وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: ترشيحات رئاسية لتعميق الفراغ

ندوة كتاب وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

بعد صمت طويل، اتّخذ ترشح سليمان فرنجية وضعية جديدة بالكامل  بعدما بات مرشحاً رسمياً وحصرياً للثنائي الشيعي. هي وضعية سبقها مسار هادئ من اختبار النوايا وحرق الأسماء، واستطلاع خارطة توزّع القوى السياسية في الداخل وانكشاف درجة تضامن القوى “السيادية” و “التغييرية” وتضعضعها، تناغمها وتنافرها، جديتها وقابليتها للمساومة وحتى للتنازل.

اتّخذ ترشح سليمان فرنجية وضعية جديدة بالكامل بعدما بات مرشحاً رسمياً وحصرياً للثنائي الشيعي

وبعد محاولات وجهود دبلوماسية وسياسية، خاضها حزب الله وراء الستار وبمساعدة فرنسية، لكن من دون جدوى، لانتزاع القبول بسليمان فرنجية من السعودية والولايات المتحدة، بتصويره شخصية تواصلية وغير صدامية، وبأنه سيراعي مصالح تلك الدولتين وسيكون على مسافة متساوية من الجميع. 

هذا يعني أن معركة الرئاسة، انتقلت عند هذا الثنائي، حزب الله تحديداً، من الغموض والتلميح والتريث، إلى الصراحة والمباشرة والمواجهة، من سلوك جسّ النبض والمفاوضة، إلى الاصطفاف وبناء تحالفات ووضع استراتيجيات، توفر الشروط الموضوعية والسياسية لمجيء سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية اللبنانية. هي معركة لن تخاض داخل البرلمان، أي هي ليست معركة على قواعد ديمقراطية، ولن يكون الدستور وبنوده إطاراً ومرجعية لها، بقدر ما ستكون معركة كسر إرادات، تستباح بداخلها كل الوسائل والأدوات، حيث لا سقف للمواجهات المقبلة، بحكم أن الغرض ليس إحياء المؤسسات الدستورية وصونها، بقدر ما هو إثبات وترسيخ صاحب الكلمة الأخيرة والقرار الحاسم في ملف الرئاسة، بل سائر ملفات الحياة العامة.

معركة الرئاسة انتقلت عند هذا الثنائي، حزب الله تحديداً من الغموض والتلميح والتريث إلى الصراحة والمباشرة والمواجهة

  هي معركة لا نتوقع من حزب الله أن ينسحب منها، أو يتنازل عنها أو حتى يساوم عليها، لأنها جزء أساسي من الضمانات الأساسية التي توفر له غطاء لوضعيته الأمنية غير السويّة.

 السؤال الاساسي هنا: ما هي عناصر القوّة التي يعتمدها حزب الله، والمؤشرات أو التحولات التي راهن أو سيراهن عليها لتحقيق مسعاه؟ بخاصة وأن الكثير من عناصر الضغط والابتزاز السابقة التي مارسها للإتيان بميشال عون، لم تعد موجودة ومتوفرة له. فلا التهديد بالإنهيار الاقتصادي ينفع لأن البلد وصل إلى مستويات انهيار غير مسبوقة، ولا التلويح باهتزاز السلم الأهلي يفيد، بحكم أن الانقسام العامودي في المجتمع اللبناني يتعمّق ويتوسّع، إضافة إلى أن الأبواب الدولية، السعودية والأمريكية تحديداً، ما تزال موصدة بإحكام بوجه فرنجية. هذا فضلا عن أن حجم الحزب النيابي بعد انفصال حليفة العوني عنه، بات ضئيلاً وضعيفاً، ما يحجب عنه قدرة الحسم البرلماني لصالح فرنجية. بعبارة أخرى، الأدوات التي اعتمدها الحزب في السابق للإتيان بفرنجية رئيساً حالياً لم تعد متوفرة، وحتى لو كانت متوفرة لم تعد تنفع الحزب. فكما أنك لا تسبح في النهر مرتين، فإنك لن تربح الحرب مرة ثانية بنفس الاستراتيجية والخطة، التي ربحت بها الحرب الأولى.

