أصبح نافذاً في «خيمة الناقورة» وبايدن اعتبره في سياق «تحقيق رؤية لشرق أوسط أكثر أمناً وازدهاراً».. «اتفاق تاريخي» على «الحدود البحرية الدائمة» بين لبنان

هوكشتين وعون

عون «المزهو» ينزْعَ أي طابع تطبيعي عن الاتفاق… ونصرالله يُعلن «الانتصار الكبير»

مهما كانت الشكلياتُ التي حرصتْ بيروت على إضفائها على «بروتوكول الناقورة» حيث اكتمل نِصابُ «اتفاق هوكشتاين» لـ«ترسيم حدود بحرية دائمة» مع تل أبيب، فإن ما وَصَفه الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه «فتْحٌ تاريخي» يفتحُ بالتأكيد المنطقةَ على واقعٍ جديدٍ وينقل «ميزانَ الردع» على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية «النائمة» إلى وضعيةِ «هدنةٍ دائمةٍ» تَحْكُمُها للمرة الأولى مصالح اقتصادية هائلة ومتداخلة بات «أمْنُها» هو الذي يرسم حدود «اللعب بالنار» فوق حقول النفط والغاز.

وبعد عامين وأسبوعين بالتمام والكمال على انطلاق قطار المفاوضات البحرية برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة، دارتْ الديبلوماسيةُ دورةً كاملةً وعادت إلى مقر «اليونيفيل» في الناقورة حيث أُنْجزت المرحلة الأخيرة من اتفاق الترسيم الذي بات نافذاً والذي لم ترتدِ واشنطن القفازات وهي تصفه بأنه «تَفاهُم بين حكومتين» (لبنان واسرائيل) ولا تل أبيب حين قالت إن «هذا إنجاز سياسي، فليس كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل في اتفاقٍ مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره».

اقرأ أيضاً: وقائع الإتصالات وجلسات التفاوض (٣)الترسيم البحري: تَراجُع الرئيس وثبات القائد وفريقه

ولم يتطلّب الأمرَ كثير عناءٍ لرصْد «الشيء وعكسه» بين «الشكليات اللبنانية» التي واكبت اليوم التاريخي الماراثوني الذي انطبع بلقاءات الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، الذي زار بيروت هذه المرة بصفته «موفداً رئاسياً»، مع رؤساء الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قبل تبادُل رسائل السير بمندرجات الاتفاق في الناقورة بلا احتفاليةٍ وبعيداً عن الكاميرات، وبين النتائج الفعلية لمعطى استراتيجي ستتبلور تداعياته تباعاً على صعيد «الأمن الاقتصادي» للمنطقة ولكلٍّ من لبنان واسرائيل.

ففي الشكل سعى لبنان الرسمي لتظهير الاتفاق وكأنه «مع الجانب الأميركي» عبر إصراره على اعتماد صيغةِ ورودِ نقاط التفاهم في رسالة أميركية موقّعة «بالحبر الأزرق» من واشنطن ووثّقت بيروت (كما تل أبيب في شكل منفصل) موافقتها عليها برسالةٍ جوابية وقّعها عون (خلال استقبال هوكشتاين) الذي حاول أيضاً نزْعَ أي طابع تطبيعي عن الاتفاق بإعلانه «أن إنجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أي أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان بعلاقاته مع الدول».

أما في المفاعيل الفعلية، فلم يكن ممكناً حجْب أن الاتفاق جاء مدجَّجاً بعناصر ذات أبعاد عميقة قد يصحّ معها اعتبار أن «جبهةً» أُقفلتْ مع اسرائيل وأن لبنان اعترف ضمناً باسرائيل «ولو لأميركا». وأبرز هذه العناصر عبّرت عنها النقاط الآتية:

• مواكبة بايدن، وفي موقف هو الثاني يطلقه في أقل من 24 ساعة، «مراسم الناقورة» بتأكيد أنّ «اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل خطوة على طريق تحقيق رؤية لشرق أوسط أكثر أمناً وازدهاراً»، مهنّئاً «إسرائيل ولبنان على إبرام اتفاقهما رسمياً لحل النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده»، ومشدداً على «أنني أكدتُ عند الإعلان عن هذا الاتفاق التاريخي أنه سيحقق مصالح إسرائيل ولبنان، والولايات المتحدة ستواصل العمل كميسِّر لمساعدة الجهات على الوفاء بالتزاماتها وتنفيذ الاتفاق»، ومعتبراً أنّه «ينبغي ألا تكون الطاقة وخصوصاً في الشرق الأوسط سبباً للنزاع بل أداة للتعاون والاستقرار والأمن والازدهار».

