جولات مكوكية لابراهيم: شرطان لباسيل والحكومة عالقة عند عقدة الوزير الدرزي

عباس ابراهيم

لأنّ أركان السلطة يعدّون العدّة لإدخال البلد في مرحلة طويلة من الفراغ الرئاسي، بدأوا خلال الساعات الأخيرة تكثيف الجهود لتشكيل حكومة جديدة قادرة على تسلّم صلاحيات رئاسة الجمهورية خلال فترة الشغور، ولفتت الجولات المكوكية التي قام بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بين المقرّات حاملاً “الباسبور الحكومي لتسريع التأشيرات الرئاسية والسياسية اللازمة لإصدار مراسيم التأليف قبل نهاية العهد”، على حد تعبير مصادر مواكبة للاتصالات الحكومية، مؤكدةً لـ”نداء الوطن” أن ابراهيم “نجح في تذليل بعض العقبات التي كانت تعترض ولادة الحكومة العتيدة، والعمل جارٍ على تجاوز ما تبقى من معوقات على طريق التأليف خصوصاً وأنّ الرغبة جدية والحظوظ مرتفعة هذه المرة”.

وعقب جولة المدير العام للأمن العام التي شملت أمس رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” النائب السابق طلال أرسلان، كشفت المصادر عن احتمال حلّ عقدة المقعد الدرزي عبر “استبدال وزير المهجرين عصام شرف الدين بالوزيرة السابقة منال عبد الصمد”، مشيرةً في هذا السياق إلى أنّ الصيغة التي يتم العمل عليها راهناً تقضي بإدخال تعديلات على تشكيلة حكومة تصريف الأعمال “تشمل تبديل 6 وزراء، 3 مسيحيين (من بينهم وزير الخارجية عبد الله بو حبيب ووزيرة التنمية الادارية نجلاء الرياشي) بالإضافة إلى الوزير الدرزي ووزيرين شيعي (يوسف خليل) وسني (أمين سلام)”

أما عن العقبات التي لا تزال تعترض التوافق الرئاسي على التشكيلة الحكومية الجديدة، فأوضحت المصادر أنها تتصل في جوهرها بـ”الحصة المسيحية التي يريد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الاستئثار بتسمية كل وزرائها من دون أن يكون للرئيس المكلف حق إبداء الرأي أو الاعتراض”، لافتةً في المقابل إلى أنّ “حزب الله” دخل بقوة على خط “تدوير الزوايا في مطالب باسيل عبر إقناعه بعدم الإصرار على توزير حزبيين لعدم إحراج ميقاتي واستفزاز الطائفة السنية من ورائه، على اعتبار أنّ الأهم اليوم هو تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات لإدارة مرحلة الشغور وأن يكون “التيار الوطني” مشاركاً في القرارات التي تتخذها بالنيابة عن رئيس الجمهورية بدل إخلاء الساحة لملء الفراغ الرئاسي بحكومة تصريف أعمال”.

من جهة أخرى، تحدثت معلومات “اللواء” عن لقاء بين الرئيس ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط، في اطار المساعي لحل ما يمكن تسميته «العقدة الدرزية» سواء في ما خص البديل لوزير المهجرين عصام شرف الدين، الذي يصر الوزير السابق ارسلان على تسميته، ويعارض جنبلاط ذلك، من زاوية ان لا حيثية تمثيلية لارسلان، فضلاً عن الرغبة الجنبلاطية بتسمية وزير بديل للوزير عباس الحلبي في وزارة التربية والتعليم العالي.

شرطا بالسيل:  بعد استقبال الرئيس نبيه برّي أمس وفد التيار الوطني الحر برئاسة رئيسه النائب جبران باسيل، ظهرت إشارات أولى إيجابية. للتو سرت معلومات عن جهد يُنتظر أن يبذله في الساعات القليلة المقبلة حزب الله لدى الطرفين المباشرين المعنيين بالمأزق الحكومي وهما الرئيس نجيب ميقاتي وباسيل. قيل أيضاً إن باسيل تخلى عن شرط استبدال أربعة وزراء بثلاثة، وبات أكثر استعداداً للدخول في جولة جديدة من التفاوض. في المقابل انتهت شروط ميقاتي إلى القبول بتغيير وزير واحد في كل طائفة، دونما مسّ بتوزيع الحقائب وأحجام القوى وتوازناتها، لئلا يُفسَّر تغيير أوسع على أنه إعادة تأليف الحكومة برمتها. عُزي موقفه إلى سعيه إلى تغيير وزير الاقتصاد السنّي كي يسميه هو، وإبدال برّي وزير المال الشيعي بآخر.

