بالفيديو.. مارديني لـ«جنوبية»: لبنان ليس دولة نفطية ورائحة الفساد «تفوح»!

باتريك مارديني
لا يخلو أي حدث في لبنان من تقاسم حصص و"حسابات" من قبل مسؤولين يتقاسمون "ما تبقى" من "الأخضر واليابس" على حساب البلاد والعباد، ويبدو هذا واقع الحال في اتفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل، مع عودة الحديث عن صندوق الثروة السيادية، الذي كان قد تم طرحه في المجلس النيابي ووصل إلى اللجان المشتركة وتم تشكيل لجنة فرعية للعمل عليه، إلا أن وهجه قد خفت في ظل التطورات منذ 2019، ليعاود الظهور اليوم في ظل الحديث عن فائدته بالحفاظ على عائدات "ثروة نفطية" لا تزال في طور التكهنات.

هل يستعمل الصندوق السيادي للسطو على ثروة الغاز؟، سؤال شكّل محور تقرير لـ”المعهد اللبناني لدراسات السوق” (المرفق في السياق)، وبحسب ما أكده رئيس المعهد الخبير الإقتصادي الدكتور باتريك مارديني لـ«جنوبية» أنه “في التقرير نحاول التمييز بين ترسيم الحدود من جهة، وبين وجود نفط وغاز من جهة أخرى”، مشيراً الى ” أن لبنان رسّم حدوده البحرية وهذا حصل، ولكن هذا لا يعني أن لبنان لديه نفط وغاز في البحر يسمح باستخراجه بكميات تجارية ونوعية كافية، وهذا ليس موجوداً بعد، وبالتالي لبنان ليس دولة نفطية وما قام به هو ترسيم حدوده”.

“هل يمكن أن يصبح لبنان في المستقبل دولة نفطية؟” أشار مارديني الى “أنه سيتم استقدام شركات للبحث في البحر عن النفط، ولكن حتى الآن لبنان ليس دولة نفطية، واذا سلمنا جدلاً أن هذه الشركات عثرت على كميات ونوعيات من الغاز تسمح بالاستثمار التجاري، وقبل الحديث عن كيفية صرف الأموال، يجب التمييز بين طريقة قبض هذه الأموال اي دخولها الى لبنان وطريقة صرفها”.

ولفت الى “أنه بدأ الحديث عن صفقات تفوح منها رائحة الفساد مع شركات على شكل واجهة، ودخول شركاء لبنانيين مع تلك الشركات العالمية التي ستقوم بالتنقيب من أجل أن يكون جزءاً من تلك المداخيل في جيوب أشخاص معنيين بدلاً من أن تصل الى الخزينة، وهذا الخطر الأساسي”.

لبنان رسّم حدوده البحرية وهذا حصل ولكن هذا لا يعني أن لبنان لديه نفط وغاز في البحر يسمح باستخراجه بكميات تجارية ونوعية كافية


وحول الحديث عن بديل وانشاء شركة وطنية لاستخراج النفط، أوضح “أن هذا الطرح تم اختباره في لبنان ونتائجه واضحة في نماذج عدة كمؤسسة كهرباء لبنان والريجي وأوجيرو، وبالتالي انشاء هكذا شركة له مساؤى كبيرة أيضاً”.

وقال مارديني:”اذا سلمنا جدلاً بأنه يوجد نفط وغاز تم استخراجه بالشكل المناسب وبأن المداخيل وصلت الى الصندوق السيادي، هل ادارة هذه الأموال من قبل الصندوق السيادي هي الحل الأمثل للبنان؟”، لافتاً الى “أن الجواب يأتي من خلال التجربة مع احتياطي مصرف لبنان مع العملات الأجنبية، إذ كان هناك دولارت في المركزي وكان يُفترض أن يديرها بشكل مستقل عن السلطات السياسية ويستثمرها بأوراق مالية خارج لبنان تكون آمنة في حال اراد المودعون استرجاعها وتكون موجودة في الصندوق، ولكن ذلك لم يحصل لأن الأموال تم صرفها من قبل الحكومات المتعاقبة على مشاريع انمائية تتأخر أو لا تبصر النور”.

وشدد على أن” الخوف من الصندوق السيادي يكمن بأن تهدر الحكومة الأموال التي ستوضع فيه بحجة استثمارها بمشاريع، تماماً كما حصل بأموال مصرف لبنان”.

