكون محامياً حراً سعيت لكسر القرار فتم استدعائي للتحقيق وهو مبادرة خطيرة هدفها كتم اصوات المحامين

وأوضح “أن النقابة هي جزء من مؤسسات الدولة، وبالتالي هي في خدمة المجتمع وليست جزيرة مستقلة فقط لخدمة مصالح اعضائها، فالنقابة وجدت في القانون لتخدم المجتمع ، وبالتالي كان من المهم الاحتكام للرأي العام”.

وتطرق صاغية الى بروز دور محامي الحراك ونشأتهم، ورحلتهم التي بدأت باخبار الناس حول ما يحصل مع المعتقلين وقضاياهم وحملهم لواء الدفاع عن المعتقلين.

نزار صاغية

جربوع

فنّدت جربوع أسباب الازمات التي تحصل في لبنان، غياب المحاسبة على انفجار المرفأ الى الاغتيال الأخير الذي طال لقمان سليم، فلفتت الى أنه “لا يوجد أي تحقيق أمني جدي حصل، ولم يتم الوصول إلى أي نتيجة، مع تسجيل مماطلات قضائية في قضية اغتيال لقمان سليم، كما غيرها من القضايا حيث لا يوجد أي جواب بأي ملف من ملفات الاغتيال، أو خاتمة في ملف لقمان أو غيره من الصحفيين والشخصيات التي تعرضت للاغتيال”.

جربوع: غياب المحاسبة شرَع الأبواب أمام إزدياد الاعتداءات على المنادين بحرية التعبير

وشددت على “أن غياب المحاسبة شرَع الأبواب أمام إزدياد الاعتداءات على المنادين بحرية التعبير”، وقالت:”رأينا خلال التظاهرات الأخيرة اعتداءات من العناصر الأمنية كما الحزبية على اعلاميين خلال تأدية مهامهم خلال التظاهرات، ووصلنا إلى مرحلة لا تتم فيها المحاسبة، وبلغنا مرحلة معينة خطرة بمنحى التعديات التي تطال ملف الحريات بشكل عام، وحرية التعبير بشكل خاص”.

واعتبرت جربوع “أن ما يحصل ليس بالجديد وليس وليد هذه اللحظة، هو شيء قديم نواجهه فيما يتعلق بملف الحريات، والواضح أن هناك قراراً من السلطة السياسية في إسكات كل صوت حر وكل صوت يواجه هذه السلطة السياسية، إن كان محامياً أو صحافياً أو غير ذلك”.

وقالت:” استاذ نزار هو النموذج الذي تخاف منه السلطة السياسية، ليس فقط في لبنان وإنما في الدول العربية كافة والدول القمعية الموجودة” مشيرة الى أنه “يتم التعاطي في ملف الحريات في لبنان بطريقة قمعية حسب الازمات التي يمر بها البلد، سياسية، أمنية، أو اقتصادية، إذ نرى كيف أن الأجهزة الأمنية والقضائية تستشرس وتعزز القبضة الأمنية على البلد تحديداً في الازمات”.

ولفتت الى “أن تصاعد حدة الانتهاكات ضد حرية التعبير لم تبدأ منذ سنتين فحسب، وإنما منذ تظاهرات 2015، ورأينا خلال هذه التظاهرات كيف كان يتم التعاطي مع المتظاهرين او الناشطين أو حتى مع الجسم الاعلامي، وانتقلنا خلال عهد ميشال عون فرأينا تصاعد حدة الانتهاكات بشكل كبير، وصولاً إلى النقطة الفاصلة التي هي ثورة 17 تشرين التي وصلت فيها الانتهاكات بأعلى نسبة، واللافت فيها نوعية الانتهاكات وطريقة التعاطي مع المتظاهرين والجسم الاعلامي”.

وتطرقت جربوع الى التعديات على الجسم الإعلامي، فأوضحت أن” السلطة تقوم بالتضييق على الحريات، وخصوصاً حرية التعبير منذ بداية ثورة 17 تشرين، وتم تكسير معدات صحافية وسحل مصورين وتصاعد بالاستدعاءات من قبل الجهات الأمنية لكل شخص يغرد خارج فضاء السلطة السياسية”، وقالت:” ليس غريباً فالجميع يعلم أن الأجهزة الأمنية في لبنان خاضعة لتأثير الاحزاب السياسية، وبالتالي كل حزب لديه تأثيره على جهاز أمني، فإذا انتقد صحافي أو ناشط شخصية سياسية معينة نرى كيف يُحرّك حزب معين هذا الجهاز للتحقيق معه واحتجازه”.

