الإنتخابات الرئاسية خارج الأطر الدستورية.. إبحث عن «حزب الله»!

توفيق الهندي

ناقل الكفر ليس بكافر. بداية، أرجو ألّا يسألني أحد، عن حسن نية أو عن سوء نية، ماذا أقترح بديلاً عن الإنتخابات الرئاسية. وقد أوضحت مراراً وتكراراً وعلناً، على العديد من وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية وبما فيه الكفاية، خريطة الطريق التي أقترحها لخلاص لبنان. ومن لم يطّلع عليها، يمكنه الذهاب إلى حسابي وصفحتي فيسبوك للإطلاع عليها.

والمعلوم، أني أعارض فكرة أن من خلال الإنتخابات النيابية والرئاسية وتشكيل الحكومات، أي من خلال سلوك طريق المسارات الدستورية، يمكن أن نحقق خطوة أولى لخلاص لبنان. فلبنان يعيش حالة اللادولة ويتحكم به إحتلال إيراني من خلال حزب الله من جهة، من هيمنة طبقة سياسية مارقة، قاتلة، فاسدة، خاضعة لسطوته بمكوناتها كافة، التابعة له، كما تلك التي تعلن معارضتها له، من جهة أخرى.  

أما بالنسبة للجلسة الأولى لإنتخاب الرئيس، كيف يمكن قراءتها موضوعياً؟

1- ليس بإمكان من إنتخب ميشال معوض وحدهم تعطيل نصاب الجلسة التالية لإنتخاب رئيس. فقد حصلوا على 40 صوتاً، بما فيهم أصوات وليد جنبلاط الثمانية الذي، أقله لن يقاطع أي جلسة لإنتخاب رئيس. فيتدنى العدد إلى 32 نائباً، في حين أن المطلوب 44 نائباً لفقدان نصاب ثلثي المجلس، للحيلولة دون تمكين حزب الله من إنتخاب مرشحه. بالإضافة إلى أن تعطيل النصاب في آخر جلسة في 31 تشرين الأول، يجعلهم يتحملون مسؤولية الفراغ الرئاسي، في مقابل إصرار دولي وسعودي لإجراء الإنتخابات بمواعيدها الدستورية.

النصاب لجلسة إنتخاب الرئيس  المقبلة، بات مّؤمناً بما لا يقل عن 92 نائباً

2- النصاب لجلسة إنتخاب الرئيس  المقبلة، بات مّؤمناً بما لا يقل عن 92 نائباً:63 نائباً لأصحاب “الورقة البيضاء” + 8 لجنبلاط + 11 (على الأقل) لكتلة “التغييريين” + 10 لأصحاب ورقة “لبنان”. وإذا تخلّف 6 نواب من “التغييريين” و/أو من أصحاب “الورقة البيضاء” عن تأمين النصاب (وهذا الأمر مستبعد)، يظل النصاب مؤمّناً ب 86 نائباً. 

حزب الله يمكنه بكل سهولة تأمين إنتخاب من يرغب، دون إعتراض أي من فريقه على خياره

3- هذا يعني، دون أي شك، أن حزب الله يمكنه بكل سهولة تأمين إنتخاب من يرغب، دون إعتراض أي من فريقه على خياره، بما فيهم برّي، إذ أن لا إمكانية لأحد من فريقه تجاوز قراره. ومن يعتبر أن ثمة هامش لكل منهم في معاكسة إرادته وقراره، مخطئ مئة بالمئة. فهو يسمح باللعب لأتباعه و”حلفائه” حين يكون هذا العزف الفردي لهم، يراد منه إخفاء قراره و/أو اللعب على تناقضات داخل فريقه، لجعلهم يحتكمون له و/أو لتشويش الصورة لدى خصومه وأعدائه.

لماذا لا يستعجل حزب الله إنتخاب مرشحه ولماذا يصر على تشكيل حكومة؟

ولكن، إذا كانت المعطيات هي كما قرأتها، لماذا لا يستعجل حزب الله إنتخاب مرشحه ولماذا يصر على تشكيل حكومة (وبرأيي، الحكومة سوف تتشكل دون أي شك، طالما تقرّر تشكيلها)؟ وما إثارة شروط ميشال عون وجبران باسيل التعجيزية، إلا لتسهيل تخريجها وإظهار ميقاتي بصورة حامي موقع السنة الأول، رئاسة الحكومة، وبالتالي تعزيز موقعه في الطائفة السنية.

والجواب على هذا التساؤل هو التالي: لدى حزب الله، ثمة إرتباط وثيق بين تشكيل الحكومة وتوقيت الإنتخابات الرئاسية، مع تحقيق معادلة نصر الله تحت يافطة الترسيم البحري، القائمة على إستفادة إسرائيل من غازها مقابل إستفادة لبنان من غازه.

كيف؟

1- ينتظر حزب الله نجاحه بتحقيق معادلة الغاز الإسرائيلي، مقابل الغاز اللبناني ليحدّد موعد الإنتخابات الرئاسية.