• انطواء موافقة لبنان على الشروط المضمَّنة في الرسالة الأميركية حول الاتفاق وبنوده «ذات الصلة بإقامة حدود بحرية دائمة» كما ورد في نص الرسالة التي وقّعها عون وسُلّمت الى هوكشتاين في الناقورة على إقرارٍ غير مباشر إنما ipso facto بدولة اسرائيل، وسط توقف أوساط مراقبة عند توصيف هوكشتاين (في كلمته بعد لقاء عون) لبنان واسرائيل بأنهما «بلدان خصمان» مستخدماً بالانكليزية تعبير adversaries وليس «عدوّيْن»، قبل أن يشير رداً على سؤال عما اذا كانت نتائج الانتخابات الاسرائيلية تؤثر على مصير الاتفاق «إن هذا تفاهم بين حكومتين وهو ملزم لهما وسيبقى بغض النظر عن الانتخابات اللاحقة والحكومات المتتالية».

• اعتبار هوكشتاين أن الاتفاق«سيكون نقطة تحوّل اقتصاديّة للبنان ولنهوضه ومن شأنه إحداث الاستقرار في المنطقة، وسيسمح ببدء العمل من شركة توتال للتطوير والاستكشاف ولا شيء سيعوق هذه الاعمال في لبنان ولا شيء سيأخذ عائدات النفط والغاز من اللبنانيين»، لافتاً الى ان «أهمّ ما في الاتفاق أن من مصلحة البلدين ألا يخلا به، وان يتقدما الى الامام. وبحال تم خرقه من طرف واحد، سيخسر الطرفان. ولسنا قلقين في هذا المجال، ولكن الولايات المتحدة وافقت على مواصلة العمل مع الطرفين في حال الحاجة اليها».

• ان لبنان ومن خلف كل التسريبات عن أنه رفض رفع مستوى التمثيل في الوفد الذي خَتَمَ مسار إيصال الاتفاق الى شاطئ النفاذ تفادياً لأي إشارة تطبيع، أعطى بُعداً «رئاسياً» لهذا الوفد الذي ترأسه المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، وضمّ السفير أحمد العرفة رئيس مركز الاستشارات القانونية في وزارة الخارجية، العميد الركن منير شحادة مفوض الحكومة لدى «اليونيفيل»، ووسام فبراير عضو هيئة إدارة النفط.

والبارز في هذا السياق، أن طبيعة هذا الوفد تحديداً، وبالأخص مشاركة شقير وفبراير واسم مدني آخَر، سبق أن أحدثت عاصفة في بيروت عشية بدء مفاوضات الترسيم في اكتوبر 2020 (بحضور الوسيط الأميركي حينها ديفيد شينكر) حين أراد عون تشكيل وفدٍ عاجَلَه «حزب الله» والرئيس بري ببيانِ «منتصف الليل» الذي تَراجَعَ بإزائه رئيس الجمهورية والذي اعتبر «ان اتفاق الإطار حول مفاوضات ترسيم الحدود أكد الانطلاق من تفاهم إبريل 1996 والقرار 1701 واللذين على أساسهما تعقد اجتماعات دورية بين ضباط عسكريين حصراً، وبالتالي فإن تشكيل الوفد اللبناني وضمنه شخصيات مدنية مخالف لاتفاق الإطار ومضمون تفاهم إبريل».

وأعلنت قيادة الحزب و«أمل» حينها «رفضهما الصريح لما حصل، ما يضر بموقف لبنان ومصلحته العليا، ويشكل تجاوزاً لكل عناصر القوة لبلدنا، وضربة قوية لدوره ولمقاومته وموقعه العربي. ويمثل تسليماً بالمنطق الإسرائيلي الذي يريد أي شكل من أشكال التطبيع».

