«اللاّمركزية الإدارية الموسعة» في اللقاء الثاني لـ«ملتقى التأثير المدني»: لبناء دولة المواطنة الحرّة ودولة العيش معًا

نظّم ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم اللقاء الثاني من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشحصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والعسكريين المتقاعدين والإعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس واعضاء الملتقى.
اللّقاء الثاني أتى تحت عنوان “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا”، بهدف الإضاءة على التطورات المستجدة على هذا المستوى البحث الجاري بشأن سلسلة من اقتراحات ومشاريع القوانين الخاصة باللامركزية الاداريّة الموسّعة والمواقف المتعددة منها، بما يعيد الاعتبار الى “وثيقة الوفاق الوطني” أي الدستور نصًّا وروحا من أجل بناء دولة المواطنة الحرّة والسيدة والعادلة والمستقلّة.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّ بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده فيلمين وثائقيين الأول تناول: “ملتقى التأثير المدني: عشر سنوات/ القضيّة لبنان والإنسان”. والثاني كان ملخّصًا لوقائع اللقاء الاول من مسار هذه الحوارات الذي عقد الشهر الماضي تحت عنوان” جوهر وثيقة الوفاق الوطني المادة 95 من الدستور”.
كلمة نائب رئيس الملتقى
وبعد ذلك القى نائب رئيس الملتقى الدّكتورعبد السلام حاسبيني كلمة رحب فيها بالمشاركين في اللقاء، وقال: “ان اللّقاء الثاني من مسار “الحوارات الصّباحيّة” الذي نعقده اليوم تحت عنوان: “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا” يشكّل التزاما منا كملتقى بـ “العَوْدة إلى وثيقة الوفاق الوطنيّ (إتّفاق الطّائف) ببنودها الإصلاحيّة كي نستعيد معًا خيار تطبيق الدّستور نصًّا وروحًا، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا”.
وأضاف حاسبيني: “مع اعتِرافِنا في الملتقى بتفوّق هذه الهُموم الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة على يوميّاتنا، فقد أخَذْنا على عاتِقِنا الانكِباب على مُعالجة مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، إذ هو لبنان دولةً وشعبًا يتعرَّضُ لجريمة منظّمة يرتكِبُها تحالُف المافيا – ميليشيا، ما يستدعي منَّا تصويب البُوْصلة لإنقاذه من هذا المستنقع الجُهَنَّمي”.

