بعدسة «جنوبية»: في ذكراه الثانية.. «ضاحية لقمان» تحتضن حشداً «أممياً» ولبنانياً إنتصاراً للحقيقة والعدالة

في حياته كما بعد اغتياله، بقي مثالاً للجرأة “الشرسة” وصلابة الموقف، في مواجهة سيادة الباطل والترهيب، في بلد يعتمد قلب الموازين من خلال القضاء “الرعين” عبر اتهام الضحية وإفلات سراح القتلة، فلقمان سليم “بطل من لبنان” عكس بـ”صدقه” وكلامه الصريح مرآة لـ”حقيقة” تجدّد بزوغها في ذكرى اغتياله الثانية، إذ تلاقت عائلته مع أصدقائه ومحبيه، ليُجددوا تمسكّهم بمحاسبة المجرمين، أمام ضريحه في حديقة دارة محسن سليم، حيث تم توزيع الغار، في انعكاس لانتصار “الحق” على “الباطل”، على الرغم من رصاصهم “المكتوم”، تحت شعار “العدالة ولو سقطت السّماوات”.

من قلب الضاحية حيث “قاوم” لقمان السلاح بالكلمة دون خوف وتمرّد على السياسات التقليدية والطائفية

من قلب الضاحية حيث “قاوم” لقمان السلاح بالكلمة دون خوف وتمرّد على السياسات التقليدية والطائفية، كان الالتفاف حول قضيته بما يحمله المكان من رمزية، ليس من خلال حضور رفاق الدرب والعائلة فحسب، بل بمشاركة سياسيين معارضين لنهج الاستقواء، ورجال دين شيعة يرفعون صوت الحق مقابل لغة “كمّ الأفواه”، وبحضور دبلوماسي غربي عبر سفراء أميركا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة رافضين لنهج الإقصاء بالسلاح، وناشطين مؤيدين لمسار الدولة في مواجهة المنقلبين على العدالة، فكان الإجماع على مواصلة رحلة التصدي انتصاراً للقضية العصيّة عن الموت عبر القضاء المنحاز.

رئيس تحرير موقع “جنوبية” علي الأمين مشاركاً في الذكرى

تردّد صدى “طلقات الغدر” ليصيب القضاء الذي جنّدته “دويلة السلاح” لمصلحتها، إلا أن صمود الأم والزوجة مع الأخت والرفاق اتّحد مع الإصرار في يوم لقمان، لتجديد المواجهة، مع “خفافيش” الظلام اللاهثين الى طمس وقائع و تمييع تحقيق، بعد أن فشلوا في اخفاء بصماتهم عن جريمة، كما بقية جرائم، يسعون الى دفنها لكنهم يفشلون، فعلى مدار ثلاثة ايام، اختارت عائلة الراحل وأصدقائه، تنظيم فعاليات مصحوبة بنشاطات وطنية وثقافية احياءً لذكراه، فتحلَّقوا في نهارها الأوّل حول لُقمان في حديقته، حيث تم استحضار إرثه المؤسّساتي في “دار الجديد” و”أُمم للتوثيق والأبحاث” ووُزَّعت جائزة “الغار”التي تحمل اسمه لمناضلين في استقصاء الحقيقة لكل من الصحافية ماري جو صادر، الاعلامية ديما صادق، الفنان ألفرد طرزي والشيخ عباس يزبك، واستكملت بحوارات ونقاشات لم يتسنَّ للُقمان أن يَستفيض فيها، وذلك تحت سقف خيمة تحمل اسمه بالقرب من المرفأ.

لغة لقمان بلسان والدته..

“أنا ضد السلاح”، هكذا عبّرت والدة لقمان، السيدة سلمى مرشاق سليم لـ” جنوبية” عن نبذها للغة المجرمين الذين قتلوا فلذة كبدها، وجددت بلغة لقمان الدعوة للحوار وقبول الآخر، قائلة:” ارفض الناس التي تحول فرض كلمتها، والاختلاف في الرأي لا يجب ان يؤدي الى نزاع، فالحوار يجب ان يكون ركيزة لتلاقي اللبنانيين وكل الناس”.

