رفيق الحريري شهيدُ «مشروع الدولة» في «عيون» رفيق الدرب

كان رفيق الحريري رَجُلَ دولةٍ بالمعنى الفِعلِيّ ( أي بجوهريّة معنى رجُل الدّولة ) . وأراد أن يبني للبنان دولة ، ألأمر الذي جعله يكتسب عداوةَ أعداء بُناةِ الدّول ، فأسقطوهُ شهيداً .

هذا التّصوُّرُ ( أو هذا التّصريحُ ) ما هو إلاّ تَصَوُّرٌ واقعيّ ، وهو مستوحىً ، وبدقّة ، من أجواء النّدوة التي أقامها ” منتدى جنوبية ” ، في مقرّه في بيروت . في الذّكرى الثامنة عشرة لاغتيال الرّئيس الشهيد رفيق الحريري . وهذه النّدوة ، التي استضاف فيها المنتدى وزير الدّفاع اللبناني الأسبق محسن دلّول ، ليتحدّث عن صديقه ورفيق دربه رفيق الحريري ، كانت تحت عنوان : ” رفيق الحريري ومشروع الدولة ” . ولقد قدّم وأدار الندوة الصحافي أحمد عياش .

ولقد كانت ندوة ” رفيق الحريري ومشروع الدولة ” في “منتدى جنوبيّة ” ، في 14 شباط ( فبراير ) 2023 ، عَامِرةً بالاحتفاء وغامِرةً بالحُزن ، اللذَين استَوَيَا فيها ، وجهين لعُملةٍ واحدة . إذ إنّها كانت عامرةً بالإحتفاء بعظَمَة رفيق الحريري رجُل الدّولة الإنسانيّ ، وغامرةً بالحُزن على مصيره المأساويّ والمُفجِع . على أنّ هاتين الحالتين المتناقضتين بطبيعتيهما ، قد شكّلتا رُكنَيّ نهوض ” مداولات ” أو مُجريات وقائع هذه الندوة ، منذ مباشرةِ استهلالها ، وصولاً إلى منتهى ختامها . وهي ندوة اتّصفت بالحوار الموضوعيّ ، فيما بين أطرافها : ألمتحدِّث الرئيس ، ومقدِّم ومدير الندوة ، والحضور .ومما قاله دلّول : إنّ ” لبنان بحاجة إلى دَورٍ جديد ، وهو ما قام به رفيق الحريري عند وصوله إلى السلطة . “. وما أدلى به محسن دلول في هذه الندوة ، في حديثه عن صديقه الشهيد رفيق الحريري ، كان لافتًا في عمق وسلاسة سرديّته وأَبعادها السياسية والإنسانية . فلقد تحدّث دلول ، بما حتّمته طبيعة التّلازُم الضروري لحديثه عن جانِبَيّ الشخصيّة المعنويّة للحريري : فلقد تحدث دلول ، هنا ،عن : رفيق الحريري الإنسان ورَجُل الدّولة على مستوىً واحدٍ أوحد .

ونحن هنا ، نُنهي كلامنا عن الندوة ، لنقول :

إندلعت في لبنان حربٌ أهلية ، بدأت في أواسط السبعينيات من القرن الماضي ، ووضعت أوزارها العسكرية ( فقط أوزارها العسكرية ) في بداية التسعينيات منه . وعلى أثر انتهائها أقدم رَجُلٌ لبناني على القيام ، وبمفرده ، بما يمكن أن نَعتبره ثورةً تنمويّة هائلة ، غير مسبوقة ، في تاريخ بلده .

إذ كانت ، هذه الثورة ، وبدقّة التّسمية التي تستحقّها ، ثورة ربيعٍ تنمويّ لبنانيّ مذهل ، فجّرها هذا الرَّجُل قبل أن يصبح رأسَ السلطة الثالثة في لبنان وهو الذي ثابَر– ويا للمفارقة – ( ويجب أن يكون معلوماً ما نعنيه بقولنا يا للمفارقة في هذا المجال) ، ثابرعلى المضيّ بها مِن داخل السلطة في لبنان . وهذا الرَّجُل هو رفيق الحريري .

وكان قد مضى زمنٌ ، لا بأس به ، على صدوعه بثورته هذه ، حقّق خلاله الإنجازات التالية : لعب رفيق الحريري دوراً مهمّاً في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية ( وهو الدور الهامّ الذي لعبه في صياغة اتّفاق الطائف التي أوقفت بموجبه هذه الحرب ) . وباشر بإعمار لبنان على أثر انتهائها .وقام بالعديد من الأعمال الخيرية وكان أشهرها تقديم مِنحٍ طلاّبية للدراسات الجامعية لأكثر من ( 36000 ) شابّ وشابّة ، من كلّ الطوائف اللبنانية على مدى 20 عاماً ، إضافة لتقديم المساعدات لضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان ، ومساعدة الأيتام والعجزة .

