حارث سليمان يكتب لـ «جنوبية»: قلق يساور حزب الله (2)

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

اذا اقتضت تطوراتُ الاقليمِ بتقليص دورِ حزبِ الله، في دول المشرق العربي، ولم تَعُدْ ايران في اشتباك متوتر  على جبهات متعددة، واذا تقوننت علاقةُ ايرانَ بالغرب، وانسابت الى فوائد المصالح والتناغم، بدل المواجهة والتحديات، فعلام يقلق حزب الله في لبنان؟! سيعود حزبا لبنانيا، يمارس السياسة والأمن و مواجهة تحديات العدوان الإسرائيلي، تماما كما فعل في بداياته  منذ ١٩٨٣ وأثناء الوجود السوري، وحتى سنة ٢٠٠٦؟ كان هذا سؤالُ صديقي، بعد أن قرأ مقالتي الاسبوع الماضي بعنوان ” قلقٌ يساور حزب الله”.

 هل سينصاع حزب الله لقرارات ضبط الحدود والمطار الدولي والمرفأ ومنع التهريب الجمركي، ويتخلى عن العائدات المالية التي يستولي عليها، اقتطاعا من عائدات الدولة الشرعية اللبنانية؟

سؤال صديقي، يصبحُ أكثرَ اهميةً اذا أخذناه بمعناه الأوسع، أي هل بمقدور حزب الله ان يعودَ حزبا لبنانيا فقط؟! حزبٌ يحتفظُ بحصةٍ وازنة من التمثيل الشيعي، دون ان يمارس سطوة الإمساك بالقرار السياسي والأمني الاستراتيجي، ودون ان يكون في موقع قيادة المنظومة الحاكمة في لبنان، ولا شأن له في من يقررُ توازناتِها وحصصَها المشروعةَ وغير المشروعةِ من السلطةِ وعائداتِها؟! وهي اوراقٌ يُمسكُها كضمانات لممارسة دوره الاقليمي.
 هل سينصاع حزب الله لقرارات ضبط الحدود والمطار الدولي والمرفأ ومنع التهريب الجمركي، ويتخلى عن العائدات المالية التي يستولي عليها، اقتطاعا من عائدات الدولة الشرعية اللبنانية؟وكيف سينظمُ علاقاته بالجيش اللبناني واجهزة الامن اللبنانية؟ وما هو موقفه من جيش محترف وصلب، تراتبيته تخضع لقيادته، واجهزة مخابراته مهنية بحته، وفوق الانحيازات السياسية والطائفية؟! وترفيعات وتعيينات كل القيادات العسكرية لا تخضع لاية محاباة سياسية او محاصصة طائفية؟

هل سينحاز حزب الله لخيار بناء ادارة رشيقة وكفوءة وحديثة انتاجيتها عالية وكلفتها متواضعة، تقوم على مبدأ الكفاءة والخبرة، وتؤهلها امتحانات وآليات تعيين ومناقلات علمية وموضوعية، ويتم الترفيع فيها انطلاقا من تقييمات اداء مهنية ومستمرة؟!


ثم هل سينحاز حزب الله لخيار بناء ادارة رشيقة وكفوءة وحديثة انتاجيتها عالية وكلفتها متواضعة، تقوم على مبدأ الكفاءة والخبرة، وتؤهلها امتحانات وآليات تعيين ومناقلات علمية وموضوعية، ويتم الترفيع فيها انطلاقا من تقييمات اداء مهنية ومستمرة؟!ولو فرضنا ان حزب الله قد قبل باستراتيجية دفاعية، تضع سلاحه بإمرة المجلس الأعلى للدفاع اللبناني، وأن تُضمَ قطاعاتُه المقاتلةُ لألوية خاصة بالجيش اللبناني، تمارس حرب الانصار عند الضرورة، وتشكل قوات احتياط تستدعى للحرب عندما تقرر الدولة اللبنانية، دق نفير الحرب او الحشد للدفاع الوطني.لو فرضنا انه تمَّ ترسيمَ الحدود البحرية، بحيث استولت اسرائيل على كل الثروات جنوب الخط ٢٣ واحتفظ لبنان لنفسه، بحقل قانا الافتراضي، ثم بدأت شركتا شل وايني، بحفر آبار استكشافية في البلوك الجنوبي رقم ٩ !!!