كلمة شلق
ثم كانت كلمة ميسّرة الحِوار هدى الخطيب شلق، فتحدثت عن الظروف التي قادت إلى “وثيقة الوفاق الوطني” في الطائف لإنهاء الحرب في لبنان، وما وضعته من “مسار واضح للانتقال والعبور من الحرب الى بناء دولة مدنية حديثة”. واشارت الى “ما نالته من الإجماع اللبناني والدعم الإقليمي والدولي على الصعيدين القانوني والسياسي”، الى ان أقرّ مضمون الاتفاق في مجلس الأمن الدولي في بيانيه في 7/11/1989 و 22/11/1989، واللذين أكّد فيهما دعمه لبنود هذا الاتفاق كافة الذي نجح في “تسوية للأزمة اللبنانية بكلّ جوانبها مع ضمان سيادة لبنان الكاملة واستقلاله وسلامة أراضيه والوحدة الوطنية فيه”. قبل ان يقره المجلس النيابي اللبناني من دون أي تحفّظ أو استثناء في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/11/1989.
وسألت شلق عن الأسباب التي حالت دون تطبيق الطائف الى أن جاءت ثورة 17 تشرين 2019 التي “نادى فيها المتظاهرون بكل الشعارات التي نادت بها الوثيقة من إصلاحات”. وقد عبر اللبنانيون بكافة تنوعهم عن ذلك “بلغة الشعب الموجوع والمقهور”. ولكن ما زال الحكام يتخاصمون ويتحاصصون. ولفتت الى ان “الاستجابة لهذه المطالب تقتضي السعي الى تطبيق واحدة من اهم الإصلاحات وهي اللامركزية الادارية مع ابقائها ضمن الدولة الواحدة الموحدة بعيداً من أي منحى تقسيمي. وهي التي تتيح المجال لمشاركة المواطن في الانماء المتوازن العادل وكذلك الانصهار الوطني”.
وأكدت شلق “ان اللامركزية كتنظيم إداري، تراعي خصوصيّة الحاجات المحلّية، وتشكل كما “حرصٌ المشرع على أن تحتفظ الدولة المركزية بحصرية الإمرة والصلاحية في مسائل عدة منها الدفاع والنقد والخارجية والعدل والتشريع كما تقوم بعملية التنظيم والتقنين والتوزيع العادل للموارد ضمن المجتمع”.
وانتهت شلق الى التأكيد بانه “وبالرغم من مرور نحو ثلاثة عقود على توقيع وثيقة الوفاق الوطني، لم تأخذ اللامركزية الإدارية طريقها نحو التطبيق، ومازالت موضع جدل وأخذ وردّ”” منبهة الى “مخاطر هذا التردد في ظل الانهيار الكبير الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ لبنان”.
كلمة الشاعر
وبعدها قدم المحامي ربيع الشاعر “ورقة عمل اللّامركزيّة الإداريّة والماليّة في لبنان” فتوسع في شرح “اللامركزية الإدارية والماليّة” باعتبارها “أحد تجسيدات الديمقراطية من أجل صحة التمثيل الشعبي وبلوغ الحد الأعلى من التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتسهيل معاملات المواطنين وتمكين كل منطقة من الحصول على حصتها من الانفاق العام وتوفير المزيد من الوقت والتخفيف من الروتين الإداري”.
وبعدها انتقل الشاعر الى تحديد المعايير التي تحكم “اللامركزية الإدارية والمالية” كما يحددها “العلم الإداري” معتبرا أنّ “الإدارة المحليّة المنتخبة، المتمثّلة بالبلديات لا تستوفي جميع شروط اللامركزية الإدارية بمفهومها المعاصر” وهي تشكو “من صعوبة جباية الرسوم ناهيك عن صعوبة السداد إن لم نقل الاستحالة مما يشلّ جميع المبادرات التي تقوم بها. كما ندرة الموارد الماليّة لهذه البلديات”.

وتحدث الشاعر عن مراكز الخلل في الحلول المقترحة فاعتبر أن “طرح النواب في مؤتمر الطائف لم يكن موفقاً”، إمّا “عن تقصير وإمّا لغاية في نفس أهل النظام السياسي وهو مركزيٌ بامتياز”. فاللامركزية تشترط بان “تكون مجالس السلطات اللامركزية منتخبة من الشعب ولا تمثل إلاّ إرادته”، وربما انهم “خافوا من فقدان سيطرتهم على السلطة لمصلحة الإرادة الشعبية، ولم تكن لهم رؤيا مستقبلية لمسائل الحكم”.