تحوّل رئيس التيار الوطني الحر في الأسابيع الأخيرة إلى المحاور الفعلي والجدي لميقاتي – دونما أن يلتقيا – في أزمة أخذا يتبادلان حيالها الشروط المستعصية والسقوف العالية إلى حد الاعتقاد أن كليهما لا يريد حكومة جديدة لأسباب مختلفة. عند الأول الأكثر اطمئناناً إلى أن لا بديل من حكومته أياً تكون عليها صيغتها، وهو من خلالها سيفرض على الأفرقاء جميعاً أمراً واقعاً لا مناص من التسليم به. وعند الثاني أن خياراً كهذا سيصطدم بتحرّك في الشارع، ورفض الاعتراف بتعويم حكومة مستقيلة كي تصبح عاملة دستورية بوظائفها كلها

وفق متتبعي اتصالات دارت في الأسابيع الثلاثة المنصرمة، وصولاً إلى الأيام الأخيرة، أن عقبتين رئيسيتين أوقفتا المساعي، هما شرطان تمسّك بهما باسيل ورفضهما ميقاتي بحزم: أولهما إصراره على إبدال أربعة وزراء مسيحيين في الحكومة الحالية إلا أنه يسلّم ميقاتي أسماءهم في قصر بعبدا في أوان إصدار مرسوم تأليف الحكومة الجديدة، على غرار ما اعتاد برّي أن يفعله لأكثر من عقدين من الزمن. أما ثانيهما الذي لا يزال نفسه منذ الدقيقة الأولى، فهو رفضه منح حكومة ميقاتي ثقة كتلته النيابية في البرلمان. كلا الشرطين أغضبا رئيس الحكومة المستقيلة الرئيس المكلف فأوصد أبواب الحديث في تأليف الحكومة نهائياً.

منذ غداة تكليف ميقاتي وتسليمه رئيس الجمهورية في 29 حزيران مسودة حكومة، تدرّج تفكيك الحكومة المستقيلة على أن يصير إلى إعادة تعويمها بمراسيم جديدة. طرح ميقاتي أولاً إخراج وزراء الاقتصاد والمهجرين والطاقة وإبدالهم بآخرين على أن لا يستفز الوزير الدرزي الجديد وليد جنبلاط من أجل كسب أصوات كتلته للثقة بالحكومة. اقترح كذلك التخلي عن وزيرة التنمية الإدارية كي يتسنى له تسمية وزير الاقتصاد في الحصة السنّية. طرح رئيس الجمهورية ستة وزراء دولة يمثلون الطوائف الست الرئيسية على أنهم سياسيون، فرفض برّي وميقاتي معاً الاقتراح.

تدخّل حزب الله لدى الرئيس المكلف وباسيل، فطرح ثانيهما للمرة الأولى شرطه: تغيير خمسة وزراء مسيحيين هم وزراء العدل والشؤون الاجتماعية والسياحة والخارجية والتنمية الإدارية. قال عن أولهم إنه أخفق في ملف انفجار مرفأ بيروت، وعن رابعهم إنه لا يستمزجه رأيه في مواقفه وأخصها من حرب أوكرانيا إلى تعديل مهمات قوة اليونفيل في الجنوب. على أن يحل النائب السابق إدي معلوف وزيراً للتنمية الإدارية. ما قاله إن ثلاثة من الخمسة هم وليد نصار وهيكتور حجار ونجلاء رياشي صاروا أقرب إلى ميقاتي منهم إليه. اجتمع باسيل بالوزراء الخمسة في مركز ميرنا شالوحي، ثم التقى بكل منهم على حدة في اللقلوق. بالتزامن حمل الوزير السابق صالح الغريب إليه لائحة من ثلاثة أسماء من النائب السابق طلال إرسلان تتضمن مَن يقترح إحلاله محل الوزير الدرزي المستغنى عنه في حصة إرسلان عصام شرف الدين. ببرودة تعامل باسيل مع العرض، فنقل إرسلان الشكوى إلى حزب الله. حمل وفيق صفا إلى باسيل لائحة بأسماء ثلاثة أخرى إلى باسيل مجدداً، ناصحاً الأخذ في الاعتبار تحالف إرسلان مع الحزب. في وقت لاحق تراجع رئيس التيار عن تغيير وزير العدل، فأبقى مع مفاوضيه على الأربعة الآخرين. إلا أنه اشترط الكشف عن الوزراء البدلاء وتسليم أسمائهم إلى ميقاتي في قصر بعبدا قبيل صدور المراسيم.

السابق
إستدعاء ناشط إلى التحقيق.. ماذا في التفاصيل؟
التالي
استراليا تلغي اعترافها بغربي القدس عاصمة لإسرائيل.. وتحرك اسرائيلي