وهذه المرة، مرّ تشكيلُ «الوفد الرئاسي» الذي لم يُعلن عنه إلا في ربع الساعة الأخير والذي برز غياب الجيش اللبناني عنه (باعتبار شحادة لا يخضع لإمرةٍ قيادة المؤسسة العسكرية في هذا الملف) من دون ضجيجٍ أو أصوات اعتراضٍ، في ما بدا ملاقاة لخلفياتٍ غير مرئية تحكّمتْ بجوانب من المرونة القصوى التي أدار بها «حزب الله» موقفه من الترسيم ومنْحه الضوء الأخضر له رغم ضمانه «أمن اسرائيل» عبر التسليم ببقاء منطقة متنازَع عليها اعتبرتْها تل أبيب «خط حماية» (خط الطفافات الذي أقرّ لبنان بأن تبقى وضعيته كما هي أي تحت سيطرة إسرائيل بانتظار بت الترسيم البري)، وتكريسه واشنطن بمثابة المرجعية أو «الوصية» على تفسير أي التباسات في الاتفاق أو خلافات مستقبلية حوله.

ولم يكن عابراً أن يطلّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على وقع عملية تبادُل الرسائل في الناقورة معلناً أنّه «مع توقيع الرسائل واستكمال الخطوات الشكلية نكون انتهينا من هذه المرحلة، وبناء عليه كل التدابير والاستنفارات الاستثنائية التي قامت بها المقاومة منذ اشهر عدة، أعلن الآن أنها انتهت»، مشدداً على أنّ «المهمة أنجزت».

واعتبر «أننا في حزب الله نعتبر ما حصل من البداية الى النهاية الى النتائج هو انتصار كبير جداً للبنان، للدولة وللشعب وللمقاومة»، مشيراً إلى أنّ «وقائع توقيع ترسيم الحدود من ناحية الشكل تؤكد أن أي حديث عن التطبيع لا أساس له وهو تجنّ»، وموضحاً أنّ «المسؤولين في الدولة اللبنانية لم يقدموا على أي خطوة تعطي شبهة تطبيع، وما تم توقيعه من رئيس الجمهورية ليس معاهدة دولية وليس اعترافاً بإسرائيل».

وفي موازاة ذلك، سعى لبنان في مراسم تسليم الرسالة الرئاسية إلى هوكشتاين وتسليم ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا رسالةً وقّعها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب وتتضمّن تأكيد الإحداثيات المرتبطة بالحدود البحرية لإيداعها الأمم المتحدة وفق الآليات المتبعة في قانون البحار، إلى تسجيل «نقاط معنوية»:

أولاً برفض دخول «خيمة» اختتام فصول الاتفاق قبل أن توقف إسرائيل خرقاً بحرياً كانت تقوم به للمياه الاقليمية اللبنانية، وهو ما تمت معالجته عبر «اليونيفيل» بمواكبة مباشرة من عون.

وثانياً الإصرار على الفصل بينه وبين الوفد الاسرائيلي داخل الخيمة حيث جلس كل وفد في جهة، وأقيمت مراسم مزدوجة بحضور هوكشتاين ومعه السفيرة الأميركية دوروثي شيا وفرونتسكا بتفويض من الأمين العام للأمم المتحدة، والسفيرة الفرنسية آن غريو تعبيراً عن الدور الذي لعبته باريس عبر شركة «توتال» في رعاية تسوية حول حقل قانا الذي ضمن لبنان انتفاعه منه كاملاً حتى في الجزء الجنوبي منه الواقع جنوب الخط 23 الذي سلّمت به إسرائيل كخط ترسيم أي أنه يتداخل مع البلوك 72 الإسرائيلي، وقد اعتُمدت صيغةٌ لاستثماره تقوم على أن تعوّض «توتال» من أرباحها تل أبيب حصّتها من شقه الجنوبي.

وقد سلّم شقير إلى هوكشتاين رسالة الرئيس عون بالموافقة على اتفاق الترسيم وإلى فرونتسكا نسخةً عن مذكرة الإحداثيات وفق الخط 23 الموقعة من بو حبيب، وهو المسار نفسه الذي اعتُمد مع الجانب الاسرائيلي.

وبعدها سلّم هوكشتاين الطرفين رسالة هي عبارة عن الإخطار النهائي بدخول الاتفاق حيز التنفيذ.