عندما ينجح حزب الله بتحقيق معادلته سوف يدّعي إنجاز “الإنتصار الإلهي”، ويعزز إمساكه بالوضع اللبناني وتكون النتيجة الفورية تحسن ملحوظ بسعر صرف الليرة

2- عندما ينجح بتحقيق معادلته، سوف يدّعي إنجاز “الإنتصار الإلهي”، ويعزز إمساكه بالوضع اللبناني. وتكون النتيجة الفورية تحسن ملحوظ بسعر صرف الليرة مقابل الدولار، وإنفراج نسبي بالوضع الإقتصادي-الإجتماعي، مما يعزز موقعه في إنتخاب مرشحه الرئاسي، ويسمح له بالإتيان به بظرف إقتصادي مريح نسبياً.

3- ولكن إبرام الإتفاق نهائياً، قد يتأخر أسابيع معدودة نتيجة آليات بلوغه وضعه الرسمي، ولكن لن يتعدى هذا التأخير الشهرين. لذا، ولكي لا يفتح المجال أمام إسرائيل، للتحجج بعدم وجود طرف لبناني يتمتع بكامل الشرعية قادر على إتخاذ القرار، يدفع حزب الله بتشكيل الحكومة الميقاتية قبل 31 تشرين الأول، مما يسمح له بتحديد تاريخ جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية بالوقت الأنسب له، أي بعيد إتمام الترسيم البحري.

4- ولكن لماذا الإتفاق مع إسرائيل بات مؤكدا” بنسبة 99 % ؟ 

أ) لأن إسرائيل محشورة بخيارين أحلاهما مرّ : 

إن رفضت شروط حزب الله كما يطالب نتانياهو، سوف تمنى بخسارة إقتصادية وسياسية ضخمة تتجسد أقله، بعدم قدرتها على إستخراج غازها، وتلبية حاجاتها الداخلية وبيع قسم منه للخارج. هذا، إن لم تدمّر صواريخ حزب الله آبار الغاز الإسرائيلي. من ناحية أخرى، تخاطر بإمكانية تدحرج الوضع العسكري إلى حرب، بوقت أن أولويات الغرب عامة وأميركا خاصة، تذهب نحو محاربة روسيا وتحدّي الصين. كما أن القيادة الإسرائيلية تخشى على ما تسميه جبهتها الداخلية، التي قد تتضرر بشكل بالغ بالأرواح والبنى التحتية، جراء إنهمار صواريخ ومسيّرات حزب الله على الأراضي الإسرائيلية، إذ أن الدفاعات الإسرئيلية، ليس بمقدورها إسقاطها بشكل مرض يخفف من ضررها.

أما، إن قبلت بشروط حزب الله، تكون خسرت إستراتيجياً بإحكام قبضة إيران على لبنان.

من المرجح بنسبة عالية، أن تذهب إسرائيل إلى تبنّي الخيار الثاني، لأن الخيار الأول يجرها إلى خسارة مؤذية مباشرة

لذا، من المرجح بنسبة عالية، أن تذهب إسرائيل إلى تبنّي الخيار الثاني، لأن الخيار الأول يجرها إلى خسارة مؤذية مباشرة، في حين يكسبها الخيار الثاني الوقت، للتعامل مع الخطر الإستراتيجي المؤجل في مرحلة لاحقة.

ب) لأن الغرب بحاجة ماسة للغاز الإسرائيلي في حربه مع روسيا، وللتخفيف من وطأة تداعياتها على أوضاعه الإقتصادية والإجتماعية. وهو يضغط بكل قواه على القيادة الإسرائيلية، للتعجيل في إنهاء الترسيم البحري مع لبنان.

5- بنظر حزب الله، معادلته تشكل السبيل الوحيد لخلاص لبنان من أزمته الإقتصادية-الإجتماعية الكارثية، إذ أن مرحلة التنقيب عن الغاز قصيرة نسبياً، ويمكن بيع كميات الغاز المكتشفة قبل إستخراجها، وإن بأسعار أقل من أسعار السوق، ولكنها تدر على لبنان مليارات الدولارات.

حزب الله لن يفصح عن إسم مرشحه إلى حين إنتخابه

وبالإنتظار، حزب الله لن يفصح عن إسم مرشحه إلى حين إنتخابه. وهو يوحي لعدد من المرشحين بإمكانية دعمه لهم، وذلك لخلط الأوراق بزيادة المرشحين، وخلق البلبلة في “سوق” الإنتخابات الرئاسية.

وكما صرحت مراراً في السابق فإن مرشحه المستور هو جبران باسيل. وقد عددت أسباب حزب الله لهذا الخيار.

لذا، مسار الأوضاع في لبنان يبدد أوهام البعض، الذي سلك المسارات الدستورية (إنتخابات نيابية ورئاسية وتشكيل حكومات)، ظناً منه أن بسلوكها، يمكنه تحقيق خلاص لبنان الشعب والكيان والدولة.

لبنان على أبواب مرحلة جديدة، تبدو للوهلة الأولى أكثر صعوبة للتعاطي معها.

المطلوب، التوحّد ليس على شعارات، وليس على برامج تفصيلية لمعالجة الأوضاع المأزومة رغم أهميتها، إنما التوحّد على خريطة طريق إستراتيجية داخلية وخارجية، للتخلص من الإحتلال الإيراني والطبقة السياسية المارقة القاتلة الفاسدة التي تتحرك تحت سطوته.  

السابق
نائب سابق في ذمة الله.. «خصم الوصولية ونقيض الانتهازية»!
التالي
بعدسة «جنوبية»: وقفة احتجاجية في بيروت تنديداً بمقتل أميني.. «انا المقاومة وانتم الاحتلال»!