حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل تُبعد التنازلات الإيرانية شبح الضربة العسكرية؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

المناورات الصاروخية والدفاعية المشتركة بين الجيش وحرس الثورة، التي اجريت قبل ايام بهدف اختبار جاهزية انظمة الدفاع الجوي، في سلاح الصواريخ والطيران الحربي النفاث والمسير، لمواجهة اي هجوم يستهدف المنشآت النووية الايرانية، تكشف بوضوح حجم ومدى الخوف والقلق، لدى النظام الايراني من وجود مؤشرات جدية، على امكانية حصول عملية عسكرية، وهذه المرة اسرائيلية منفردة ضد البرنامج النووي، الذي تخطى حدود القلق الاسرائيلي، بعد ما كشف مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وجود يورانيوم مخصب بدرجة 84 في المئة، في واحدة من المنشآت الايرانية (فردو)، والتي تعني قدرتها على اختصار المسافة الزمنية، للتحول الى التصنيع العسكري وامتلاك السلاح النووي، قد وصلت الى مسألة ايام، وهي المدة التي حددتها مصادر البنتاغون الامريكي، بالاثني عشر يوما، لكي تجمع ايران ما يلزمها لتصنيع قنبلة نووية.

هذه المناورات، تأتي متزامنة مع ارتفاع مستوى التحديات، التي تعتبرها المنظومة الامنية الايرانية، مصدر تهديد حقيقي وجدي، سواء تلك الاتية من المناورات الواسعة، التي تشارك فيها قوات عسكرية من عدة دول، بما فيها اسرائيل وبقيادة امريكية، وتدور عملياتها كل المسطحات المائية الواقع غرب ايران، من مياه الخليج وصولا الى مياه البحر الاحمر. او جراء الاستنفار الاسرائيلي المضبوط حتى الان، تحت سقف الموقف الامريكي، والمبني على موقف حازم من رفض اي خرق ايراني، للمحاذير الاسرائيلية المتعلقة بالبرنامج النووي، الذي تصنفه تل ابيب كتهديد مباشر لامنها القومي.

في هذا السياق، تأتي زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي الى ايران، وتوقيتها الحرج والدقيق، فهي تسبق الاجتماع الدوري لمجلس حكام الوكالة، والذي من المفترض ان يناقش تقرير مفتشي الوكالة المتعلق بنتائج الزيارة الاخيرة، التي قاموا بها الى ايران في الاسبوعين الماضيين، وما اكتشفوه من اثار ليورانيوم مخصب، بدرجة تتخطى السقف الاعلى الذي يمكن ان يسمح به اتفاق عام 2015، الذي حدد بنسبة 60 في المئة.

يمكن القول ان زيارة غروسي لا تبتعد عن هذه الحافة او فهي لم تحدد ويتم تهيئة اجوائها، الا بعد تثبيت الخطوة الجديدة في انشطة تخصيب اليورانيوم

لا شك ان النظام الايراني في تعامله مع الوكالة الدولية واسئلتها، حول المنشآت السرية التي تدور شكوك حول استخدامها لانتاج يورانيوم عالي التخصيب، لم يخرج عن اطار اللعبة التي اجاد استخدامها في السنوات الماضية، ومارسها في تعامله مع الهواجس الدولية وفي اي مفاوضات خاضها، وهي دبلوماسية السير علي حافة الهاوية. وبناء على هذه الدبلوماسية، يمكن القول ان زيارة غروسي (مدير الوكالة الدولية) لا تبتعد عن هذه الحافة او الهاوية، فهي لم تحدد ويتم تهيئة اجوائها، الا بعد تثبيت الخطوة الجديدة في انشطة تخصيب اليورانيوم، وتحويلها الى واقع وحقيقة، بحيث تسمح للنظام بترتيب اوراقه للتفاوض، على ما يعتبره حقا في امتلاك يورانيوم بدرجة تخصيب 60 في المئة.

