حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: المرشد والحجاب.. «سفور» في الخفاء و«تشدد» في العلن!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

اثارت المواقف التي صدرت عن المرشد الاعلى للنظام الايراني السيد علي خامنئي، حول الحجاب قبل ايام الكثير من الجدل والنقاش حول ابعادها، والمدى الذي يمكن ان يذهب اليه النظام، في التعامل مع مسألة الحجاب في الجمهورية الاسلامية.

اللقاء الذي جرى بين المرشد ومجموعة نسوية مختارة، وما جاء فيه من مواقف، يمكن اعتباره تطورا مهما في سياق الحراك الشعبي الذي انفجر قبل نحو اربعة اشهر بعد مقتل الفتاة مهسا اميني، على يد شرطة الاخلاق بسبب اتهامها بعدم التقيد بالحجاب القانوني.

فإلى جانب الابعاد والاهداف والمواقف التي جاءت في كلام المرشد، ومحاولة استيعاب الحدث والتطورات التي نتجت عنه، والتحدي الذي تسبب به للمنظومة الدينية والسياسية، فان يخصص اعلى موقع في النظام، وولي الفقيه والصلاحيات المطلقة الشرعية والدينية والسياسية والادارية والامنية التي يملكها لهذا الموضوع، والنأي عن اعتباره ازمة ومعضلة شكلت الخلفية التي اشعلت موجة الاعتراضات الاخيرة، فان ذلك يشكل نوعاً من الانتصار للحراك الشعبي، والشريحة المعارضة للحجاب الالزامي، والمطالبة بحرية الاختيار، بين الكشف والحجب.

هذه النقطة التي سجلها الحراك، على الاقل، دفعت المرشد لاعادة فتح مسألة، كانت تعتبر من المسلمات غير الخاضعة للنقاش

هذه النقطة التي سجلها الحراك، على الاقل، دفعت المرشد لاعادة فتح مسألة، كانت تعتبر من المسلمات غير الخاضعة للنقاش، في دوائر النظام والمؤسسة الحاكمة وحتى المؤسسة الدينية، خاصة بعد مرور اربعة عقود على تطبيق هذا القانون.

الليونة التي ظهرت في كلام المرشد الاعلى، حول تصنيف انواع الحجاب، لم تأخذ بعين الاعتبار وجود شريحة رافضة لكل انواعه ومستويات الالتزام به، وقد خرجت هذه الفئة من التقسميات التي يمكن ان يقبل بها النظام بشكل كامل، عندما تحدث عن نوعين من الحجاب التي يمكن ان يقبل بها النظام من الناحية القانونية، وهما النوع او الفئة التي تلتزم بالحجاب الكامل، وكما حددته المحاكم الشرعية التي تضعها المؤسسة الدينية، وهي الشريحة التي يرغب بها النظام، ويعتبرها الاكثر تعبيرا عن هوية النظام والثورة الثقافية والدينية، والنوع او الفئة الثانية التي صنفها المرشد، وحسب تعبيره بالفئة “ضعيفة الحجاب”، التي لا تلتزم بالحدود الشرعية في الشكل، وانما في المضمون، تصنف من الشريحة المؤيدة للنظام والثورة، مستدلاً على ذلك بمشاركة هذه الشريحة بمختلف الانشطة الرسمية للنظام، مشدداً على رفض تصنيفها ضمن الجماعات المعادية للهوية الثقافية والدينية.

هذا الموقف وهذه القراءة لمسألة الحجاب وحدوده، لم تلحظ اي امكانية لاعادة النظر في القانون الذي اقره النظام والسلطة

المرشد اكد، وفي سياق التنظير للخلفية التي ينطلق منها، لاخراج الشريحة الرافضة لكل انواع وتصنيفات الحجاب، التي يرضى عنها النظام ولا تتعارض مع القانون والهوية الدينية والثقافية، انطلق من مبدأ تعتبره المؤسسة الدينية مسلمة لا يمكن التسامح معها، والتي تقول بان “الالتزام بالحجاب مسألة شرعية”، ما يعني ان حدود تعامله كولي للفقيه ومرجعية دينية، لا يمكن ان تخرج عن هذه البديهية الشرعية، لدى المؤسسة الدينية بكل انتماءاتها وتنوعاتها ومدارسها الفقهية والاجتهادية. فضلا عن الجانب القانوني الذي اكتسبته، بعد تحويل الحكم الشرعي في النظام الاسلامي، الى قانون يلزم كل ايراني او اي زائر لايران الالتزام به وتطبيقه.

