كلمة بمناسبة توقيع كتاب(الشيخ حسين شحادة: المنبع والرؤية) للمفكر العربي د.عبد الحسين شعبان

عبد الحسين شعبان


يسعدني أن اعبر عن سعادة غامرة، على مأدبة سيرة شيخ كبير، يرويها مفكر خبير. تحية للصديقين الرائعين في دأبهما على تعزيز رسالة التسامح والعيش المشترك: الشيخ الأستاذ حسين شحادة المكرم موضوع السيرة، والدكتور عبد الحسين شعبان سارد السيرة. وهو مشكور على هذا الصنيع، وهو حقيق به بعد ان ترك بصمة في فن الإستذكار وكتابة السير، بتحقيق المؤرخ وسمت الأديب.

فقيه الواقع وسادن الجمال، العبارة الأخاذة التي خطها المفكر شعبان واصفا ومتولها بسيرة الشيخ الأديب والمفكر حسين شحادة، في عمل حقيق بالمؤانسة، وسردية ناذرة في تركيب صورة عن شخصية لها بصمة موحية وقوام مميز.
وضع الكاتب د. شعبان الشيخ شحادة في سياقه ونسقه، ضمن سفر في الزمان والمكان، وبلغة تنطوي على بلاغة سارد محترف، لتكون شهادة حية، لا تستذكر فحسب على أي نحو اتفق، بل هي تلتقي في هذا الممشى مع ديمومة برغسون، حيث هي زمان غير كرونولوجي جامد، بل زمان يحتوي ذاكرة حية، ماثلة، مؤثرة، شذرات زمن مفقود.
فقيه الواقع وسادن الجمال وصف ندي، ومفتاح لشخصية رجل إن عرفته عن قرب وطربت مليا لخطابه، سترى أنه بالفعل لا يجاوز الواقع في جمالية يضمنها سجع العبارة وفن الكلمة. فلقد اختار الكلمة كما كتب شعبان، لأنها هي الأصل والواسطة في الاثبات.


الشيخ الاستاذ شحادة صانع لجمالية الخطاب، فالفقه نفسه لا ينفك ان يخضع لهذه الصناعة التي جعلته فعلا سادن الجمال. وهو كما ذهب الكاتب، ابن بيئة النجف العريقة في الانفتاح والعلم، في مخاض هذا الحيز وجغرافيا الخبرة والولع بالادب واسئلة النهضة والتنوير، تشكلت هوية رجل لا زال مصرا على التواصل الرضي.


الشيخ حسين شحادة كما يظهر من سيرته التي انتجها الصديق الأديب شعبان بسلاسة بلاغية، هي سفر ماتع في سيرة نفسية ومعرفية، ونص يرقى إلى النصوص الكبرى في فن السيرة.
الجمال هنا أيضا ليس متعة عابرة، بل هو أثر يرخي بظلاله على فن التسامح الذي ظل حقيقة ثابتة في لغة ومنهاج السارد وبطل السيرة معا. فلقد لمست من سيرتي الكاتب والمكتوب عنه، ميلا عارما لمطلب التعايش والتسامح. وقبل أيام فقط، جمعتني بالدكتور عبد الحسين شعبان رحلة غنية فكرا وثقافة، حول فلسفة التسامح بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، وهو إذ يشير إلى هذه الشخصية في خطاب ومنهاج الأستاذ شحادة، يفعل ذلك كخبير بهذا المطلب الكوني. ولا شيء مستغرب ها هنا، فلقد لفت انتباهي هذا الميل القوي عند الصديق شحادة للتسامح في أفق أنوسة مدعومة بفكر وفقه وواقعية، فهو لا يفتأ ينشر قيم الجمال التعبيري بلا كلل، في مهمة سادن الجمال، بعد أن ادرك صولة الواقع وعنف الخطاب النابع من أزمة تحققه.


الشيخ شحادة سفير التسامح وفقهه، وهو في مجلة المعراج لفت إلى مسار تأويلي مختلف، ارتقى بالتدبر إلى منفتح المعنى، حيث عانق كل مستوياته مستنزلا ما يبدد عنف هذا الالتباس عن واقع لا يزال عصيا.
ورأيي فيه غير مجروح بصداقته، لكن لطالما تمنيت أن يكون الشيخ شحادة وجها وواجهة في الوساطة بين الإسلام والآخر، سفير سلام منتدب لدى مكونات الاقليم لمخاطبة من احتوتهم الصورة النمطية، لاسلام كما تجلى في مرآة عشرية كاملة من التشويه والتأويل الشقي. هؤلاء شهود على نبل الوجه المستبعد من إسلام في محك التنازع بين مقاصد الأنوار وغريزة التطرفات.

وفي هذا السياق، وجب القول بأن كتاب د.شعبان عن شحادة، هو ليس تكريما لشيخ وافر العطاء فحسب، بل هو إضافة في سجل السرديات الجمالية، وتفاعل الأديب مع الأديب، فكان نصا غنيا بالرموز والصور، راقيا، ماتعا، بقوة وجمالية السهل الممتنع، حيث كان نصا جديرا بالاحتفاء.

السابق
بعد اثارته الجدل.. ما حقيقة دخول الشاب علي طليس موسوعة «غينيس»؟
التالي
باسيل «يَتحاذق» على بري ونصرالله رئاسياً..والحكومة تُهوّل بالأمن لتبرير فشلها!