حين تسقط «الروح» الرياضية في آتون «الطائفية» اللبنانية!

تتجلّى أهمية الرياضة في كونها ضرورية ليس فقط لصحة الفرد الجسدية، كما هو متعارف عليه، وإنما أيضاً النفسية. كما لا تظهر هذه الأهمية على المستوى الفردي فحسب، بل تطال “البينفردي”، لأنها تدخل في صلب علاقات الأفراد بين بعضهم البعض، ومن ثم علاقاتهم مع المحيط. و يعود السبب في ذلك، إلى إسهامها في استدخال قيّم تتعلّق بالعمل الجماعي، الذي يؤدّي دوره في تجذّر الروابط. و هذا ما يحصل، على سبيل المثال، في الرياضات التي تتطلّب تشكيل فرق ككرة القدم أو السلة أو اليد….
ومن هذا المنطلق، تتبدّى الروح الرياضية حاجة للمجتمع، لأنها تشكّل ركيزة أساسية في تدعيم الاستقرار الاجتماعي، نتيجة ما تبثّه من روح التعاون، للوصول إلى هدف مشترك، يتمثل في الفوز و احترام الآخر و تقدير امكاناته، و تقبّل الخسارة والعمل على الفوز، بالإضافة إلى إدارة الانفعالات بشكل سليم و ضبط النفس و تقبّل النقد.

تتبدّى الروح الرياضية حاجة للمجتمع لأنها تشكّل ركيزة أساسية في تدعيم الاستقرار الاجتماعي


وعلى هذا النحو، يمكن القول أن الروح الرياضية، لا يجب أن تنحصر في الجانب الرياضي من حياة الفرد، ومن الضروري أن تمتد إلى جوانب الحياة كافة، الخاص و العام والمهني والسياسي…
وبما أن الرياضة تهمّ الفئات العمرية كافة، وخصوصاً تلك التي تعدّ حسّاسة، أي المراهقة والشباب، فقد شكّل توظيفها لخدمة التأثير على المراهقين والشباب، والنيل من وعيهم هدفاً سهلاً في المجتمع اللبناني، الذي يعاني من طائفية نظامه السياسي.
وكان من الطبيعي، أن أثرت طبيعة هذا النظام في مجمل نواحي حياة اللبناني، فحدّدت، على سبيل المثال لا الحصر، قوانين الأحوال الشخصية وتوزيع “الحصص” في الحياة المهنية. و لم توفّر الحياة الرياضية، فمن الملاحظ أنها أعطت لكل النوادي الرياضية، تقريباً، هويات طائفية خاصة. وكانت النتيجة الطبيعية، أن انقسم جماهيرها طائفياً، فتبنّت مواقف سياسية غرائزية و عدائية تجاه بعضها البعض. مما أدى إلى الاقتصاص من الروح الرياضية!… بمعنى آخر، لقد جرى شحن الشباب طائفياً و سياسياً من خلال الرياضة. وبدلاً من أن تسهم في نشر القيّم الوطنية، وتجذّر مفهوم المواطنية، عزّزت الرياضة قيّماً إيديولوجية وسياسية رجعية ومتخلفة، عبر خطاب الكراهية والحقد والاستعلاء، الذي أطبق على وعي الفئة الشبابية، التي تعدّ نبض التغيير في المجتمع.

من الضروري أن تمتد إلى جوانب الحياة كافة الخاص و العام والمهني والسياسي

لقد حوّلت كل طائفة جمهورها أو “حشدها” الرياضي، إلى “أتون” توقده عندما تشعر أنها محرَجة أو مربَكة سياسياً. وكأنها تستخدم حشدها هذا في سبيل إرهاب الآخر و حماية نفسها من ثم.
وما إطلاق الشحنات الانفعالية العدوانية، التي شهدناها في ملاعبنا اللبنانية، سوى دليلاً على غرس ثقافة إقصاء الآخر و إلغائه، والتي غالباً ما تكون ملازمة لثقافة الموت. إذ تخشى السلطة الطائفية العيش المشترك، وتربكها ثقافة تقبّل الآخر، فتلجأ إلى أي وسيلة تراها ممكنة، لضرب هذا العيش حتى لو استغلّت الرياضة. و يأتي تفريغ العدوانية ليمثل انعكاساً لكراهية الآخر، و دليلاً على التحريض نتيجة التعبئة الممنهجة، التي تقوم بها مافيات سلطة انحدرت في انحرافها.

وإذا ما تناولنا الحشد أو الجمهور، بشكل عام، لوجدنا أنه يؤدّي دوراً في إضعاف الوعي الفردي، حيث يمكن أن يسود المنطق والتبصّر و العقلانية، ليعزز على حسابه لاوعيّاً جماعياً “مبرمجاً”، يطلق غرائزية المواقف و ردود الأفعال.

ومن هذا المنطلق، تظهر الرياضة في المجتمع اللبناني وسيلة عبور لعنصرية “دين – سياسية” بامتياز. وهذا يعدّ بحدّ ذاته جريمة نكراء، لأن من ينشر التحريض الطائفي والسياسي وثقافة إلغاء الآخر، هو مجرم يتوجّب عقابه، باعتباره يشكل خطراً على الأمن الاجتماعي والتماسك الأهلي.

حوّلت كل طائفة جمهورها أو “حشدها” الرياضي إلى “أتون” توقده عندما تشعر أنها محرَجة أو مربَكة سياسياً

حوّلت السلطة السياسية الرياضة من وطنية إلى طائفية، وتعمّدت بذلك عملية استلاب للشباب اللبناني، الذي أضحى مغيّباً تماماً عن قضاياه المحقّة. و ما يحصل هو أن تفريغ الانفعالات العدوانية الناجمة عن الازمات الاقتصادية، يتمّ على مدرّجات الملاعب، وتتبادل الجماهير الاتهامات من كل حدب و صوب، فينفذ “الزعيم” من مسؤوليته و يحصل على “براءته”!…

خلاصة القول، وقعت الرياضة في لبنان ضحية مافيا السلطة الطائفية التي تعمّدت، من خلالها، شق صف اللبنانيين، و إضعاف وحدتهم، حول القضايا المصيرية المتعلقة بحياتهم ومستقبل أولادهم. بعد ان استباحت حقّهم حتى في أبسط الحقوق المتمثّلة في الصحة الجسدية.

السابق
كم بلغ حجم التداول على منصة صيرفة اليوم؟
التالي
هل يؤدي «الضجيج» الاسرائيلي إلى عمل عسكري؟!