هل توقف مزايدة ١٦ شباط ٢٠٢٣ هدر المال العام في ليبان بوست؟

يجري التحضير لمزايدة لتلزيم قطاع البريد كانت مقررة بتاريخ ٢٤-٠١-٢٠٢٣ ثم جرى تمديدها لتاريخ ١٦ شباط ٢٠٢٣ بقرار من وزير الاتصالات. تعلق على هذه المزايدة امال كبيرة لناحية وقف هدر المال العام المتزامن مع بدء استثمار القطاع في العام ١٩٩٨ من قبل المشغل الحالي- شركة ليبان بوست- وتصحيح العقد بحيث يصبح متوازنا لطرفيه، الدولة اللبنانية والمشغل المستقبلي.

١ – عقد ليبان بوست مخالف للقانون

استنادّا إلى قرار مجلس الوزراء رقم 3 تاريخ 13/07/1995 أجرى مجلس الانماء والاعمار، من خارج اختصاصه كليًا، مزايدة عمومية لتلزيم قطاع البريد في لبنان فازت فيها شركة كندا بوست ومجموعة بروفاك الكندية وجرى توقيع العقد معها بتاريخ 22/07/1998 وباشرت عملها بتاريخ 21/10/1998 لمدة 12 سنة، أصبحت فيما بعد 15 سنة اعتبارًا من تاريخ 16/08/1999 عملًا بقرار مجلس الوزراء رقم 11 تاريخ 12/04/2000 الأمر الذي يتطلب استصدار قانون عملًا بأحكام المادة 89 من الدستور اللبناني. في العام 2001 تم استبدال المستثمر الأساسي شركة CPSML/PROFAC الكندية بشركة ليبان بوست بدون اجراء أي مزايدة، حتى في مجلس الانماء والاعمار خلافًا للقانون كما حصل في التلزيم الأول، وانما بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 30/08/2001 برقم 28.

وبحسب تقرير ديوان المحاسبة الخاص رقم 11/2021، حصلت تعديلات متتالية لاحقة على العقد بعد توقيعه لم تكن في معظمها لمصلحة الدولة اللبنانية، كتعديل حصة الدولة من ايرادات البريد على سبيل المثال لا الحصر.

حصة الدولة من ايرادات البريد في العقد السابق

حصة الدولة من الإيرادات بعد العديل

٢ – تمديد عقد ليبان بوست من خارج القانون

تم تمديد عقد ليبان بوست لعدة مرات حصلت من خارج القانون، كما العقد الأساسي الذي استبدل الفائز فيه، بمزايدة غير قانونية، بمزايد اخر ربح بالحظ من دون اجراء مزايدة. هذه التمديدات المتتالية تخالف الدستور وتخرق القوانين والأصول من دون الالتفات الى مصلحة الدولة المالية ولإثراء الملتزم على حسابها. وحصلت هذه التمديدات تارة من قبل وزير الاتصالات، وتارة من قبل مجلس الوزراء او بموافقات استثنائية من رئيسي الجمهورية والحكومة.

ونذكر على سبيل المثال:   

  • التمديد لمدة 3 سنوات بموجب كتاب وزير الاتصالات تاريخ 19/08/2015
  • التمديد لمدة 8 أشهر بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 5 تاريخ 05/09/2019
  • التمديد بحكم الاستمرارية لمدة 8 أشهر تنتهي بتاريخ 15/05/2020.
  • التمديد لغاية 31/12/2021 بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 11 تاريخ 05/05/2020
  • التمديد من 01/01/2021 لغاية 30/06/2021 بموجب موافقة استثنائية بتاريخ 15/12/2020 من كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.

يقول ديوان المحاسبة في تقريره الخاص رقم 11/2021 منذ مباشرة تنفيذ العقد ولغاية تاريخه لم تتم محاسبة مالية سنوية بين طرفيه، وشارك في صنع هذه التمديدات الأطراف المشاركة في السلطة على مدى أكثر من عشرين سنة.