هذا الموقف وهذه القراءة لمسألة الحجاب وحدوده، لم تلحظ اي امكانية لاعادة النظر في القانون الذي اقره النظام والسلطة للتعامل مع مسألة الحجاب، والتي تقوم على عدم الاعتراف بالاخر المختلف، سواء من داخل الجماعة العقائدية والدينية، التي من المفترض ان تشكل القاعدة التي ينتمي لها النظام ويعبر عنها، او الجماعات وابناء الاديان الاخرى، نافيا في الوقت نفسه حرية الاختيار، ما جعله بحاجة الى ادوات لتنفيذ هذا القانون وتطبيقه على الجميع، من دون الاخذ بالاعتبار التنوع، والتعدد الذي يعتبر اساسا في المجتمعات اعترفت به جميع الاديان والكتب المقدسة، وهي القراءة التي انتهت بالسلطة الدينية، الى استحداث آلية للتعامل والتعاطي مع الحجاب، بدأ في السنوات الاولى للثورة عبر اللجان الثورية، مرورا بدوريات “ثار الله” لحرس الثورة، وصولا الى تشكيل جهاز رسمي داخل مؤسسة الشرطة باسم “دوريات الارشاد”- الشرطة الاخلاقية، ليكون الذراع التنفيذية لمؤسسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

المسار الذي اتخذته مواقف النظام وقيادته، والتي عبر عنها المرشد الاعلى من مسألة الحجاب وتداعياتها الاجتماعية والثقافية على المنظومة، لم يخرج ولن يخرج عن الرؤية التي يلتزم بها النظام والمؤسسة الدينية

وعلى الرغم من حساسية الازمة التي نشأت بعد مقتل الفتاة مهسا اميني وعمقها، والجدل الذي فتحته داخل المجتمع الايراني بمختلف مستوياته الدينية والثقافية والاجتماعية، حول اجراءات النظام واذرعته الامنية والتنفيذية، وحجم السلبيات الناتجة عن دخولها وتدخلها في الدوائر الخاصة للحياة الشخصية والحريات الفردية للايرانيين، بالاضافة الى حرية التعبير والرأي، والدور الذي تلعبه المشابه لمحاكم التفتيش في العصور الوسطى. الا ان المسار الذي اتخذته مواقف النظام وقيادته، والتي عبر عنها المرشد الاعلى من مسألة الحجاب وتداعياتها الاجتماعية والثقافية على المنظومة، لم يخرج ولن يخرج عن الرؤية التي يلتزم بها النظام والمؤسسة الدينية، ولن يكون المرشد، على فرض امكانية قبوله بالتخفيف من القيود في هذا المجال، وفرض المحال ليس بمحال، فانه لن يكون قادرا على اتخاذ هذه الخطوة لاعتبارين اساسيين، الاول انه يشغل اعلى منصب ديني في هرمية المؤسسة الدينية وليس السياسية فقط، فموقع ولي الفقيه الذي يضعه في موقع “نائب الرسول والائمة” يحول دون اي امكانية لاظهار الليونة في هذه المسألة، كونها تضع مصداقية الدينية والتزامه العقائدي في دائرة الشك والتشكيك. اما الاعتبار الثاني، يعود الى صعوبة الوقوف بوجه المؤسسة الدينية، التي تعبر عن مواقفها المرجعيات الدينية، التي ستدخل في مواجهة مع السلطة، في حال لجأت الى التساهل، في مسألة تراها من الاسس العقائدية والدينية.

من هنا فان المرحلة المقبلة، من المتوقع ان تشهد نوعا من التراجع الظاهري في التعامل مع مسألة الحجاب، بحيث تكون مؤسسات النظام قادرة على اجتراح آلية جديدة للتعامل مع مسألة الحجاب، خاصة وان دوائر النظام دخلت في نقاش جدي، وبحث حول هذه الاليات الجديدة، التي تسمح لها باعادة فرض هيبة النظام، وتساعد في التصدي لما تعتبره استهدافا لهويته الثقافية والعقائدية.

السابق
الدولار على تقلبه و«تحليقه» حتى مطلع شباط.. و«الإستغلال» وراء إستبعاد المؤسسات عن «صيرفة»
التالي
جنون السوق السوداء تابع.. الدولار يشق طريقه باتجاه الـ٤٧ الفاً!