«التشاوري العربي».. غاب لبنان وحضر «جوع الصومال» و«عودة سوريا» والأمن الغذائي!

اللقاء التشاوري العربي

حَجَبَ اللقاءُ التَشاوُري لوزراء الخارجية العرب الذي انعقد في بيروت أمس العناوينَ السياسيةَ للأزمة اللبنانية بـ «وجْهها» المحلي، فيما خيّمت أبعادُها الخارجية على كواليس الاجتماع الذي حَصَدَتْ منه «بلاد الأرز» دعْماً «معنوياً» مَشوباً بـ «رسائل مشفّرة» إلى أن استعادة لبنان المظلّة العربية برافعتها الخليجية خصوصاً ما زالت في مرحلةٍ انتقاليةٍ قوامها «الإبقاء على فرصةٍ» لترجمة «إعلان النيات» اللبناني بمراعاة مصالح دول مجلس التعاون وأمنها واستقرارها.

وبمعزل عن مناقشات اللقاء الذي عُقد في فندق «الحبتور» لمناسبة ترؤس لبنان الدورة الحالية لمجلس وزراء الخارجية العرب وتحضيراً لقمة الجزائر في أكتوبر المقبل، والتي تناولتْ الوضعَ السوري وحضور دمشق اجتماعات الجامعة العربية، والحرب الأوكرانية وتأثيراتها على الغذاء والطاقة والموضوع الصومالي «الذي يحتمل أن يتعرض ملايين الصوماليين لخطر الجوع»، والقضية الفلسطينية والملف اللبناني، فإن الاجتماع الذي لم تصدر عنه بطبيعة الحال أي مقررات بدا محمَّلاً بإشاراتٍ جاءت «بلا قفازات» حيال «الفتور» العربي والخليجي خصوصاً في مقاربة الوضع اللبناني بتوازناته السياسية الحالية.

واعتبرت أوساطٌ سياسية أن اللقاءَ التشاوري بدا «بروتوكولياً» في الشكل، في ضوء مستوى المشاركة العربية والخليجية حيث تَمَثَّلَ أقل من نصف الدول الـ 21 بوزراء الخارجية، وغاب 4 من وزراء دول مجلس التعاون فيما جاء حضور وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الناصر، مدفوعاً باعتباراتٍ عدة بينها أن الكويت هي «عرّابة» المبادرة الخليجية – العربية – الدولية لمعاودةِ وصْل ما انقطع بين لبنان ودول مجلس التعاون عقب أزمة عاصفة استمرت لأشهر، وفق بنودٍ 12 ما زالت بيروت «قيد الاختبار» فيها. أما مشاركة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني فسبقها إعلان الدوحة دعم الجيش اللبناني بـ 60 مليون دولار.

لبنان أثار ملف النازحين السوريين ولوّح بأنه سيكون مضطراً للتصرف وفق ما تمليه المصلحة الوطنية العليا

ورغم الطابع الذي أعطاه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط للقاء «المهم والمفيد» لجهة «تَبادُل الأفكار» حيال ملفات وتحدياتٍ تطول الدول العربية وتأكيده أن تَمَثُّل كل دول الخليج بالاجتماع وبينها دولتان على مستوى وزراء الخارجية دليل على رغبة في رأب الصدع مع بيروت، فإن الأوساط اعتبرت أنه لا يمكن إغفال معاني غياب غالبية رؤساء الديبلوماسية عن الاجتماع الذي لم يتناول ملف «حزب الله» وسلاحه، وهو ما اعتُبر أيضاً مؤشراً إلى أن «المطلوب» من لبنان على هذا الصعيد بات معروفاً ويبقى المدخل لاستعادته الدعم الخليجي وتحديداً للدولة في ضوء ما تواجهه من تحدياتٍ بات للخروج منها ناظم مشترك عربي – دولي عبر منصة اتفاقٍ لم يكتمل بعد مع صندوق النقد الدولي وسيحتاج «تفعيله» لمساعدة «مضمونة» من الدول المانحة.

وكان بارزاً أن لبنان حرص سواء بلسان رئيس الجمهورية ميشال عون خلال استقباله وزير الخارجية الكويتي أو الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أثناء استضافته المُشاركين في اللقاء التشاوري على عشاء (مساء الجمعة) على مقاربة العلاقة مع دول الخليج بما يرفد المبادرة الكويتية بعناصر دعم، ولو شكلي، في حين حملت مداولاتُ الاجتماع كما مواقف عون ورئيس البرلمان نبيه بري أمام الضيوف العرب تركيزاً لبنانياً على ملف النزوح السوري وتطرُّقاً إلى الترسيم البحري مع اسرائيل وسط مناخاتٍ عن ايجابية ظهّرتْها مواقف أميركية وستكون محل «اختبار» لقطبها المخفية في الأيام المقبلة.

