أبناء بعلبك الهرمل يتلوون «برداً».. و«حزب الله» يهدي المازوت الإيراني «لمن أحب»!

صهاريج المازوت الايراني

لم ينس أبناء بعلبك الهرمل مشهد أرتال “المازوت الإيراني”، وهي تخترق المعابر غير الشرعية وتتجاوز الشرعية. ولا تزال مخيلتهم تختزن الحفاوة الشعبية التي حظيت بها هذه “الصهاريج”، ظناُ منهم أن حرارة الاستقبال، واحتضانهم للسلاح ونار قذائف الإبتهاج ونثر الورود والارز، كل هذا سيقيهم برد الشتاء ويكسر حصار جليد السلسلتين.

آمنوا أن “حزب الله” سيصدق بوعوده، التي قطعها لهم في مواسم الاستحقاقات السياسية، فيحصدوا مونتهم من المازوت في مواسم الشتاء القارس والازمات، ويوزع من دون تمييز على الأسر الفقيرة والمحتاجة، في البيئة “المشلوحة” بين جدران منازلها الباردة على هامش الدولة، تواجه باللحم الحي الاهمال والحرمان والأزمة المعيشية الخانقة.

نجح “حزب الله” في وضع أبناء “خزّان المقاومة” على سدّة الإحتياط والترقب، ينتظرون رحمته أملا بهبته الموعودة.

وكشفت مصادر ميدانية مواكبة لـ”جنوبية” ان “الحزب لا يزال هو أبرز مهربي المحروقات بالجملة والمفرق ذهابا وإيابا، وقد يكون الوحيد وأحد المساهمين بصناعة الأزمة التي أدت الى رفع الدعم، باع بيئته عواطف وإنتصارات وروائح “المازوت ايراني”، التي شكلت له “بزنس” وتجارة رابحة خالية من أي ضرائب ورسوم جمركية، تدخل الى خزينته ملايين الدولارات”.

نجح “حزب الله” في وضع أبناء “خزّان المقاومة” على سدّة الإحتياط والترقب

واذ اعترفت أن “أبناء بعلبك الهرمل وقعوا في فخ الوعود والشعارات التي تدغدغ عواطفهم وتطرب عقولهم، فخاضوا البحر معه دون التفكير بعواقب الأمور، وحصدوا خيبة تلو الخيبة”، اكدت ان “الحزب اعتاد على تضحيات بيئته دون ثمن، ويعرف عن ظاهر قلب كيفية التلاعب بأذهان وعواطف أبناء المنطقة فهو يعتبرهم في “الجيبة”. وأضافت”: لذلك يبيعهم برميل “المازوت الايراني” الذي يشكى من جودته ورائحته المزعجة عند الاحتراق بأقل من 15 دولار من سعر برميل المازوت “الشرعي” الذي وصل الى 210 دولار حسب وزارة الطاقة، فيما يوزعه مجانا ويقدم كهبات في بعض المناطق المسيحية كجبيل وصيدا وجزين وبعض الشمال كرمى لحلفائه ولمكاسب سياسية وشعبوية وتكوين حصانة لمعابره وتجارته غير الشرعية”.

الحزب لا يزال هو أبرز مهربي المحروقات بالجملة والمفرق ذهابا وإيابا

ولفتت الى ان “المازوت الايراني دخل تحت عنوان فك الحصار والخدمات الاجتماعية، الا انه فعلياً غير ذلك، حيث تم ادخاله في البازار السياسي وكمضارب تجاري.

يبيعهم برميل “المازوت الايراني” الذي يشكى من جودته ورائحته المزعجة عند الاحتراق بأقل من 15 دولار من سعر برميل المازوت “الشرعي” الذي وصل الى 210 دولار

عائلة أحد أبناء الشهداء الحزب أكدت لـ”جنوبية”، أنها لم تحصل على أي ليتر مازوت من حزب الله، رغم الوعود بمنحها برميل وربع، وأن من يصله المازوت الايراني هم بعض المسؤولين وأقاربهم والمحسوبيات، حتى أن شراءه يحتاج أحيانا لتوصية من “الحاج “.

وأثار العديد من أهالي المناطق الحدودية والقرى الوسطى “استمرار مشهد أرتال صهاريج المازوت، وهي تعبر الحدود السورية بشكل يومي وتشق طريقها عبر القرى والبلدات المحرومة، على مرأى من الأهالي الذين باتوا عاجزين عن تأمين “تنكة” المازوت لتقي أطفالهم والعجزة، موجات الصقيع والثلوج التي تتهيأ لحصارهم، دون توفير أدنى مقومات الصمود”.

عباس إبن بلدة النبي شيت وهو أب ل ٤ أولاد، يشكل نموذجاً صارخاً للمعاناة، فهو يراقب بقلق “قطرات” المازوت المترنّحة من طاسة الصوبية (5 ليتر)، بعد أن وضعها في أبطأ حالة ممكنة، حتى يكاد وهجها أن ينعدم وأن لا تدفئ حتى حديدها.

أنا أحرم أبنائي في كثير من الأحيان وجبة طعام يومية، كي أستطيع تأمين المازوت بعرق جبيني

وقال عباس لـ”جنوبية”، “تحترق أعصابنا لبث الدفء في أجساد اولادنا، وهذا التقنين هو لتوفير التدفئة لأبنائي بمعدل ساعتين في الصباح الباكر قبل ذهابهم الى المدرسة، وساعتين عند المساء قبل النوم، على أن نجتمع في غرفة واحدة، أما خلال النهار فنستعيض عن “الصوبية بأشعة الشمس اذا سمح الطقس بذلك أو الإلتفاف “بالبطانيات”.
وأضاف :” أنا أحرم أبنائي في كثير من الأحيان وجبة طعام يومية، كي أستطيع تأمين المازوت بعرق جبيني، وأجنبهم مرض البرد القارس، وأدعو الله تجنيبهم أي مكروه لأنني سأعجز عن تأمين بدل الطبابة والدواء”.

