نشيد الحب

في ” نشيد الحب ” يستعيد ألفرد طرزي جانبا من تاريخ عائلته الذي يتصل أيضا بتاريخ الفنون الحرفيَة في لبنان و بلاد الشام عامَة . من درج المتحف الوطني في بيروت حيث افتتاح هذا العمل نهار الأحد 23 أكتوبر الثالثة من بعد الظهر، يقود الفنان الجمهور نحو هنغار مهجور عثر عليه و أعاد إستنباطه ليحضن هذا التجهيز ، رحلة خاصّة يرافقها حفل موسيقي يحييه شربل هبر ، ساري موسى ، فادي طبال و سيرج يارد. التجهيز هو جزء من برنامج الفن و الأراضي التي تنفذه السفارة الفرنسية و الفروع الإقليمية للمعهد الفرنسي في لبنان، و قد أنجز بالشراكة مع مؤسسة أمم للتوثيق و الأبحاث و المديرية العامة للآثار .

تتعدد فضاءات هذا التجهيز و ما يطرحه من أسئلة حول الذاكرة و الهوية و بخاصة مآل الفنون الحرفية التي لا تجد لها مكانا سواء في المتاحف أو المعارض .و فيما أن المتاحف المختصَة بالفنون الحرفية هي نادرة عامَة نسبة إلى غيرها من المتاحف التي تهتم بالموروث الفني أو أيضا بالفن الحديث أو المعاصر إلا أن الفن الحرفي لا يجد له في لبنان مطلق فضاء و ذلك موضوع أساسي يشغل طرزي في هذا العمل . التجهيز في الهنغار يضم متعلقات نادرة تختلف في موادها ما بين الخشب و النحاس و الزجاج و تتدرج في تواريخها لتعود إلى القرن الثامن العشر و هو إرث عائلي انتقل للفنان من مشغل طرزي الشهير للحرف الشرقية الذي كان أحد رواد هذه الصنعة في لبنان و سوريا .و قد تبلور مفهوم هذا التجهيز من علاقة الفنان الشخصية مع هذا الإرث العائلي الذي كان مهددا بالزوال ، فوقع على عاتقه تقرير مصيره وهي علاقة كما يصفها الفنان بالإشكالية.

و هي في إشكالياتها المختلفة تمخض عنها هذا التجهيز ، فكما يوحي عنوانه هو نشيد حب للعمل اليدوي و الحرفي يأخذنا صوب منحى مختلف في علاقتنا مع المادة و الزمن و نحو حوار حي مع المادة نفسها . و قد اختار طرزي كمكان لتصميم تجهيزه الهنغار المهجور المهدد أيضا بالزوال ، الذي يتلاقى مع طبيعة ما هو معروض فيه في كونهما الإثنين تقريبا معلقين في فضاء بات خارج الزمن .

في التجهيز نفسه إعادة هندسة لفضاء ضمن فضاء و تلاحم ما بين ذاكرتين مختلفتين ، ذاكرة المكان نفسه و تاريخ المتعلقات المعروضة فيه . و إن كان موضوع الذاكرة و الهوية إحدى الثيمات الرئيسية في أعمال طرزي فلعل أبرز ما يميز مقاربته هو قدرته على إخراج الذاكرة من حالتها الأرشيفية الثابتة ، لتتحول لمادة خام للعمل الفني ، قابلة لأن يعاد تركيبها و اختراعها ضمن تصور الفنان ، و هي بذلك تكتسب وظيفة آنيَة تخرجها من الجماد صوب الحياة مجددا . بخلاف ما يطرحه العمل من أسئلة حول الذاكرة فهو أيضا يطرح مسألة الهوية المشرقية و سبل تعريفها سواء فنيا أو جغرافيا من خلال تتبع سيرة العائلة التي تمرست في هذه الصنعة عبر أربعة اجيال مختلفة و كان لها تجارب رائدة في الفن الحرفي و اليدوي تمركزت بشكل أساسي في لبنان و سوريا لكن أيضا في القدس، و امتدت حتى مصر و المغرب العربي .

وفيما يتلاقى الإرث الشخصي مع الإرث العام فهو أيضا لا ينفصل عن ذاكرة لبنان منذ عهد المتصرفية مرورا بقيام دولة لبنان الكبير و ما تبعه . فبعض من هذه المتعلقات شاهد على هذه التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة كما على سبيل المثال الباب الخشبي المنقوش الذي اختاره طرزي ليكون مدخلا للتجهيز و هو من صنع الجد الأكبر للفنان و قد جرى تصميمه لقصر الصنوبر في حقبة افتتاحه الاولى ككازينو فكان له أن يشهد إعلان الجنرال غورو لدولة لبنان الكبير من القصر.

السابق
بعد تفشّيه في لبنان.. إليكم تدابير الصحة لاحتواء الكوليرا
التالي
اسرائيل تكشف موعد توقيع اتفاق الترسيم مع لبنان