إقرأ ايضاً: «الانتظام العربي العام».. المسار التاريخي في كتاب لوجيه قانصو

وعن البدائل المتاحة، اعتبر مارديني أن “الحل ليس بأن تذهب الأموال الى خزينة الدولة بدلاً من الصندوق السيادي، لأن ذلك سيكون أسوأ وسيتم صرف تلك الأموال من دون حسيب أو رقيب، وبالتراضي والتقاسم على الصفقات والمحسوبيات وعلى أساس طائفي”.

وقال”: الحل الذي ندرسه هو المثال الخاص بتكساس الذي يقول الى أنه في حال اكتشاف نفط تحت أرض، فصاحب النفط هو صاحب الأرض، وبالتالي هناك فصل بين صاحب ملكية سطح الأرض وملكية باطن الأرض، بمعنى أن صاحب باطن الأرض يمكنه تلزيمها الى شركة معينة، وهذه الشركة ان استخرجت نفط وغاز من أرضه مجبورة أن تدفع مباشرة للمواطن، من دون المرور بحكومة تكاساس أو الحكومة الأميركية، حصته من هذا النفط والغاز”، لافتاً الى أن” هذا النظام يُتّبع عندما يكون هناك نفط وغاز مكتشف على أرض تعود ملكيتها لأشخاص معينين، ولا فكرة لدينا اذا كان ينطبق على ذلك البحر، لأنه في العادة حقوق البحر تعود للدول، لذلك نحاول الاستفادة من مثال تكساس بما يتناسب مع تجربة لبنان ويتيح للشركات أن تدفع الأموال مباشرة للمواطن اللبناني بدلاً من المرور بالحكومة اللبنانية، وتكون له الحرية في استثمارها أو صرفها”.

وشدّد مارديني على “ان النفط والغاز يجب أن تكون ملكيته للشعب اللبناني، وكل مواطن يتصرف بحصته بالطريقة التي تناسبه، ولا يجب أن تكون للحكومة اللبنانية ، وهذا ما يعمل عليه المعهد مع خبراء”.

النص الكامل لتقرير لـ”المعهد اللبناني لدراسات السوق”:

لحظ تقرير المعهد الذي حمل عنوان “هل يستعمل الصندوق السيادي للسطو على ثروة الغاز؟”، أنه بعد إعلان لبنان الموافقة على ترسيم الحدود البحرية، انتشرت شعارات تدعي أنّ لبنان أصبح بلداً نفطياً، وكثر الحديث عن أهمية إنشاء صندوق سيادي لإدارة عائدات النفط والغاز. أمّا الحقيقة، فهي أن لبنان ليس بلداً نفطيا لأنه لم يكتشف الغاز المزعوم بعد بكميات تسمح بالاستخراج وتغطي التكلفة. وحتى لو بدأ لبنان بالتنقيب فورا وتأكد وجود كمية ونوعية تجارية مناسبة، فهو لن يستطيع تصدير الغاز قبل 8 سنوات، ولكننا حينها يمكننا على الأقل البحث في جدوى إنشاء صندوق سيادي.

الخوف من الصندوق السيادي يكمن بأن تهدر الحكومة الأموال التي ستوضع فيه بحجة استثمارها بمشاريع تماماً كما حصل بأموال مصرف لبنان

وبحسب التقرير، تمتلك بعض الدول صناديق سيادية وتستعملها لإنفاق عائداتها النفطية لاحقا أو لاستثمارها. وتفضل بعض الدول المصدرة للنفط والغاز حماية نفسها من تقلبات الأسعار العالمية، فتبقي المال في الصندوق السيادي عندما تكون أسعار النفط والغاز مرتفعة وتنفق منه حينما تنخفض الأسعار العالمية، وهو ما يؤمن عنصر الاستمرارية للنفقات العامة. بينما تفضل دول أخرى استثمار أموال الصندوق خارج حدودها ما يسمح بتنويع المخاطر وتلافي تضارب المصالح وإغراءات الفساد. وتشتري هذه الصناديق وسندات آمنة وأسهم شركات عالمية، كما يفعل صندوق النرويج السيادي الذي يمتلك حصة 1.4% من جميع الشركات المدرجة في العالم.

