في إستقبال «عيد المرأة العالمي»: «تطبيع» عربي مع القتل والإغتصاب والتزويج المبكر.. ولبنان لا «ينأى» بنفسه!

يوم المرأة العالمي

تبدو الاحداث الثلاثة التالية، للوهلة الاولى، وكأنها لا رابط بينها، تلتقي بالصدفة قبيل “العيد العالمي للمرأة.” الحكام العرب يطبّعون مع الأسد بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا. قسم كبير من الشعوب العربية يدافع عن المغني المغربي سعد لمجرد، بعد ادانته من محكمة فرنسية بإغتصاب إمرأة فرنسية. وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجّار، في مقابلة معه، دعا الأمم المتحدة لإعادة تحديد أولوياتها في لبنان، معتبرا أن “الأولويات حالياً ليست إعطاء المرأة حقوقها ومشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية، وليس أولوية أيضاً الحد من تزويج القاصرات، والتخفيف من الانجاب، فهذه أمور لن تحل الأزمة التي يعانيها لبنان”.

قرار التطبيع أُتخذ منذ زمن لكنّه كان يحتاج لحجة مقنعة وقد جاءته على شكل زلزال

بعد أن طبّع الحكام العرب مع إسرائيل، ها هم يطبّعون مع نظام الأسد في سوريا. قرار التطبيع أُتخذ منذ زمن، لكنّه كان يحتاج لحجة مقنعة، وقد جاءته على شكل زلزال قتل الكثير من السوريين ودمّر منازلهم وممتلكاتهم على رؤوسهم، مما حرّك “عواطف” الحكام العرب ودفعهم نحو التطبيع مع النظام. المفارقة ان مقاطعة نظام الأسد تحججت في حينه، بأنه يقتل شعبه ويدمّر بيوتهم وممتلكاتهم على رؤوسهم. اي ان ما فعله الزلزال فعله الأسد من قبله، ولا يزال يفعله حتى اليوم، وعدد قتلاه أكثر بكثير من الزلزال، والدمار الذي تسبب به أشمل وأعمّ.

حجة التطبيع مع الأسد هي إذا غير مقنعة، حتى ولو تلبّست ضمنيا، هدفا “ساميا” من مثل إبعاده عن ايران وتقريبه من العرب. الحجة تحاول ان تغطّي على البشاعة ببشاعة أخرى، وعلى مآسٍ بمآسٍ أخرى. وكأنّ صوت الزلزال صمّ الآذان عن سماع أنين الأسرى والمفقودين في سجون الأسد. وكأن التصدّعات التي أحدثها الزلزال في الأرض السوريّة، حجبت الصورة عن تصدّعات المجتمع السوري نتيجة حرب الأسد على المعارضة السوريّة. وكأن الحزن الذي خيّم على الشعب السوري نتيجة الزلزال، أنسى العرب الحزن الذي لم يفارق السوريين منذ 13 سنة.

حجة التطبيع مع الأسد هي إذا غير مقنعة حتى ولو تلبّست ضمنيا هدفا “ساميا” من مثل إبعاده عن ايران وتقريبه من العرب

في الواقع، وفي جوهر سلوكهم، الحكّام العرب يطبّعون اليوم كما بالأمس، مع القتل، مع قتل السلطات العربية لشعوبها، كما مع قتل الإحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني. إنه تطبيع مع القتل بإسم الدين والعروبة والعقائد السياسيّة و….السلام. واذا كان قتل الشعوب لا يميّز بين رجل وإمرأة، لكنه يستسهل أكثر، عمليا وعقائديا، قتل المرأة.