٣ – انهيار إيرادات الدولة اللبنانية من القطاع

يقول ديوان المحاسبة في تقريره الخاص رقم 11/2021 انه أجرى تدقيق العقد وقدم تقريره بناءً على كتاب ورده من لجنة الاتصالات النيابية اثر جلستها المنعقدة في 10/04/2021 ومن ابرز نتائج هذا التدقيق:

  • لم يتم توفير أي وثيقة رسمية تبين بوضوح وبالتفصيل قيمة الايرادات المتوجبة لصالح الدولة اللبنانية- وزارة الاتصالات- من تاريخ 22 تموز 1998 لغاية 15 أيلول 2001، أي ان الدولة اللبنانية قد حققت ايرادات صفر على الارجح لحوالي ثلاث سنوات.
  • مع أن الدولة اللبنانية لم تحصل أي واردات بين عامي 1998 و2001 إلا أنها كانت تتحمل الأعباء التشغيلية من رواتب وأجور وقرطاسية وإيجارات مما يزيد الخسائر على الخزينة.
  • قبل التلزيم، كان يتم نقل بريد الادارات العامة مجانًا ومع ذلك، ارتفعت إيرادات الدولة من 4.5 مليار ل.ل. في العام 1997 الى 7.9 مليار ل.ل. سنويًا عام 1998، أي حوالي الضعف خلال سنة. اما بعد التلزيم، فانخفضت إيرادات الدولة المالية الى صفر بينما حققت الشركة أرباحا طائلة.
  • تضمن العقد نصًا بأن يدفع المشغل حصة اضافية بقيمة 5% من الايرادات البريدية إذا تعدت الايرادات ارقامًا سنوية وصفت بالخيالية، لا يمكن ادراكها بالنظر الى عدد سكان لبنان ومساحته الجغرافية، فكان هذا النص ميتًا واقتصرت حصة الدولة اللبنانية على ال 5% الأساسية عن الايرادات البريدية دون سواها.

ويتبين من تقرير ديوان المحاسبة أن إدارة البريد اللبنانية كانت تتمتع بالحصرية البريدية على كافة الأراضي اللبنانية وكان من بين الخدمات التي يقدمها المرفق البريدي المراسلات المحلية والدولية الصادرة والواردة، البريد المضمون مع اشعار بالاستلام، الطوابع البريدية، الطرود البريدية، العلب البريدية، البرقيات والتلكس، اصدار قرارات الترخيص لشركات نقل البريد بالمواكبة وغيرها من الخدمات .كما أن المديرية العامة للبريد كانت تتولى نقل وتوصيل بريد الادارات الرسمية دون مقابل، وانه يتبين من حساب مهمة محتسب المالية المركزي لعامي 1997 و 1998 أن حاصلات البريد المودعة في الخزينة للعامين المذكورين تقارب 12.5 مليار ليرة لبنانية لا غير.

٤ – منافع حصلت عليها شركة ليبان بوست على حساب الخزينة

بموجب القرار رقم 21 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 09/08/2001، حصلت شركة ليبان بوست على “مكافأة” من الدولة اللبنانية اذ أصبحت الخدمات الجديدة التي تتولاها من خارج الخدمات البريدية لا تخضع فعليا لتقاسم الإيرادات مع الدولة. هذه الخدمات الجديدة تشمل خدمات انجاز المعاملات الحكومية الرسمية وهي عديدة ومتنوعة، خدمات الإعلان عبر الصحف، التأمين على بعض الاليات، خدمات الترجمة والمصادقات، عقود ضمان الاجراء الأجانب، عقود ضمان الحوادث الشخصية وغيرها من الخدمات. لم تنل الدولة اللبنانية من هذه الخدمات فلسا واحدا، فحصة الدولة المحددة ب ٥ ٪ من الإيرادات لا تتوجب الا عن شطور لا يمكن ادراكها الا نظريا.

كما أنه وسندًا لقرار مجلس الوزراء المذكور ثم تخفيض بدلات الإيجار التي تدفعها الشركة عن مركز بيروت للفرز من 1.200.000 إلى 600.000 دولار أميركي وإضافة الطابق الأرضي في مركز الفرز في المطار إلى الأبنية المؤجرة من الشركة دون بدل اضافي.