نصّ رسالة عون: حدود بحرية دائمة مع إسرائيل؟

كشفت قناة «الجديد» اللبنانية نص الرسالة الجوابية التي وقّعها الرئيس ميشال عون وتحمل ما أوضح القصر الجمهوري أنه «موافقة لبنان على مضمون الرسالة الأميركية عن نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية التي سلّمه إياها المبعوث الخاص للرئيس الأميركي جو بايدن الوسيط آموس هوكستين والتي تؤكد أن لبنان حصل على الحقول المحددة في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية كاملة والتي كان أودعها الأمم المتحدة العام 2011 واعتمدت في المرسوم الرقم 6433».

وبحسب «الجديد» فإن نصّ رسالة عون تضمن:

«صاحب السعادة (هوكشتاين). لقد تلقيتُ رسالة الولايات المتحدة المؤرخة بتاريخ اليوم في شأن الشروط ذات الصلة بإقامة حدود بحرية دائمة.

إن الشروط الموضحة في رسالتكم مقبولة لدى حكومة لبنان.

وعليه يسرّ حكومة لبنان إخطار حكومة الولايات المتحدة بموافقتها على الشروط المبيّنة في رسالتها المؤرخة».

بوصعب: من اتفاقية ابراهام إلى اتفاقية هوكشتاين

خصّ نائب رئيس مجلس النواب اللبناني الياس بوصعب، الذي كان مكلّفاً من رئيس الجمهورية ميشال عون، ملف التفاوض البحري، الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، بإشادةٍ بـ «الجهد والعمل اللذين قمتَ بهما».

وقال بوصعب على مسمع هوكشتاين بعد لقائه عون في قصر بعبدا: «لقد قدّمتَ مقاربة جديدة، مكّنتنا من إنهاء هذا الاتفاق التاريخي. عملك، وجهدك، واحساسنا بأنك وسيط عادل في هذه المسألة، حيث لم يشعر لبنان لحظة بأنك تأخذ طرفاً مع جهة ضد أخرى، ساهمت بالوصول الى ما وصلنا اليه اليوم. منذ زمن بعيد سمعت باتفاقية ابراهام، واليوم اعتقد ان هناك مرحلة جديدة، قد يكون عنوانها اتفاقية آموس هوكشتاين».

تصفيق في القصر… وهوكشتاين يشيد بـ «اليوم التاريخي»

بعد تسليمه الرسالة الأميركية «الممهورة» التي تضمّنت النسخة النهائية من اتفاق الترسيم، والتي حرص الرئيس اللبناني ميشال عون على إبرازها أمام الكاميرات وسط تصفيق الحاضرين في القاعة، وصف الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، 27 اكتوبر، بأنه «يوم تاريخي في المنطقة بانجاز اتفاق سيوجد املاً وفرصاً اقتصادية واستقراراً على جانبي الحدود».

وأضاف: «انا ممتن حقيقة لتمكننا من الوصول الى هذا النهار، للقيادة اللبنانية وللقيادة لدى الجانب الآخَر، وكذلك لقيادة الرئيس بايدن الذي عمل جاهداً على هذا الملف، منذ أن كان نائباً للرئيس، ودفع بشدة للتمكن من الوصول الى هذه اللحظة. أظن أن من المهم أننا وصلنا اليوم الى هذا الإنجاز.

ولا تكمن الأهمية فيه فقط بل بما سيحدث بعد اليوم. وأعتقد بشدة أن ذلك سيشكل نقطة تحول مهمة للاقتصاد اللبناني ولمرحلة جديدة من الاستثمار، ودعماً متواصلاً للنهوض بالاقتصاد، ولضمان أن أي ترتيب سيحصل، سيتم بانفتاح وشفافية، وان المكتسبات ستصب لصالح الشعب اللبناني».

وختم: «أود أن أشكر فرق العمل التي شاركت في المفاوضات، ولاسيما فريق التفاوض اللبناني، والتي عملت على مدار الساعة لتحقيق هذا الإنجاز».

السابق
إيران… إرهاب غب الطلب
التالي
بعد كلام عون.. الامين: يأبى ان ينهي ولايته الا وان يمعن بتخريب العلاقات العربية!