مرشاق: الاختلاف في الرأي لا يجب ان يؤدي الى نزاع

تجديد العهد.. العدالة ستنتصر للقمان وكل ضحايا اجرام السلاح

اختارت عائلة الراحل أن ترفع الصوت مع كل المشاركين من سفراء ورسميين، الى جانب كل الأصدقاء، لمعاقبة المجرمين ومطالبة الأمم المتحدة ببعثة تقصي حقائق تنظر في احتمال وجود رابط بين مقتله وانفجار مرفأ بيروت المروّع.

عامان من “حقيقة مغيّبة”، دفعت بالرفيق مكرم رباح الى التأكيد على أن “مطلب العدالة للقمان وشهداء المرفأ وكل الضحايا لن يموت”، وأعلن “الولاء للقمان المناضل الفكري الذي تم اعدامه من قبل حزب الله المسؤول أيضاً عن اعدام الدولة”، وقال:”أنا من شيعة لقمان والحق والعدالة”.

أما شقيقة لقمان السيدة رشا الأمير على أنه “عاند لقمان جبروت قتلته الذين نفذوا جريمتهم عبر قتلة مأجورين، فيما المحرضون الجناة يطعنون البلد ودمروه وهلهلوا عدالته ونكلوا بها، قائلة “: قتلوا عدالتهم، أما عدالتنا لن تموت والمسيرة مستمرة عبر مؤسسات لقمان”.

الأمير: قتلوا عدالتهم، أما عدالتنا لن تموت

وبعد توزيع جوائز “غار لقمان”، كان للفائزين كلمات “امتنان” للقمان وجرأته، فأعربت صادر عن فخرها بالجائزة مع تأكيدها المضي في مواصلة النضال لإعلاء صوت كل ضحايا حرية الرأي و التعبير”.

صادق: العبثية التي تحصل في قضية المرفأ تدفعنا الى الاستمرار

من جهتها ، أكدت صادق أن” العبثية التي تحصل في قضية المرفأ تدفعنا الى الاستمرار”، كما “حيّت والدة لقمان التي تستمد منها القوة لاكمال الطريق من قلب الضاحية”.

ديما صادق

أما الشيخ يزبك، فلفت أنه “من دار لقمان المشع ومملكة حروفه نؤكد أن اللبنانيين ماتوا قبله وبعده مئات المرات وعسى ان ينتبه العالم الى هذا البلد الحالم بالخلاص من يد العدم المدججة بالأسلحة المحرمة وطنياً وسماوياً”.

الشيخ يزبك: المجرمون لن ينجوا من عدالة السماء

وشدد على أن”المجرمين لن ينجوا من عدالة السماء”.

الشيخ يزبك

بدوره، جدد طرزي الولاء”بحمل افكار لقمان من اجل الحفاظ على تعددية لبنان ومناهضة العنف”.

طرزي

وفي كلمة باسم زوجة لقمان باللغة العربية، قال محامي العائلة موسى خوري:” سنتان وعهدنا لكان لا يبقى من الضالعين في اغتيالك دون عقاب وسنتابع قضيتك حتى النهاية، ونقول للمجرمين: قتلتم لقمان ولكن لن تستطيعوا أن تنالوا من عزيمتنا، لا خوف بعد اليوم صفر خوف”.

خوري: قتلتم لقمان ولكن لن تستطيعوا أن تنالوا من عزيمتنا، لا خوف بعد اليوم صفر خوف

لجنة تقصي الحقائق لمعرفة الحقيقة وصولًا الى العدالة
جزمت زوجة الراحل السيدة مونيكا بورغمان سليم في كلمة ألقتها بالانكليزية “بأن روح لقمان لن تموت مع الإصرار على مجابهة محاولات قتل الحقيقة”.