وتناول الشاعر النظرة الى الدور الاقتصادي والاجتماعي للإدارات المحلية المنتخبة وأهمية استقلالها المالي. ولفت الى مجموعة من الآراء المتناقضة بين من يتخوف من “الإفراط في اللامركزية الإدارية لدرجة الوصول إلى استقلالية واسعة للمناطق، تهدّد الوحدة الوطنية”. وآخرين “يغالون بالمطالبة باللامركزية الإدارية واسعة الصلاحيات كضمانة للمبادرة الفرديّة وللاقتصاد الحرّ وبالتالي للازدهار والتطوّر”. وما بينهما فئة ثالثة تدعو “إلى اختيار حلّ وسطي يؤمن لبلدٍ كلبنان اللامركزية الإدارية كأفضل وسيلة للتعبير عن رغبات مجموعة من الناس وتلبية حاجات منطقة معيّنة شرط أن تحتفظ الدولة بدورها في المراقبة والتنسيق وتوزيع الثروات من أجل بسط العدالة الاجتماعية بين الجميع”.
واعتبر الشاعر أن الإنماء المتوازن كان وسيبقى “على مسؤولية الدولة بالتوافق مع الجميع”. فهي مكلفة بتوزيع الثروات بشكل عادل وضبط المالية العامة”. لافتا الى أهمية “المعايير العلمية التي تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الاقتصادية والاجتماعية”، ومنها مثلاً “مقارنة معدلات النمو الاقتصادي لهذه المناطق والدخل الفردي فيها والبطالة والتطور والإنتاج ونقاط ضعف كلّ منها”.
واستنادا إلى المعطيات التي عددها، دعا الشاعر إلى “عدم الخلط بين الفدرالية واللامركزية واللّاحصريّة، وحصر دور الدولة بواجباتها الأساسية ومن ضمنها تأمين الانسجام الوطني والإنماء المتوازن بين مختلف المناطق. وتعزيز دور السلطة المركزية” وكل ذلك يجري من خلال إنشاء وزارة مستقلة للمجالس المحلية والتنمية الإدارية، ووزارة للتخطيط أو مجلس للإنماء المتوازن وتحديد الوظيفة الاقتصادية لكل قضاء من خلال وضع استراتيجية لا تتنافس فيه الأقضية فيما بينها بل تتكامل”.
وأضاف الشاعر: من الضروري تفعيل الحكومة الالكترونية والحوكمة ومكافحة الفساد، تفعيل قانون الشراء العام والمديرية العامة للاحصاءات، إنشاء هيئة إشراف مستقلة على الانتخابات، تعديل النظام الضرائبي وتفعيل الجباية وإعداد الموظفين وتدريبهم وانشاء المحاكم الادارية في الأقضية وتنظيم وتوزيع المرافق والخدمات العامة للدولة بشكل عادل بين كافة الاقضية وإلغاء منصب القائمقام وتعزيز دور المحافظ. وإجراء تقسيمات إدارية على أساس معطيات اقتصادية اجتماعية وديموغرافية”.
كما اقترح الشاعر “إنشاء جهاز شرطة مهمته حفظ الأمن على مستوى القضاء. وإعادة النظر في قانون انتخاب المجالس المحلية على النحو الذي يتيح للناخبين الاقتراع بحسب مكان إقامتهم. وإضافة صلاحيات أخرى على اختصاصات المجالس المحلية منها صلاحيات القائمقام بعد إلغاء هذه الوظيفة وإنشاء وتطوير البنى التحتية، مروراً بانتاج الطاقة والمشاريع ذات الطبيعة الاقتصادية وتنظيم النقل العام والخاص ووضع التصاميم العائدة للقضاء والمخطط التوجيهي العام بعد موافقة البلديات كل ضمن نطاقها”.
وأشار الشاعر “إلى أهميّة تعديل الصلاحيات المالية والادارية للمجالس المحلية المنتخبة لتفادي الازدواج الضريبي وأن تكون موزعة بين الضرائب على الدخل والقيمة المضافة والأملاك المبنيّة. وزيادة معدلات 25 رسماً بلدياً، والسماح للمجالس المحلية باقتراض الأموال من القطاع الخاص واعتماد آلية لإعداد الموازنات وتطوير نظام محاسبة موحد وتعميمه وإلغاء الوصاية والرقابة الإدارية المسبقة واعتماد الرقابة اللاحقة التي تضمن للمجالس المحلية المنتخبة حريّة المبادرة وإنشاء فروع محلية لديوان المحاسبة العامة في الأقضية لضمان الشفافية وللحدّ من الفساد والتفريط بالمصلحة العامة”.
وخلص الشاعر الى القول: “إن تحقيق الغاية المرجوة من اعتماد اللامركزية الإدارية بشقها الاقتصادي – المالي لا يمكن أن يتم إلا في إطار عملية اصلاحية متكاملة سياسيًّا، واقتصاديًّا وإدارياً وقضائياً. فالإصلاح كلٌّ متكامل يحقّقه التلاقي بين الإرادتين السياسية والشعبية”.
بعدها كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.

السابق
قبالة سواحل عمان.. استهداف ناقلة نفط بطائرة مسيرة
التالي
بالفيديو.. تلاسن بين المفتي زغيب ونائب «حزب الله»: لسنا بسينات بتنوي ولا كلاب بتعوي!