غني عن القول ان هذه التحولات تعتبر معجزات حقيقية مستحيلة التحقيق، لكن حدوثها، سيلقى ارتياحا خارجيا شاملا من المستوى الدولي، الى الاطار العربي، الى نطاق الصراع مع اسرائيل، وسترخي هذه الانفراجات الواسعة بظلالها الهادئة، على صورة لبنان وعلى صورة حزب الله في مختلف المستويات والساحات.لو فرضنا ان حزب الله اراد الالتزام بكل ما تقدم ونجح بهذا الالتزام تماما، هل عليه بعد كل ذلك، ان يساوره قلق عميق وشامل؟! والجواب نعم، لماذا؟ لان المسائل المطروحة اعلاه هي اقل التحديات المطروحة امام الحزب وامام لبنان! 

أول التحديات المطروحة لدى حزب الله هو القانون العام والدستور بروحه ونصه، في مواجهة الاحكام المنبثقة عن الشرع الاسلامي


أول التحديات المطروحة لدى حزب الله هو القانون العام والدستور بروحه ونصه، في مواجهة الاحكام المنبثقة عن الشرع الاسلامي، فهل السياسة اي ادارة شؤون الناس مهمات بشرية تخضع للمساءلة والمحاسبة، أم تكليف الهي يصطفي به الله خاصة اوليائه وينزه خياراتهم ليجعلها بمرتبة القداسة؟ واذا ما كان القانون الوضعي العام سائدا كليا، مع ما يتضمن من احترام الملكيات والاموال العامة، وفي بقية الاحيان الملكيات الخاصة، فلمن اورث الله الارض؟ لاصحابها المسجلة اسماءهم على محاضر الملكية في الدوائر العقارية، أم ان هذه الملكية شأن عابر اوجدتها ظروف عابرة؟
ثاني هذه التحديات ان ما كان متاحا للحزب بين سنتي ١٩٩٨ و٢٠٠٧ لم يعد متاحا اليوم، وماكان متاحا للبنان ايضا في تلك الحقبة لم يعد متاحا اليوم!

نما حزب الله في تراب الحريرية السياسية، واقام متراسه الحربي على حائط مبناها، وهي حريرية كانت تتصف ببعد اقليمي، مثلته شراكة سورية سعودية استراتيجية، و ببعد دولي امنته حضانة فرنسية ورضا اميركي ايجابي


فقد نما حزب الله في تراب الحريرية السياسية، واقام متراسه الحربي على حائط مبناها، وهي حريرية كانت تتصف ببعد اقليمي، مثلته شراكة سورية سعودية استراتيجية، و ببعد دولي امنته حضانة فرنسية ورضا اميركي ايجابي، اما البعد الداخلي للحريرية السياسية فقد كان ورشة اعمار واستقرار داخلي، وتدفقات مالية خارجية، وقطاع سياحي مزدهر، اضافة الى توسع عقاري نشيط ورابح، كان حزب الله مشروعا عسكريا يقيم متراسا يتصل بكل هذا الدعم اللوجستي والمالي والمعيشي، كان الهاتفون لنصرالله يبعثون اولادهم ليتعلموا في اوروبا على حساب الحريري، وكوادر نصرالله التي تقوم بواجب الدفاع عن قرى الجنوب، يتعلمون في مجمع الحدث الجامعي الذي بناه الحريري، كما كان ناخبو نواب الوفاء للمقاومة ينتفعون من نظام صحي تموله الدولة وتصرف عليه الحكومة الرسمية، كان العالم مفتوحا اما لبنان وامام كل لبناني، وكانت الادارة السورية معنية بادارة الملفات وتوزينها وتفعيل المناسب منها، وخفض توتر الأزمات والمواجهات الداخلية، كان حزب الله يقوم بوظيفة محددة ضمن آلة كبيرة …