بورغمان: سنتان والتحقيق يتقدم. ببطء يتقدم، إنما يتقدم

وقالت:” سنتان لم نهدأ خلالها يوماً عن ملاحقة المجرمين الذين أمروا وخططوا ونفّذوا عملية اغتيالك. ولم نكترث لا لترهيب ولا لوعيد.سنتان قطعنا فيها على أنفسنا عهدا ألّا نكلّ وألّا نملّ حتى نكشف عن هوية الضالعين في جريمة اغتيالك وعمّن غطّى عليهم.سنتان والتحقيق يتقدم. ببطء يتقدم، إنما يتقدم”.

بورغمان: قتلتم لقمان لكنكم لم تستطيعوا أن تقتلوا روحه فينا

أضافت:”ظنّوا أن الخوف سوف ينتابنا، ظنوا ان اغتيالك سوف يرعبنا. ظنوا ان رحيلك سوف يكون سبباً لرحيلنا. ظنوا… وكانوا مخطئين.عهدنا لك ألّا يبقى أي من هؤلاء الذين ضلعوا في اغتيالك دون عقاب، مهما علا شأنه.عهدنا لك ان يكون اغتيالك خاتمةً لعهد الـلامحاسبة في الاغتيالات السياسية التي أضحت رائجةً في لبنان إلى حد اللامبالاة.عهدنا لك ألّا نترك طريق ألا وسنسلكه، ألّا نترك مرجعاً إلا وسنطرق بابه، ألّا نترك يوماً إلا وسنتابع فيه قضيتك، وان طال ذلك دهراً، ولن يطول.إلى من اعتقد ان اغتيال لقمان سليم سوف يرهب عائلته إلى حد العزوف عن متابعة التحقيق نقول: “قتلتم لقمان لكنكم لم تستطيعوا أن تقتلوا روحه فينا، ولن تنالوا من عزيمتنا المستمدة من عزيمته.عهد الافلات من المحاسبة ولّى الى غير عودة. عهد القضاء الممالئ والمساوم انتهى ومرّ. عهد الخوف كان وانقضى. لا خوف بعد اليوم. صفر خوف!”.

زوجة لقمان مونيكا بورغمان

وتابعت:”شهدت الأشهر والاسابيع الأخيرة، دعوات متزايدة من أحزاب ومواطنين لبنانيين لتشكيل لجنة تقصي حقائق من قبل الأمم المتحدة للنظر في جريمة تفجير مرفأ بيروت. وذلك ليس بسبب عدم تحقق أي تقدم من قبل التحقيق المحلي فقط، بل وإعاقة هذا التحقيق في لبنان، ندعو إلى توسيع صلاحيات “لجنة تقصي الحقائق” هذه. نودّ طبعًا معرفة الحقيقة بالنسبة لتفجير مرفأ بيروت، لكن نريد أن نعرف أيضًا ما حصل بالنسبة للإغتيالات الثلاثة التي تلت هذا التفجير، والتي يمكن أن تكون مرتبطة به، وهي:اغتيال منير ابو رجيلي في الثاني من كانون الاول ٢٠٢٠، اغتيال جوزيف بجاني في ٢١ كانون الاول ٢٠٢٠،اغتيال لقمان سليم في الثالث من شباط ٢٠٢١”.

وختمت “التحقيق وحده يمكن أن يؤكد ارتباط هذه الاغتيالات بتفجير المرفأ من عدمه.لكن حتى لو أن “لجنة تقصي الحقائق” وجدت هذه الإغتيالات غير مرتبطة بتفجير المرفأ، فيجب على هذه اللجنة استكمال التحقيق بشأن هذه الإغتيالات ومعرفة الحقيقة وصولًا الى العدالة”، مشيرة الى “أن “لجنة تقصي الحقائق” التابعة للأمم المتحدة لا يجب أن تحل مكان التحقيق المحلي، بل ان تتكامل معه. إن ثقافة الإفلات من العقاب وغياب المحاسبة تسود لبنان منذ وقت طويل.لذلك نحن ندعو مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة للالتزام بإنشاء “لجنة تقصي الحقائق” هذه من أجل دعم لبنان وشعبه في مطالبتهم بالحقيقة والعدالة والمحاسبة”.