ويسعى النظام لتوظيف ما حققه في خطوته الاخيرة، في تخصيب اليورانيوم والمخزون الكبير والمتراكم الذي يملكه من اليورانيوم، والذي يؤهله لامتلاك كميات كافية للتنصيع الحربي، في حال ذهابة الى خيار التخصيب بمستويات عالية للاستخدام العسكري، في لعبة المساومة مع مدير الوكالة الدولية، والضغط للوصول الى الهدف الذي اعتبره من الخطوط الحمراء في مفاوضات اعادة احياء الاتفاق النووي، والذي يتلخص في الحصول من الوكالة الدولية ومجلس الحاكم التابع لها، على قرار نهائي، يضع حدا لكل الشكوك والهواجس الدولية من الانشطة الايرانية، وبالتالي قطع الطريق على اي محاولة اوروبية، لاحالة الملف عبر مجلس الحكام على مجلس الامن الدولي، بحيث تكون الطريق مفتوحة امام استخدام آلية الزناد، التي تسمح باعادة تفعيل قرارات العقوبات الصادرة عن هذا المجلس، والتي سبق ان الغيت في القرار 2231 الذي يرعى اتفاق عام 2015، وما يعنيه ذلك من عودة ايران لتكون خاضعة للبند السابع من ميثاق الامم المتحدة.

زيارة غروسي ستكون مفصلية بالنسبة لطهران، وعلاقتها مع المجتمع الدولي

زيارة غروسي ستكون مفصلية بالنسبة لطهران، وعلاقتها مع المجتمع الدولي من بوابة الوكالة الدولية، ومصيرية لما لنتائجها من دور في تحديد مستقبل الجهود الساعية، لاعادة احياء المسار التفاوض، لان فشل هذه الزيارة في التوصل الى نتائج ايجابية، او التوصل الى حلول نهائية لازمة الثقة بين طهران والوكالة من جهة، وبين طهران والمجتمع الدولي من جهة اخرى، ستفتح الطريق امام المزيد من الضغوط والعقوبات والحصار الاقتصادي، الذي لم يعد بإمكان النظام اخفاء اثارها السلبية على الداخل الايراني، الذي يقف على حافة انفجار قد يتجاوز في دائرة تأثيره وتداعياتها، ما حصل مع الحراك الشعبي الذي انفجر في شهر ايلول الماضي 2022، بعد مقتل الفتاة مسها اميني على يد شرطة الاخلاق.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران بين المعارضة «المتعارضة» والنظام المأزوم!

يبدو ان طهران، ومن خلال ما اثارته من غبار سياسي حول عمليات التخصيب الاخيرة، سعت الى تحويل ازمتها مع الوكالة الدولية الى مجرد مسألة ثانوية، الامر الذي سمح لها ايضا في تحويل زيارة مفتشي الوكالة الى زيارة روتينية، بموافقتها على تقديم اجابات على اسئلة الوكالة، التي شكلت في المرحلة الماضية سببا في توتير العلاقة مع الوكالة، بحيث يسمح لها الهروب من ازمة الاعتراف بالخضوع للشروط الدولية، كمقدمة فنية وتقنية وسياسية لاي مفاوضات، الامر الذي سمح للمتحدث باسم الوكالة الايرانية بهروز كمالوندي ورئيسه محمد اسلامي، الخروج والتأكيد على التعاون الايجابي الايراني مع الوكالة في تقديم الاجابات المطلوبة.

هذه التنازلات، لا يمكن حصر اثارها في الجانب التعاون التقني والفني مع الوكالة، بل تتعداها للجانب الدبلوماسي والسياسي، المحكوم بالقلق الامني

هذه التنازلات، لا يمكن حصر اثارها في الجانب التعاون التقني والفني مع الوكالة، بل تتعداها للجانب الدبلوماسي والسياسي، المحكوم بالقلق الامني، بعد ارتفاع منسوب التهديد العسكري الاسرائيلي بالدرجة الاولى والدولي بالدرجة الثانية، ما جعل هذا التنازل مسوغا وبراغماتيا، لان الخسارة المحدودة تبقى افضل من خسارة كل شيء، في عملية عسكرية لا يمكن حصر تداعياتها.

وبالتالي قد يساعد هذا التنازل، في التخفيف من المسار التصعيدي، الذي لجأت له الترويكا الاوروبية، على خلفية الدور الايراني في دعم موسكو في حربها على اوكرانيا، والتي مازالت تشكل ورقة ابتزاز امريكي ايضا، على الرغم من كل الاشارات التي تصدرعن مسؤولين في الادارة الامريكية، والتي تتحدث عن اهمية المسار الدبلوماسي في محاصرة البرنامج النووي لايران، والعودة الى تفعيل عمليات التفتيش والرقابة، لمنع انتقاله الى المرحلة العسكرية وما لها من تداعيات.

السابق
بعدسة «جنوبية».. تحرك حاشد للأساتذة امام وزارة التربية: لم نحصل إلّا على وعود
التالي
عمليتان جديدتان لـ«قوى الأمن‬⁩».. ضبط آلاف حبوب الكبتاغون!