«حادث العاقبية».. «حدث ولا حرج»!

ياسين شبلي

أرخى “الحادث” الدموي الذي تعرضت لها قوات “اليونيفيل” في العاقبية مؤخراً، بظلاله القاتمة على الأوضاع في لبنان، هو الذي يعيش أجواء قاتمة أصلاً في ظل الفراغ الذي يعيشه على مختلف المستويات، هذا الفراغ الذي يستجلب ويغري كل من له غرض، سواء داخلي أو إقليمي، باللعب في الوقت الضائع لمحاولة تحقيق مكاسب له، ولسياسته ومكانته ولو على حساب البلد والناس.
أتى هذا الحادث في ظل تطورات عدة متصلة بالوضع اللبناني، سواء بإرتباطاته الإقليمية، أو بأبعاده الإقليمية – الدولية التي لطالما كان مشدوداً إليها ومتأثراً بها، ما جعل منه “حادثاً خطيراً”، يُنظر إليه على أنه لم يكن عفوياً، وأنما قد يحمل رسالة أو أكثر لعدد من الأطراف وفي عدة إتجاهات، في بلد تتشابك فيه المصالح الإقليمية والدولية بإعتباره للأسف ساحة صراع ومتنفساً لبعض الأطراف المأزومة سواء في الداخل أو الخارج.

أتى هذا الحادث في ظل تطورات عدة متصلة بالوضع اللبناني سواء بإرتباطاته الإقليمية، أو بأبعاده الإقليمية – الدولية التي لطالما كان مشدوداً إليها ومتأثراً بها ما جعل منه “حادثاً خطيراً”


في الموضوع الإقليمي – الدولي، هناك الجمود الذي يسيطر على مفاوضات الملف النووي الإيراني، كذلك التوتر الإيراني – الغربي الأوروبي، تحديداً على خلفية قضية بيع المسيرات الإيرانية لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، و”المساجين – الرهائن” من عدة جنسيات أوروبية في طهران، هذا التوتر الذي غذته وتغذيه المواقف الأوروبية، من التطورات الإيرانية الداخلية الداعمة، ولو إعلامياً، للتحركات الشعبية والمنددة بالإعدامات التي تطال النشطاء فيها.
في الموضوع الإقليمي العربي – الإيراني تحديداً، لا يمكن إغفال تأثير التطورات الداخلية الإيرانية، على مجريات الأحداث في المنطقة، سواء سلباً أم إيجاباً، خاصة في الدول التي لإيران نفوذ قوي فيها.

هكذا يبدو أن كل تطور من هذه التطورات سواء داخلي أم أقليمي – دولي يصلح بحد ذاته للإيحاء بأنه المقصود بما حصل


من هنا جاءت التطورات التي حصلت في العراق، بتشكيل حكومة محمد شياع السوداني، مرشح “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، وإقصاء مقتدى الصدر – ولو مؤقتاً – عن المشهد السياسي في العراق، التي تزامنت مع الإتفاق على ترسيم الحدود البحرية اللبنانية – الإسرائيلية، بما أوحى بأن هناك ربما صفقة ما وراء هذا التزامن، بحسب نظرية “ترابط الساحات”، كما أدت إلى إقصاء مصطفى الكاظمي عرَّاب الحوار السعودي – الإيراني، الذي يبدو أنه متوقف حالياً مع ما يحمله هذا التوقف من مؤشرات سلبية، قد تطرأ على الوضع اليمني وغيره من الساحات.

في الموضوع الإقليمي العربي – الإيراني تحديداً لا يمكن إغفال تأثير التطورات الداخلية الإيرانية على مجريات الأحداث في المنطقة، سواء سلباً أم إيجاباً خاصة في الدول التي لإيران نفوذ قوي فيه


على المستوى الداخلي اللبناني، أتى هذا الحادث في ظل عدة تطورات وتحركات وهي:

  • مرور حوالي الشهرين على إتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني، وما خلفته من تفاؤل وأجواء إيجابية وهدوء على جبهة حزب الله.
  • الفراغ الذي يعيشه البلد رئاسياً وحكومياً والإنسداد في الأفق السياسي.
  • إرتفاع أسهم قائد الجيش كمرشح رئاسي في “بورصة” الأسماء إقليمياً ودولياً.
  • زيارة الرئيس نجيب ميقاتي للسعودية، وتمثيله لبنان في القمة العربية – الصينية، في ظل التجاذب اللبناني حول الحكومة والصلاحيات.
  • زيارة كان أُعلِنَ عنها للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان لتفقد قوات بلاده في اليونيفيل، ترافقت مع تصريحات مثيرة لوزيرة الدفاع الفرنسية السابقة، حول مشاركة سورية لحزب الله في إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعن ضغوطات حصلت للتعتيم على هذا الأمر.