واعتبر التقرير أن ” أقرب مثال على الصندوق السيادي في حال لبنان هو احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، والذي ظن الشعب اللبناني أن إدارته رشيدة وأن حاكمه مستقل عن السلطات السياسية وأن أمواله يتم توظيفها على شكل أوراق مالية آمنة خارج لبنان، فإذا به يكتشف خلال الأزمة أن المصرف المركزي أعطى دولارات الاحتياطي للحكومة بطريقة ملتوية. فهو أقرض الحكومة بالليرة عندما رفع توظيفاته بسندات الخزينة من 29% في العام 2012 إلى 58% قبيل أزمة العام 2019 كما يظهر في الرسم البياني، ثم عاد وحول لصالح الحكومة ما أقرضها إياه بالليرة الى دولار، على سعر صرف ثابت بلغ حوالي 1500 ليرة لكل دولار”، لافتاً الى أنه “بهذه الطريقة الملتوية استحوذت الحكومة على 62.7 مليار دولار فريش من المركزي، منها 25.4 مليار دولار صرفتها على الكهرباء و7.6 مليار دولار صرفتها على الدعم، وغير ذلك من المصاريف. ورغم الفجوة في صندوق المركزي، تستمر الحكومة اليوم، في صرف دولارات مصرف لبنان على الدعم مثلا رغم تسبب ذلك في انقطاع الخبز والدواء المدعوم”.

وأوضح التقرير أنه” في ظل الصندوق السيادي، فيمكن للحكومة الاستحواذ على الدولارات “الفريش” بشكل مباشر دون اللجوء إلى الطرق الملتوية. فإدارة الصندوق ستعينها الحكومة وعائداته ستمول النفقات الحكومية بحجة تقليص مستوى الدين العام، أو تضييق الفجوة أو تأمين حماية اجتماعية أو تحقيق تنمية اقتصادية عبر مشاريع الكهرباء والمياه وغير ذلك من الحجج لإنفاق هذه الأموال”، مشيراً الى أنه “قد جرت العادة أن تشوب جميع هذه النفقات شبهات فساد وصفقات بالتراضي، وهو ما يكرر احتمال حصول فجوة مالية في الصندوق السيادي تكون مشابهة لتلك التي حصلت في احتياطي مصرف لبنان. عندها ستتبخر أموال النفط والغاز (إن وُجِدت) كما تبخرت أموال المودعين، وسيحمل السياسيون، الذين أنفقوا هذه الأموال على مشاريع مكلفة وغير مجدية، المسؤولية لإدارة الصندوق (كما فعلوا مع مصرف لبنان) التي ستتنصل بدورها من المسؤولية متهمة الحكومة، فيضيع “الشنكاش” ومعه مقدرات البلاد”.

الحل ليس بأن تذهب الأموال الى خزينة الدولة لأن ذلك سيكون أسوأ وسيتم صرف تلك الأموال من دون حسيب أو رقيب وبالتراضي والتقاسم على الصفقات

ووفق التقرير، فإن” البديل المقترح عن الصندوق السيادي، أي إدارة الحكومة مباشرة للأموال عبر وزارة الطاقة أو المالية أو مجلس الوزراء، فيفتح الباب على مصراعيه للتجاذبات السياسية ويزيد من شبهات الفساد وهدر الأموال”، معتبراً “أنه في حال كان الهدر في الصندوق السيادي يتعلق بكيفية إدارة الأموال التي قد يحصلها لبنان مستقبلا، فالهدر الداهم اليوم يتعلق بكيفية تلزيم عمليات التنقيب والحفر واحتمال الاستخراج. فقد تفرض الحكومة اللبنانية شريكاً لبنانيّاً على الشركات الأجنبية يتم اختياره على أساس الفساد والمحسوبيات، فيقتطع جزءاً يسيراً من مداخيل النفط والغاز قبل وصولها إلى الصندوق السيادي. من هنا ينبغي العمل على حلول من “خارج الصندوق” تسمح بإعطاء ملكية المقدرات الطبيعية للشعب اللبناني مباشرة، لا للحكومة اللبنانية أو صناديق تنتدبها الحكومة”.

السابق
بعد سيطرة «تحرير الشام» على عفرين..مخاوف من «سيناريو إدلب» في ريف حلب!
التالي
رسالة مفتوحة من أسامة العلي الى الرؤساء الثلاثة ونصرالله..كاريش فلسطيني-لبناني وليس إسرائيلاً!