هذه الساعة التي تفرّقنا وهذه الدقيقة والثواني التي تجمعنا

غسان صليبي

(اما وان الكلام عن “الساعة” هو حديث الساعة، اعيد نشر هذا النص الذي يعبّر عن هم وجودي انساني كوني بعيدا من التفاهات الطائفية المتلطية حينا وراء الانتماء الى الدين وحينا آخر وراء الانتماء الى العالم)

وانت تتابع بانتباه
على شاشة الطائرة امامك
اختلاف التوقيت بين بلد وآخر،
تلاحظ ان هذا الاختلاف
هو فقط في الساعات،
بينما الدقائق والثواني
تشير إلى نفس الأرقام
هنا وهناك
وفي لحظة معينة.

هل من دلالات وجودية
لهذا الواقع العالمي،
سألت نفسي
وانا على متن الطائرة
في رحلة قصيرة؟

للوهلة الأولى تظن
بانه مهما اختلفت الساعة
كتوقيت زمني بين هنا وهناك،
تبقى الساعة كعدد دقائق وثوان
هي هي هنا وهناك.

وللوهلة الثانية
وبعد تنقّلك بين بلد وآخر
تكتشف بحسرة،
ان الزمن المعاش بالفعل
حسيّاً وانتاجياً وقيمياً
خلال ساعة من الزمن،
هو كل الفرق
بين الهنا والهناك.

لكنك سرعان
ما تعيد النظر برأيك
وتلطّفه للمرة الثالثة،
وذلك بعد التنقل والسفر
بين قلوب الناس
هنا وهناك،
اذ انك تكتشف بفرح
هذه المرة
ان ما يجمع بين البشر
يمكن ان يكون
اكثر مما يفرقهم.

أكثر ما يجمعهم
هو ما تختزنه وتلخّصه
عن أحوال البشر المشتركة،
هذه الدقيقة وهذه الثواني
التي نقيس على أساسها
ضغط الدم
وعدد دقات القلب
وأحواله
هنا وهناك
على حد سواء.

أليس لافتاً ومذهلاً
ان الفسحة الزمنية
بين دقات القلب
توازي تقريباً في معدلها
الفسحة بين ثانية واخرى.

وكأن علماء الفلك
انما اخترعوا الوحدات الزمنية
بحساباتها الصعبة،
على وقع نبض قلبهم وومضاته
وليس على اساس
الضوء الشمسي وفتراته.

ربما كانت هذه المواءمة
بين دقات القلب وتتابع الثواني
هي نتيجة حرص علماء الفلك
-وهم كانوا أيضاً فلاسفة وأطباء-
على أن يسير الزمن أو ينقطع
بالتزامن التام
مع مسار ومصير
بني جنسهم.

غسان صليبي
(من كتابي “زهرة في حائط”)

السابق
بعد العودة إلى التوقيت الصيفي.. بيان هام من MEA بشأن جدول الرحلات
التالي
صرخة الاغتراب اللبناني للطبقة الحاكمة: لحفاظ حقوق المودعين وانتخاب رئيس وإلا..!