هذا الواقع المرير، يأتي في ظل فوضى اجتماعية وامنية، حيث يستقبل أبناء قرى بعلبك والهرمل الشتاء بقلق وخوف شديدين، بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة وإرتفعت أسعار المحروقات الى مستوى يفوق قدرتهم الشرائية ودخلهم الشهري، حيث بات مألوفا مشهد شراء المازوت “بالقنينة” مع تقنين ساعات التدفئة الى ما دون ال 5 ساعات في اليوم، بعد أن وصل سعر “برميل المازوت”(10 تنكات) الى حوالي 210 دولارات، فيما تحتاج الأسرة الواحدة خلال الموسم الى 5 او 6 براميل ما يفوق سعرها ال 1000 دولار أي حوالي ال 45 مليون ليرة كمعدل وسطي حسب سعر صرف السوق السوداء”.

تحتاج الأسرة الواحدة خلال الموسم الى 5 او 6 براميل ما يفوق سعرها ال 1000 دولار

وفي “حسبة” بسيطة، يحتاج المنزل في الشهر الى حوالي 10 مليون ليرة، وفي اليوم الى 300 الف ليرة تقريبا، على ان يكون في البيت “صوبية” واحدة ليس أكثر مع تقنين ساعات التدفئة الى ما دون ال ٦ ساعات”.

الدخل الفردي المتدني للمواطن البقاعي ورفع الدعم عن المحروقات، أعدما القدرة الشرائية للأسر الفقيرة خصوصا تلك التي ليس لها اي باب اغترابي أو محلي لمساعدتها، الأمر الذي دفع بالبعض منهم الى تركيب مدافئ تعمل على الحطب، لسهولة تأمين مادتها حسب اعتقادهم.

وبحسب أحد أبناء القرى، الذي اوضح لـ”جنوبية”، انه “لجأ هؤلاء الى كل ما استطاعوا اليه سبيلا من مواد قابلة للإشتعال لوقدها ولم يكتفوا بجريمة “تزليط” الجرود، وتعريتها من أشجارها المعمّرة والتراثية عبر قطعها في مشهد محزن، أو تجميع ما توفّر من حطب وخشب وبلاستيك عن الشوارع وفي البساتين، بل وصل بهم الأمر الى نشر أغصان الأشجار المثمرة وسرقة الأحذية من أمام المنازل وكل ما توفر امامهم، فيما وجد البعض في قطع الاشجار المعمّرة وبيعها مهنة جديدة وتجارة رابحة، اذ وصل سعر طن الحطب الى 6 مليون ليرة على حد تعبير أحد أبناء المنطقة”.

مصادر “عشائرية” حملت عبر “جنوبية” مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع المعيشية والاجتماعية في البقاع الى قوى الأمر الواقع، وعلى رأسها “حزب الله”، التي تهيمن على المنطقة سياسيا وامنيا واجتماعيا، الا أنها خلفت بوعودها وتخلت عن مسؤولياتها تجاه بيئتها”.

ولفتت الى ان “أبناء باتوا ينقسمون الى طبقتين، طبقة غنية وميسورة تضم المتفرغين في حزب الله وتجار المخدرات والمهربين، وهذه الطبقة لا تشعر بوجود أزمة ولا تشعر بالبرد في محيطها، وطبقة فقيرة تشكل الأكثرية الساحقة والمسحوقة ولا يتجاوز معدل دخل الاسرة فيها 3 مليون ليرة، وهؤلاء متروكون لمصيرهم وواقعهم البائس.. لهم الله وقليل من الخيرين، حسب تعبير المصادر.

واعربت المصادر عن استغرابها من “عقد نواب بعلبك الهرمل اجتماعات للبحث في وضع حد للتدخلات الأميركية في لبنان، على حد بياناتهم المطولة، بينما أطفال منطقتهم والعجزة يموتون بردا وجوعا ومرضا”.

وتوجهت اليهم بالسؤال متهكمة: “إذا كنتم عاجزين عن منح ناخبيكم الدفء، في منازلهم ومدارسهم واعمالهم، وأنتم تختزنون المازوت في باطن محمياتكم، فكيف لكم أن تواجهوا أميركا التي تسهل لكم مرور قوافل المحروقات من ايران الى العراق فسوريا ولبنان؟!

ورات ان الناس إكتشفت ولو متأخرة، “خدعة فك الحصار الأميركي، بعد ان وجدوا أنفسهم يشترون المازوت بالليتر فيما المازوت الايراني يباع بالدولار، و يحصون قطرات المازوت ويدهم على قلوبهم، وعندما قطعت الأشجار المعمّرة التي لطالما حمتهم في السراء والضراء، و اكتشفوا ذلك ايضاً، عندما أصبح الهاجس متابعة أحوال الطقس أملا بيوم مشمس، فلم يسعفهم سوى اشعة شمس غير مدفوعة الثمن وقد تكون ارحم على الفقراء من مسؤولين طغاة؟!

السابق
حبيقة لـ«جنوبية»: هذا هو سبب تحليق الدولار .. «المركزي» عاجز عن لجمه!
التالي
لبنان.. هل يفتح مقتل الجندي الإيرلندي باب جهنم يصعب إغلاقه؟