هي معركة لا نتوقع من حزب الله أن ينسحب منها أو يتنازل عنها أو حتى يساوم عليها

قد يرى البعض أن ترشيح فرنجية محاولة من الثنائي الشيعي لتفعيل الانتخابات الرئاسية ودفعها نحو نهاياتها الحميدة. أيّ هو جزء من تخلص حزب الله من تعهداته لسليمان فرنجية ليلقى ترشيح فرنجية مصيراً يشبه ترشيح معوض، كمدخل للتفاهم مع القوى المضادة للحزب، على إسم مشترك يحظى بمقبولية داخلية وخارجية. 

هذا التحليل منطقي، داخل وضعية سياسية طبيعية في تنافس الأحزاب على السلطة، لكنه لا ينطبق على الوضع السياسي الحالي في لبنان، ولا ينسجم مع السياق السياسي لأداء حزب الله، سابقاً وحالياً.  فالعقدة ليست في من يأتي رئيساً للجمهورية، بل في وضع قواعد لعبة جديدة، مع قطع النظر عن اللاعبين من أحزاب وشخصيات. هي لعبة تكون بمثابة عرف راسخ غير رسمي، يتفوق في تحكمه وتنظيمه للحياة السياسية على الدستور المدون. عُرف يجسّد موازين القوة الفعلية، أيّ قوّة الحسم والإرغام والغلبة، لا قوة التمثيل والتنافس الديمقراطي.  بالتالي ما نحن فيه، هو جزء من سياق أداء لحزب الله، بدأ منذ الانسحاب السوري في لبنان، لاستيعاب وامتصاص الارتدادات التي ولدها مقتل رفيق الحريري، ولخلق ترتيبات سياسية جديدة توفّر له تدريجياً مقومات أمان وحصانة لوضعيته الخاصة.  هو أداء يختلف في مظاهره ويتنوّع في خطابه وطرق تحالفاته، لكن تقف وراءه استراتيجية واحدة وغرض واحد، وهو فرض قواعد انتظام سياسي جديد في لبنان.  ما يعني أن انتحاب الرئيس جزء من معركة أوسع ذات امتداد زمني بعيد. 

ما يعني أن انتحاب الرئيس جزء من معركة أوسع ذات امتداد زمني بعيد


قد لا تتوفر لدى الحزب عناصر أرجحية سياسية، مثلما كانت متوفرة له في السابق، لكنه لم يستنفذ أوراقه كلها، وتبقى الخيارات والبدائل أمامه مفتوحة، بخاصة وأنه صاحب الاقتدار الأمني والعسكري الذي لا ينافس أو يضاهى في لبنان.  لذلك لا تجده على عجلة من أمره، بل يراهن على أن الزمن لصالحه، بخاصة وأنه استطاع عزل نفسه عن تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية، وأن تماسكه الأيديولوجي والتنظيمي، يحولان دون امتداد تأثيرات الفوضى الناجمة عن انهيار الدولة على بيئته الحاضنة، هذا إضافة إلى غياب أي ضغط دولي جدي، للدفع باتجاه حفظ الدولة وتنفيذ اتفاق الطائف. ما يجعل لبنان ساحة مفتوحة للأقوى والأجدر على البقاء.
بات واضحاً أننا أمام مبادرات وترشيحات لا للخروج من فراغ الرئاسة، وإنما لإطالته وتعميقه وأخذ تناقضاته إلى أقصاها.

السابق
ترشيح نصرالله لفرنجية بـ «قلم رصاص» ورصْدٌ… لِما بعد
التالي
في إستقبال «عيد المرأة العالمي»: «تطبيع» عربي مع القتل والإغتصاب والتزويج المبكر.. ولبنان لا «ينأى» بنفسه!