هكذا يبدو أن كل تطور من هذه التطورات، سواء داخلي أم أقليمي – دولي، يصلح بحد ذاته للإيحاء بأنه المقصود بما حصل، وبأن الحادث إنما هو رسالة لأحد الأطراف آنفة الذكر، وإن كانت الإحتمالات حول صاحب الرسالة ليست بهذه المروحة الواسعة من التوقعات، إذ أنها تكاد تنحصر بطرف واحد هو حزب الله، الذي سارع منذ وقوع الحادث على التأكيد، أنه حادث عفوي قام به “الأهالي”، وذلك قبل بدء التحقيق، للتأكد مما إذا كان ما حصل هو بالفعل حادثاً مقصوداً، ناجماً عن كمين مثلاً قام به “طرف ثالث” ربما، أو أنه حادث عفوي، أو حتى نتيجة “خطأ” بشري أثناء تنفيذ المهمة، وهذا أمر وارد جداً في مثل هذه الظروف، ويتوافق مع ما حاول حزب الله ترويجه عبر بعض “المحللين”، عن أن “الأهالي” المرابطين على الخط الساحلي حماية من أي إنزال إسرائيلي في المنطقة، شككوا في هوية السيارة خاصة عندما تراجعت السيارة إلى الخلف لتصدم شخصين – دائماً بحسب الرواية – وهو ما أثار الريبة أكثر وأدى إلى ما أدى إليه من عنف، وهو ما يعكس الإرباك الذي بدا على تصرفات الحزب وتصريحات مسؤوليه بعد الحادث.
هذه الإحتمالات جميعها لا تنفي جملة من التساؤلات المشروعة، التي لا بد من الإجابة عليها كي يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، من هذه التساؤلات لماذا إنفصلت السيارة المستهدفة عن الموكب الدولي، لتسلك طريقاً آخر يؤدي إلى شوارع داخلية مكتظة بالمواطنين، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الغلط ليس وارداً في هكذا ظروف، بسبب سهولة الإتصالات ووجود جهاز الـ gps لتحديد المواقع، ولماذا تطور الأمر هذه المرة مع “الأهالي” لإطلاق النار، علماً أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الصدام بين الطرفين، هل كان هناك أمر مركزي بإطلاق النار، أم أن الأمر كان تصرفاً شخصياً “إبن ساعته” كما يقال، أو ربما ناتج عن “خطأ” ما، لماذا سعى حزب الله منذ الدقائق الأولى للحادث لمحاولة التبرؤ منه كتنظيم، والطلب بعدم زج إسمه في الموضوع ورمي المسؤولية على ” الأهالي ” الغاضبين، كما سارع إلى تقديم التعزية بالجندي الفقيد، وأرسل أحد نوابه من ضمن لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان لأول مرة إلى مقر اليونيفيل؟
كلها أسئلة مشروعة ومبررة، وغني عن القول أن طرحها ليس بهدف تبرئة أو إتهام أحد، بل لمحاولة فهم ما حدث، وهل الحادث فعلاً هو رسالة، أم هو حادث عرضي نتيجة سوء تنسيق وسوء إتصال أو ربما سوء حظ، وإذا كان رسالة فمن المقصود بها، هل هي أوروبا والرئيس الفرنسي ماكرون بالذات، هو الذي لديه علاقات ملتبسة مع إيران وأتباعها في المنطقة، أم المقصود قائد الجيش المرشح الأبرز – حتى الآن – لرئاسة الجمهورية وداعميه، أو المقصود زيارة الرئيس ميقاتي للسعودية بما تعني على المستوى الداخلي اللبناني في ظل الفراغ الرئاسي، أم المقصود بعد ترسيم الحدود البحرية هو التذكير ب”تعهدات ما” لم تطبق حتى الآن، وهو ما إقتضى التذكير بأن الأمر على الأرض هو لحزب الله وليس لغيره، أم هي رسالة لكل هذه الأطراف بأن ” الستاتيكو ” يمكن أن يتغير في أي لحظة، إذا ما تغيرت “قواعد الإشتباك” سياسياً وعسكرياً في المنطقة، في ظل التطورات الداخلية في كل من إيران وإسرائيل؟

يبدو أن أوان الخلاص لم يحن بعد وأن الفراغ الذي يعيشه قد يُملأ بأي لحظة بتطورات وأحداث خطيرة لن تكون أبداً في مصلحته


كل هذه الأسئلة واردة، لكن الإجابات عنها ليست مؤكدة – حتى الآن على الأقل – المؤكد الوحيد هو أن لبنان لم يزل على “الصليب”، ويبدو أن أوان الخلاص لم يحن بعد، وأن الفراغ الذي يعيشه، قد يُملأ بأي لحظة بتطورات وأحداث خطيرة، لن تكون أبداً في مصلحته، طالما أن هناك عدم إحساس بالمسؤولية، لدى من هم المفروض أنهم مسؤولين عن حمايته وحماية أرضه وشعبه ومؤسساته، بحسب مراكزهم ومسؤولياتهم الوطنية وشعاراتهم السياسية.
حمى الله لبنان وشعبه من الأقربين قبل الأبعدين، ومن تهور المتهورين وعبث العابثين.

السابق
ما هو الإندماج النووي.. وكيف يمكننا الإستفادة منه؟
التالي
البيطار يُطفىء شمعته الاولى..«عاطلا عن العمل»!