ترافق التطبيع مع القتل في توقيته، مع دفاع قسم كبير من الشعب العربي، رجالاً ونساءً، عن المغني المغربي سعد لمجرد، بعد أن أدانته محكمة فرنسيّة بإغتصاب إمرأة فرنسيّة. حجج الدفاع عنه متنوّعة. بعضها شكّك بصدقيّة الحكم، معتبرةً المسألة تعدّيًا أجنبيا مقصودا على مواطن عربي. البعض الآخر اعترف بحصول إغتصاب، لكنّه حمّل المرأة الفرنسيّة المسؤوليّة، لأنها ارتضت ان تصعد مع المغني الى غرفته في الفندق وتغازله وهو في حالة سكر.

ترافق التطبيع مع القتل في توقيته مع دفاع قسم كبير من الشعب العربي، رجالاً ونساءً عن المغني المغربي سعد لمجرد

ليست المرّة الأولى التي تُحمَّل المرأة مسؤوليّة الإغتصاب أو التحرّش الجنسي في الأوساط الشعبيّة العربيّة، فتارةً لباسها هو السبب، وطورًا جمالها او كلامها أو تفاعلها مع الغزل. لا فرق عند هؤلاء بين الإثارة الجنسيّة والإغتصاب، او بين ممارسة الجنس والإغتصاب، وكأن الاول مرادف للثاني. لا أهميّة لإرادة المرأة ولقرارها الحر، ولا لعنف الرجل المغتصِب ولعذاب المرأة المغتصَبة خلال وبعد الإغتصاب. فالعنف كما القتل غير مدان بشكل قاطع في المجتمعات العربيّة، والجنس لا يمكن فصله عن الإكراه والعنف، على مستوى الوعي الشعبي، في ثقافة تنبذ الحريّة الجنسيّة وتضطهّدها.

ليست المرّة الأولى التي تُحمَّل المرأة مسؤوليّة الإغتصاب أو التحرّش الجنسي في الأوساط الشعبيّة العربيّة

لم يدافع وزير الشؤون الإجتماعيّة اللبناني عن الإغتصاب، في تصريح له متزامن مع حملة الدفاع عن المغني المغربي. لكنّه اعتبر ان تزويج القاصرات ليس وقته الآن، فهذه مسألة “لن تحلّ الأزمة التي يعانيها لبنان”. لا يعي الوزير ان التزويج المبكر هو “إغتصاب شرعي” للفتيات، عندما يحصل دون رغبتهن. كما انه لا يفقه او ربما لا يبالي، بكون هذا الزواج المبكر، هو عامل من عوامل إنجاب مواطنين، تنقل اليهم امهاتهم قهرهن وحياتهن العائليّة البائسة مع أزواجهن، فيعبّرون عنه بمشكلات نفسيّة مترافقة عادةً مع ممارسة العنف على الآخرين.

اعتبر ان تزويج القاصرات ليس وقته الآن فهذه مسألة “لن تحلّ الأزمة التي يعانيها لبنان

أقول ذلك مع معرفتي ان الوزير المعني هو “إختصاصي في العمل الإجتماعي”، زوّدته الجامعة بالتأكيد معلومات حول تأثيرات هذا النوع من المشكلات الإجتماعيّة، لكن تصريحاته اليوم تدل وكأنه نجح في الامتحانات دون ان يكون أهلاً لذلك. المشكلة أكبر واعمق، كون الوزير وزيرًا للشؤون الإجتماعيّة ومن مسؤوليته الإهتمام بهكذا مشكلات ووضعها من ضمن أولوياته، حتى ولو لم تكن بحسب إعتقاده، من أولويات الوطن ككل في أزمته الحاليّة.

لفهم موقف الوزير”الإختصاصي في العمل الإجتماعي”، لا بدّ من الإنتباه الى انه اعتبر مشاركة المرأة في الحياة السياسيّة، غير ذات أهميّة أيضًا في الظروف الحاليّة. مع علمه الأكيد، أن المسؤوليّة الكاملة عن الأزمة على المستوى السياسي، تقع على مجموعة من الذكور حكموا البلاد لمدة طويلة من الزمن ولا زالوا يحكمونها حتى اليوم. وإذا لم يكن جائزًا إعتبار “العامل الذكوري” سببًا رئيسيا في حدوث الأزمة، غير ان فرضيّة كونه من العوامل المؤثّرة جدًا، أكثر من مقبولة، وتستحق التوقّف عندها وعند إحتمال تحسّن أحوال البلاد مع مشاركة أكبر للنساء في الحياة السياسيّة.

