القاتل قاضياً والقاضي قاتلاً

لقمان سليم

بعد يومين تحلّ الذكرى السنوية الثانية لاغتيال لقمان سليم وسط هذه “الحرب الأهلية” الناشبة في شأن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ومصير القضاء اللبناني. الى حدٍّ كبير، يُعتبر لقمان من ضحايا ذلك الانفجار. ففي تلك اللحظات العصيبة مساء الرابع من آب (أغسطس) 2020 سُمع صوته وهو ينبّه الى أن أي مسؤول في الدولة لم يخرج ليوضح للبنانيين ما الذي يجري في المرفأ. وطوال الشهور التالية حتى يوم خطفه واغتياله مساء الثالث من شباط (فبراير) 2021 لم يتوقف لقمان عن كشف ما تبدّى من حقائق الانفجار وما سبقه من استيرادٍ وتخزينٍ لأطنان نيترات الأمونيوم “لمصلحة النظام السوري” وبمعرفةٍ وتغطيةٍ من “حزب إيران/ حزب الله”. كان ذلك واحداً من دوافع اغتياله، تنفيذاً لتهديدات ألصقت على باب دارته في كانون الأول (ديسمبر) 2019 بعدما استُشعر أثره البارز في “انتفاضة 17 تشرين”.

اقرأ أيضاً: لقمان و«صديقته الشريرة».. وجهان لـ«حقيقة» واحدة!

لم يفكّر لقمان ولا ذووه في مغادرة المنطقة التي يقطنونها منذ عقود طويلة، قبل ظهور “الحزب” و”سيطرته” عليها ومن ثمّ سيطرته على البلد. لكن يتردّد أن المحقق العدلي في انفجار المرفأ، القاضي طارق البيطار، يفكّر أو ربما نُصح بنقل اقامته من بيروت الى منطقة “أكثر أمناً”، إذا كان لهذا التوصيف أي معنىً في لبنان. فما دام التحقيق “ملاصقاً” لهذا القاضي، بموجب القانون، فإن الساعين الى التخلّص من التحقيق يقتربون من ضرورة التخلّص من القاضي. في قضية لقمان سليم لم يكن لأي قاضٍ أن يخشى أي خطر، لأن الملف خالٍ وغير قابل للتفعيل، ولأن مواصلة التحقيق في الجنوب “يشكّل خطراً على الأمن العام”، كما في قول منسوب الى القاضي. وهكذا لم يتوصّل التحقيق الى تحديد الخاطفين القتلة الذين تحرّكوا ليلاً، مثلما أن التحقيق أضاع طريقه الى قتلة المصوّر جو بجاني في وضح النهار، أمام بيته في منطقة يُفترض أنها “آمنة” بالنسبة إليه. كان ذنبه أن في جوّاله صوراً التقطها داخل المرفأ.

في غياب الدولة، وفي وضع العفن الشامل للدستور والقوانين والمؤسسات، يعرف القاتل أكثر من سواه بأن “شريعة الغاب” هي السائدة وهو يُقدِم على جريمته راضياً بأنه مكلّف بـ “واجب جهادي” ومطمئنّاً مسبقاً الى أن من يأمره فوق القوانين ويضمن له الإفلات من العقاب. في المقابل، يكاد كلّ قاضٍ حقيقي يشعر بأنه مطالبٌ بأن يكون “فدائياً” – حتى لو لم يكن مؤهّلاً لذلك، ولا مجبراً – كي يتمكّن من كشف الحقائق وإنصاف الضحايا، لأن السلطة، التي تكلّفه ويفترض أن تحميه وتصون هيبته، لم تعد لها كرامة ولا هيبة، بل تبحث بدورها عمّن يحميها من “شريعة ما قبل التاريخ” التي تمارسها سلطة الأمر الواقع.

ليس متوقّعاً أن تُسفر “حرب القضاة” في لبنان عن إعادة الاعتبار الى القضاء نفسه، فبين القاضي المحقق العدلي والمدعي العام التمييزي أصبح جليّاً مَن يريد الحقيقة في “جريمة العصر” في المرفأ ومن تحيّن الفرصة لطمسها. بالطبع هناك انقسام طائفي وسياسي مروّع يعطّل الحكمة والنزاهة في المستويات العليا لسلطة القضاء، لكن حتى القضاة الذين لم يجرفهم هذ الانقسام يعلمون أن القاتل هو مَن يملي “قوانينه” على البلد.

السابق
حزب الله في الرابية وحرص على مواصلة العلاقة مع التيّار
التالي
في ذكراه الثانية: «جنوبية» ينشر «آخر كتاب لقمان»..«حزب الله من بداية الظهور إلى بداية السيطرة على لبنان»(1)