جربوع: السلطة تقوم بالتضييق على الحريات وخصوصاً حرية التعبير منذ بداية ثورة 17 تشرين

أضافت:” رأينا مثول الناشطين والصحافيين أمام محاكم غير مختصة، والكثير من الصحافيين تم استدعاؤهم من جهات أمنية وتم التحقيق معهم من قبلهم، والكل يعلم أن محكمة المطبوعات هي المخولة فقط بالتعاطي مع الصحافيين، وهناك صحافيون مثلوا أمام محاكم عسكرية ومدنون وناشطون بعد أو خلال ثورة 17 تشرين، كما هناك أحكام عسكرية بحق صحافيين وممثلين”.
وختمت جربوع بالقول:”التضييق الهائل على الحريات وحرية التعبير في لبنان يظهر وكأن السلطة السياسية تحاول ترسيخ ثقافة القمع في هذا البلد”.

وداد جربوع

الحرية وانتهاكات السلطة.. تحت مجهر النقاش

شكّلت انتهاكات حرية الرأي والتعبير وأسباب ممارسات السلطة لكمّ الأفواه وتقييد حرية التعبير في لبنان خلال السنوات الأخيرة محور نقاش بين المتحدثين والحضور، فاعتبر الدكتور حارث سليمان “أن ما قام به نقيب المحامين من استدعائه لمحام والتحقيق معه من قبل مجلس النقابة، هو تجاوز لحد السلطة”، مشيراً الى أن ” لا وجود للقضاء وهو سبب غياب المساءلة والمحاسبة”.

حارث سليمان

أما الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، فرأى أن “قمع الحريات هي سياسة ممنهجة تم تطبيقها خلال السنوات الأخيرة”، لافتاً الى “وجود تداخل مصالح بين السلطة ونقابة المحامين”.

ابراهيم شمس الدين

من جهته، أوضح الدكتور وجيه قانصو “أن الحرية ليست قضية قانونية ونقابية، بل هي حقيقة الدولة ومصيرها، ويتم العمل على تعزيز ثقافة اللادولة والفوضى وتعميمها”، وقال:”قضية الناشط المحامي نزار صاغية تعنينا جميعا، فهو في موقفه هذا يدافع عن حريتنا، وسلطة الامر الواقع التي تقمع اللبنانيين تسعى الى ان تكون بديلا عن الدولة”.

وجيه قانصو
وجيه قانصو

وشدد يوسف مرتضى على “أنه يتم بناء ثقافة الفوضى وتعميمها عبر قوى مفروزة من أجهزة الدولة”، مشيراً الى ان “17 تشرين شكّلت خميرة مهمة لتغيير ثقافة المجتمع نحو ثقافة القانون”.

يوسف مرتضى

من جهته، لفت رامي فنج الى أنه” تم افراغ الدولة من كل مؤسساتها، وبتنا أمام مؤسسات ميليشياوية وممارسات دموية، ونحن بحاجة الى اعادة بناء من جديد”.

وأوضح حمزة خلف “أن الحرية هي الأمن الحقيقي، ومعها أنشئ مبدأ النقد البناء من أجل الإصلاح وتفادي الأخطاء، وأي نقابة تقوم لها محددات مهما كان النص، والمشكلة كانت بالنقيب والقائد وتعاطيه”.

رامي فنج

وفي تعقيب على تساؤلات الحضور، اعتبر صاغية “أن استمرار الحروب من أجل الحرية والعدالة والمساواة هو مكسب للمجتمع بغض النظر عن النتائج المأساوية”، وتحدث عن “وجود هرمية في نقابة المحامين، وتطرق الى نشأتها ونظامها وضرورة التمسك بالضوابط والأخلاقيات”.

ورأت جربوع أن” الإشكالية التي تحصل في نقابة المحامين تعاني منها نقابة المحررين، وهو ما أدى الى انشاء جسم نقابي بديل للدفاع عن حقوق الصحافيين”.

رئيس تحرير موقع “جنوبية” علي الامين
جانب من الحضور
جانب من الحضور
السابق
بالفيديو: لحظة اختطاف المحامي طارق شندب في طرابلس
التالي
ملف اللاجئين السوريين تابع.. المفوضية الاممية ستسلّم الداتا للحكومة