ارتفعت نسبة النمو في لبنان إلى 8 % في العام 1994 وانخفض التضخّم من 131% إلى 29% واستقرت أسعار صرف الليرة اللبنانية

تولّى رئاسة الحكومة اللبنانية للمرة الأولى من 1992 وحتى 1998 ، وقوبل تعيينه ، آنذاك بحماسٍ كبير من غالبية اللبنانيين ، وخلال أيّام ارتفعت قيمة العملة اللبنانية بنسبة 15 . ولتحسين الإقتصاد اللبناني قام الرئيس الحريري بتخفيض الضرائب على الدّخل إلى 10%، وقام باقتراض مليارات الدولارات لإعادة تأهيل البنية التحتية والمَرافق اللبنانية ، وتركزت خطته التي عُرفت بإسم هورايزون 2000 ، على إعادة بناء بيروت حيث وبسبب من ذلك ارتفعت نسبة النمو في لبنان إلى 8 % في العام 1994 ، وانخفض التضخّم من 131% إلى 29% ، واستقرت أسعار صرف الليرة اللبنانية .

لتحسين الإقتصاد اللبناني قام الرئيس الحريري بتخفيض الضرائب على الدّخل إلى 10%، وقام باقتراض مليارات الدولارات لإعادة تأهيل البنية التحتية والمَرافق اللبنانية

وتولىّ رئاسة الحكومة للمرة الثانية من العام 2000 وحتى 2004 . وخلال هذه الفترة أدّى عمق المشكلات الإقتصادية إلى زيادة الضغوط على الحكومة ، من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، فتعهّد الرئيس الحريري بتخفيض البيروقراطية وخصخصة المؤسسات العامة التي لا تُحقق ربحاً .

إستقال الرئيس الحريري من رئاسة الحكومة في أكتوبر 2004 بعد خلافٍ مع رئيس الجمهورية إميل لحود ، إذ رفض الحريري تمديد فترة رئاسة لحود لثلاث سنوات إضافية .

ومن أشهر مواقف الرئيس الحريري وإنجازاته : أنّه كان متمسّكاً بحقّ لبنان بالمقاومة من أجل تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة ، وب:” اتفاق نيسان ” ( الذي عُرف ب “تفاهم نيسان ” بين لبنان واسرائيل الذي جرى في العام 1996 ) والذي نصّ على تحييد المدنيين في مقاتلة اسرائيل.

قام الحريري بإعمار وسط بيروت بعد الحرب الأهلية عن طريق شركته

قام الحريري بإعمار وسط بيروت بعد الحرب الأهلية عن طريق شركته ومن خلال مشروعه الإعماريّ الذي حمل إسم ” سوليدير ” .

كما قام الرئيس الحريري بتثبيت مكانة لبنان الإقتصادية والسِّياحية في العالم العربي والعالم الغربي .

ولقد حقق الرئيس رفيق الحريري هذه الإنجازات منذ ما بدأها إلى ما قُبَيل سقوطه شهيداً باغتياله . فلدى مرور موكبه الرّئاسي بجانب فندق ” سانت جورج ” في بيروت استُهدِف بتفجيرٍ بلغت زنته ما يعادل 1800 كلغ من ال: تي إن تي . في 14 شباط ( فبراير 2005). لقد اغتيل رفيق الحريري على يد من لا يريد بِناء لبنان أي على يد من لا يريد له إتمام إنجازات ثورته التنمويّة الفذّة والنادرة المثال لبنانيّاً.

أنهت يَدُ الإجرام حياة رفيق الحريري لأنه كان رَجُلَ الدولة الوحدويّ( اللاّطائفي واللاّمذهبي ) . ولقد كان رفيق الحريري رَجُلَ الدولة الإنسانيّ والإحيائيّ لبناء الدولة في لبنان .

فالشهيد رفيق الحريري هو شهيد إِحياء لبنان مِن دمار الحرب الأهلية اللبنانية . إذ هو الشهيد الذي قُصِدَ من عملية اغتياله دَفنُ إِحياء بناء الدولة في لبنان .أفليس هذا عَينُ ما نَشهَدُهُ في هذه الأيام اللبنانية الجحيمية القاتلة للشعب اللبناني؟

السابق
بالصور: مسيرة وفاء لبحارة صيدا في الذكرى الـ٤٨ لاستشهاد معروف سعد
التالي
‏قتيل لـ«حزب الله» في ⁧‫إستهداف كفرسوسة‬⁩!