كان سلاح حزب الله يشكل مشكلة تحتاج سلة من الحلول، وكان  صدور القرار رقم ١٥٥٩، محاولة دولية لوضع الحلول المناسبة في يومها، لمعالجة سلبيات السلاح لبنانيا اقليميا ودوليا

كان ذراع قتال في جسم اكبر واكثر تعقيدا، ولم تكن من مهمات الذراع حل مشاكل الجسم بكامله، او القيام بصيانته، او مواءمة حركة الجسم مع محيطه.في ظروف الانسحاب السوري من لبنان وفي توقيت مضى عليه الزمن، كان سلاح حزب الله يشكل مشكلة تحتاج سلة من الحلول، وكان  صدور القرار رقم ١٥٥٩، محاولة دولية لوضع الحلول المناسبة في يومها، لمعالجة سلبيات السلاح لبنانيا اقليميا ودوليا. لكن اليوم لم تعد المسألة مسألة سلاح لحزب في لبنان، او حتى احتلال ايراني يتوجب رفعه او تسهيل ازالته.المعضلة اليوم هي اذا استوفت ايران مجمل المطالب الدولية لاعادة ادماجها بشكل ايجابي في سياسات المنطقة ومصالحها، واذا أعفت ايران من تكليفه بان يكون حزب الله راس حربة في مواجهات ايران الاقليمية، أي اذا عاد حزب الله لاعبا لبنانيا فقط، وحزبا عاديا من احزاب لبنان، المعضلة هي كيف يستطيع لبنان ان يستمر على قيد الحياة، وكيف يستطيع شعب لبنان ان يتابع حياته؟! 

اذا عاد حزب الله لاعبا لبنانيا فقط، وحزبا عاديا من احزاب لبنان، المعضلة هي كيف يستطيع لبنان ان يستمر على قيد الحياة، وكيف يستطيع شعب لبنان ان يتابع حياته؟! 


الاسئلة هذه، مطروحة على كل سياسي لبناني، وبشكل رئيسي على أكبر احزابها، كان الإجابات عنها يتركها حزب الله للدولة اللبنانية القائمة من دونه، والتي كانت سابقا تحاول تأمين مستلزماتها وآلياتها، وكان يعتبر انه معني فقط بادارة حياة اعضائه وانصاره..  مع انفجار الازمة الاقتصادية والكارثة المالية، زعم حزب الله انه قادر على جعل الازمة لا تتعدى حدود مناطق سيطرته، ووعد بان تبقى رواتبه بالعملة الخضراء، فيما رواتب الاخرين لا تدفع ولا قيمة لها ان دفعت؛  اقام شبكة من المساعدات والمخازن العينية والاستهلاكية، دعا للجهاد الزراعي، استورد نفط ايرانيا وادوية،  واطلق اعلامه يتباهى  “نحن لا ننهار”. استطاع حزب الله تامين احتياجات ٣٠ الف عائلة من عناصره أو اكثر قليلا، ولم يكن الامر كافيا او وافيا …

لن تنفع حالة الانكار الا في وضعه في غربة، عن وطن يحلم ابناؤه جميعا بالغربة

ماذا عن مئتي الف عائلة شيعية اخرى، وماذا عن بقية شعب لبنان وعائلاتهم ، التي تعاني من انهيار الاجور و فشل نظام الاستشفاء و تفكك نظام التعليم، وزعزعة الامن الاجتماعي، وانعدام وجود الدواء والرغيف والحليب، وتعطل الخدمات في الكهرباء والاتصالات والمواصلات، والادارة العامة، والمعاملات الرسمية والمالية الخ …. والحزب عليه أن يساوره القلق لحل كل هذه القضايا وقد فشل حتى الآن… ولن تنفع حالة الانكار الا في وضعه في غربة، عن وطن يحلم ابناؤه جميعا بالغربة.اذا كان القلق لا يساور حزب الله مع كل هذا الانهيار، فالأولى بكل لبناني أن يقلق..

إقرأ أيضاً : حارث سليمان يكتب لـ «جنوبية»: قلق يساور حزب الله

السابق
ختم التحقيق بوفاة جورج الراسي.. هذا ما كشفه التقرير الطبي
التالي
بعد ارتفاعه..على أي سعر أقفل الدولار؟