إضافة الى ما تقدم فان تفويضا بموجب العقد اعطي للشركة لمراقبة وضبط شركات نقل البريد الدولية في المطارات وغيرها من المداخل الدولية، اكسب شركة ليبان بوسط تعويضا شهريا غير خاضع لمشاركة الدولة اللبنانية ٥٠ الف دولار أميركي تقتطع من الدفعات المستحقة لشركات نقل البريد الدولية. علما ان هذه الخدمة هي من صلب الخدمات البريدية التي كانت تقوم بها المديرية العامة للبريد في وزارة الاتصالات قبل اجراء التلزيم، كما ورد في تقرير ديوان المحاسبة رقم ١١ / ٢٠٢١ المشار اليه سابقا. ما أدى الى حرمان خزينة الدولة اللبنانية من عائدات مالية سنوية تقدر ب  ٥٠ الف * ١٢* ٥٪= ٦٠٠ * ٥٪ = ٣٠ الف دولار أميركي  سنويا على اقل تقدير ، يبلغ الإجمالي ٣٠ الف * ٢٠ سنة = ٦٠٠ الف دولار أميركي.

هذه عينة من المنافع غير المشروعة التي حصلت عليها شركة ليبان بوست ما بين عامي 1998 و 2019، والتي فندها ديوان المحاسبة في تقريره رقم 11/2021 ، وهي ان دلت على شيء فعلى الاستخفاف بالمال العام ومصلحة الدولة وحقوق الخزينة ان كان من قبل وزراء الاتصالات المتعاقبين أو من قبل مجلس الوزراء في كل العهود السابقة.

٥ – هل يحق لشركة ليبان بوست المشاركة في المزايدة القادمة؟

خلص ديوان المحاسبة في تقريره إلى توصية شركة ليبان بوست تسديد مستحقات مالية للدولة اللبنانية بلغت حتى نهاية العام 2019 //1.545.613.277//ل.ل. وتشخص الأنظار إلى المزايدة العمومية المعلن عنها من قبل وزارة الاتصالات والمفترض أن تفض عروضها بتاريخ 16/02/2021 فهل سينتهي احتكار ليبان بوست غير المشروع لهذا المرفق؟ أو على الأقل هل سيعاد التوازن الذي تؤمنه إلى حد ما شروط المزايدة الجديدة من خلال اخضاع جميع الايرادات البريدية وغير البريدية لمعدل يفوق العشرة بالمائة لصالح الخزينة؟ قد يتم تجاوزه في المزايدة اذ حدد هذا المعدل حدا أدنى للمزايدة او سعر افتتاح لها.

ان دون مشاركة شركة ليبان بوست في هذه المزايدة مسألة حصولها على براءة ذمة من وزارة المالية، وأخرى من وزارة الاتصالات تحظر هيئة القضايا فيي وزارة العدل كممثل للدولة اللبنانية امام المحاكم اعطاءها، باعتبار أن التقاضي لم يحسم بعد بين الشركة والدولة اللبنانية في مجلس شورى الدولة ولم يصدر الأخير أي حكم رغم ما يقال عن جهوزية تقرير المستشار المقرر منذ مدة. فيما يتعلق بذمّة الشركة المالية تجاه الدولة اللبنانية، في موضوع الضرائب والرسوم المتوجبة على الشركة للدولة اللبنانية عن أرباحها من إدارة القطاع البريدي، يتردد انها أعطيت وأصبحت في ملف الشركة المراد تقديمه الى المزايدة، اما فيما يتعلق بالمبالغ المتوجبة على الشركة عن استثمارها لقطاع البريد لصالح وزارة الاتصالات، غير المحددة بشكل نهائي والمتنازع بشأنها، حتى الان يرفض وزير الاتصالات اعطاء براءة الذمة حتى ولو تعهدت الشركة بتسديد كل ما يتوجب عليها لوزارة الاتصالات وهذا الموقف مبني على استشارة الوزير لهيئة القضايا في وزارة العدل التي تردد وكما اشرنا سابقا انها ترفض إعطاء هذه الاستشارة لقطع الباب امام مشاركة الشركة في المزايدة.

 ١٦ -٠٢ – ٢٠٢٣ نقطة مفصلية في تاريخ قطاع البريد فهل يمدد لعقد استنزف خزينة الدولة منذ العام ١٩٩٨؟

السابق
أبو العينين يستقبل الفريق المصري الموفد من جمعية إغاثة أطفال فلسطين
التالي
لبنان… عيْن على باريس وعيْن على «متاريس» الداخل