لفهم موقف الوزير”الإختصاصي في العمل الإجتماعي” لا بدّ من الإنتباه الى انه اعتبر مشاركة المرأة في الحياة السياسيّة غير ذات أهميّة أيضًا في الظروف الحاليّة

واقع ان هذا الوزير كان من بين الوزراء اللبنانيين الذين زاروا الأسد بعد الزلزال، يساعدنا على “تفهّم” عدم مبالاته بتزويج القاصرات وبممارسة الإغتصاب “الشرعي”، فالذي يطبّع مع القتل من السهل عليه التطبيع مع تزويج القاصرات.

انهي الكلام عن الحدث اللبناني، بحدث مستجد تناولته الصحف قبيل انتهائي من كتابة هذا النص. فقد جاء في صحيفة المدن الالكترونية:
“يخضع للتوقيف منذ سنة، المتهمون الذين اعترفوا بقتل ام وبناتها الثلاث في بلدة انصار، وجرت تدابير قضائية عديدة، وكان متوقعاً أن يصدر الحكم اليوم الاثنين في 6 آذار، قبل أن يطلب المحامي الاستمهال، وعرض مرتكب الجريمة على طبيب نفسي.

وفي التفاصيل، طلب وكيل الدفاع عن المتهم الأول عرضه على طبيب نفسي، فوافقت هيئة محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضي سامي صدقي وعضوية المستشارتين القاضيتين ميراي ملاك ولما أيوب، على الطلب. ودفع هذا الطلب المحكمة الى ارجاء المحاكمة الى 10 حزيران/يونيو المقبل.

عندها، اعترضت النساء الحاضرات في الجلسة، وهن خالات الشقيقات الثلاث، كما اعترض والد الفتيات زكريا الصفاوي. وتناقل رواد مواقع التواصل مقطع فيديو يظهر النساء يعترضن ويتحدثن بحدة مع القاضي. وقالت مصادر قضائية إن إحدى النساء وجهت كلاماً نابياً للقاضي، ما دفعه للطلب من الضابطة العدلية توقيفها تأديبياً لمدة 24 ساعة.” الخبر يتكلم عن نفسه، وكذلك الصور المرفقة. فقد لفتني نشر نساء مستنكرات لموقف المحكمة، صورا للقتيلات الأربعة وهن محجبات، مع انهن جميعا كن سافرات في حياتهن.

يجري كل ذلك في “الوطن العربي” فيما نساء إيران تتابعن نضالهن من اجل تحرير المرأة والمجتمع على حدّ سواء من قبضة النظام الديني العسكري

يجري كل ذلك في “الوطن العربي”، فيما نساء إيران تتابعن نضالهن من اجل تحرير المرأة والمجتمع على حدّ سواء، من قبضة النظام الديني العسكري. وهن يتعرضن لجميع اشكال العنف بسسب ذلك، آخرها تعرض عدد كبير من تلميذات المدارس في ولايات عدة متفرقة، للتسمم بالغاز. وبما أن إيران تسيطر على لبنان وسوريا والعراق واليمن، لا بدّ للإنتفاضة النسائيّة الإيرانية ان تشحذ همم النساء والرجال العرب، فيرفضون التطبيع مع القتل والإغتصاب والتزويج المبكر في مجتماعاتهم، والذي يطال اكثر ما يطال المرأة. وليس أفضل من “عيد المرأة العالمي” لإعادة إحياء هذا الأمل.

السابق
وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: ترشيحات رئاسية لتعميق الفراغ
التالي
خاص جنوبية: الدولار اللبناني في مهب التهريب الى سوريا والعراق.. فإيران!