السفير البريطاني

اجماع دبلوماسي على مواجهة إفلات المرتكبين من العقاب
عند ضريحه تقاطر المحبون من رسميين زدبلوماسيين وأصدقاء ومناصرين، فجددوا العزم على مواصلة مسيرة المواجهة بسلاح الحق ولواء العدالة للاقتصاص من المجرمين.

وكان لسفيرة اميركا دوروثي شيا موقف استذكرت فيه “لقمان المعروف بمثابرته وشجاعته الشديدة في مواجهة التهديدات العنيفة”، وقالت:”لقمان المفعم بالامل والمناهض للعنف سيبقى عبر اعماله ومحبيه حاضراً ولن يموت ويجب معاقبة من اغتالوه وتحقيق العدالة”.

شيا: ليس بالأمر الهين أن يكون لديك فكرة أو التزام برؤية أكبر وأكثر ديمومة من رؤية المرء

أضافت :”ليس كل من يغادر هذا العالم يترك وراءه مثل هذا الإرث. ليس بالأمر الهين أن يكون لديك فكرة أو التزام برؤية أكبر وأكثر ديمومة من رؤية المرء. لكن إرث لقمان واضح هنا اليوم ، حيث نجتمع مرة أخرى باسمه لتجديد التزامنا بالسعي وراء المثل العليا التي مات من أجلها.كان لقمان من أشد المدافعين عن حرية التعبير والديمقراطية وحق الناس في العيش بسلام. تسلح بالتربية والكتب والأبحاث وحرية الفكر والاعتدال والانفتاح والحب لوطنه الجميل”.

وتابعت:”الذين اغتالوا لقمان سليم المرور بالخداع والخوف والبغضاء. دعونا لا نستسلم لتلك التكتيكات الغاشمة. نرفض إجراءات الإقصاء العنيفة التي تهدف إلى ترهيب الشجعان للاختباء والصمت. كما نرفض إفلات مرتكبي هذه الأعمال من العقاب”، مشددة على ” تجديد دعواتنا من أجل العدالة مرة أخرى، نرفض السماح للخوف والكراهية بالانتصار. نجتمع في الحب والصداقة ، تجمعهما ذكرى رجل جسد تلك المُثل. اليوم نكرم حياة لقمان سليم وعمله وإرثه”.

السفيرة الاميركية

أما سفير المانيا أندرياس كيندل، فأشار الى أن “صوت لقمان وأعماله لن تموت بوجود عائلته التي تواصل المسيرة وننتظر تحقيق العدالة بعد سنتين من اجل بداية جديدة تضع حدا لهكذا جرائم”.

كيندل: صوت لقمان وأعماله لن تموت

السفير الألماني

وتوالى سفراء بريطانيا واستراليا والنمسا وبلجيكا وممثل السفيرة الفرنسية على الكلام في ذكرى من وصفوه بأنه “صاحب الكلمة الحرة والموقف الشجاع”، فأجمعوا على أن ” لقمان خسارة للبنان و لكل من عرفه، واغتياله هو اغتيال لحرية الرأي”، مشددين على “أن محاسبة المجرمين يجب أن تحصل، فالجميع ينتظر العدالة في قضية لقمان كما كل قضايا الاغتيالات”.

السفير البلجيكي يتوسط السفير البريطاني والسفيرة الاميركية

سفير بريطانيا

واختتمت الذكرى بجولة على مؤسسات لقمان “دار الجديد”، و”أمم للتوثيق والأبحاث”، و”الهنغار”، و ««هيا بنا” و”مؤسسة لقمان سليم” حيث كتب واعمال الراحل وارثه الفكري يعكس سيرة مفكر شجاع لن تمحو ذكراه رصاصات الغدر، على أن تشهد خيمة تحمل إسم لقمان في أقيمت بمحاذاة المرفأ سلسة ندوات فكرية وسياسية حتى يوم الأحد تحت شعار “العدالة ولو سقطت السماوات”.

السابق
الى ارتفاع جنوني يُحلّق الدولار.. ويُقارِع الـ٦٥ الفاً
التالي
جنوباً.. وفاة صيدلي بطلق ناري بالرأس