فميقاتي، الذي يحاول تأليف حكومة جديدة تُعاكسِها «رياح» انتخاباتٍ رئاسية هبّت «عاصفتها الهادئة» باكراً على المشهد اللبناني، جدد أمام الضيوف العرب تأكيد «التزام لبنان بتنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن الدولي وقرارات الجامعة العربية، بما يرسخ سياسة النأي بالنفس تجاه أي خلاف عربي وبسط سيادة الدولة على كامل أرضها، ومنع الاساءة الى الدول العربية او تهديد أمنها»، مناشداً «الأشقاء العرب وخصوصاً في دول مجلس التعاون احتضان لبنان وشعبه الشقيق ولا سيما في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه».

وإذ ركّز بري أمام الوفود المُشاركة على وجوب عودة سورية إلى جامعة الدول العربية مشدداً على مركزية القضية الفلسطينية، أكّد بوحبيب في المؤتمر الصحافي المشترك مع أبو الغيط أنّ «النقاشات خلال الاجتماع التشاوري كانت بنّاءة»، وأنّ المجتمعين تطرّقوا إلى موضوع دعم الدولة ومؤسّساتها، مشيراً إلى «إيجابية من الإخوة العرب لعودة لبنان إلى عافيته».

ميقاتي أكد«التزام تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجامعة العربية بما يرسخ بسط سيادة الدولة ومنع الإساءة إلى الدول العربية أو تهديد أمنها»

وذكر بوحبيب أنّ «الاجتماع حمل تأكيداً على تطبيق اتفاق الطائف مروراً باتفاق الدوحة، وصولاً إلى المبادرة الكويتية والاتّفاق العربي»، معتبراً أنّ «المبادرة الكويتية نجحت»، ومنوهاً بـ«جهود وزير الخارجية الكويتي في إصلاح علاقة لبنان مع الاخوة في الخليج». وأكّد أن لبنان سيبني على هذه المبادرة لتوثيق العلاقات مع كل الاخوة في الدول العربية.

إقرا ايضاً: عون «يُمرجِح» ميقاتي ويُعقّد التأليف..والحكومة تَسُد منافذ الحياة أمام اللبنانيين!

وكان بوحبيب توقف خلال اللقاء التشاوري عند «همّ النازحين السوريين»، مشيراً إلى أن «المجتمع الدولي ما زال من دون خريطة طريق لعودة هؤلاء». وشدد على أنه «في غياب خطة عمل، سيكون لبنان مضطراً للتصرف وفق ما تمليه المصلحة الوطنية العليا».

ولفت إلى أن «لبنان ينهار ماليا واقتصاديا، ونحن عاجزون عن تأمين الحاجات الأساسية للبنانيين، والحكومة ترى ضرورة عودة النازحين وتمويلها من المجتمع الدولي، بدل تمويل بقائهم في لبنان».

من جهته، أعلن الأمين العام للجامعة أنّ «الحضور إلى لبنان في هذا التوقيت يمثّل رسالة دعم من الدول العربية لاستقرار لبنان والتسويات فيه ومفاوضاته مع صندوق النقد»، مؤكداً أنّ «الجامعة العربيّة تدعمه معنوياً لأنّها لا تستطيع تقديم الغاز أو الكهرباء».

وفي ملفّ النزوح السوري، وبينما شدّد بوحبيب في المؤتمر الصحافي المشترك على أنّ «الحكومة لن تقبل بوضع مخيمات للنازحين على الحدود مع سورية»، أكّد أبو الغيط أنّ «الجميع يؤيّد لبنان في مسألة إنهاء ضغط اللاجئين على أرضه، والنيّة والقرار موجودان لكنّ إرادة المجتمع الدوليّ لإنهاء الحرب لا تزال ضاغطة على الوضع السوري واللبنانيّ»، معتبراً أن مقاربة هذه المسألة تكون ضمن «إطار شامل» للملف السوري.

وإذ لفت في ملف ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل إلى دعم الجامعة الكامل للدولة اللبنانيّة «قانونيّاً ومعنويّاً»، قال رداً على سؤال عمّا إذا حصل المجتمعون على تعهّدات من لبنان في شأن علاقاته مع الدول العربيّة إن «الجميع يقولون إنّ المصالحة في طريقها، وإنّ هناك رضا خليجياً على لبنان»، مشيراً إلى «وجود وزيرَين خليجيَّين في الاجتماع وأربعة مندوبين، ما يعكس رغبة لدى الدول التي كانت قد استُثيرت إلى رأب الصدع وإقامة علاقة طيّبة».

وأشار أبو الغيط إلى «اننا تداولنا بالقمة العربية المقبلة في الجزائر والتحضيرات لها وسياقها عموماً وموعدها ومَن يحضرها وناقشنا حضور سورية، ولم يُتخذ قرار بل نقاشات لتبادل الآراء لنقلها للمسرح الخاص بالقرارات».

وكان عون شدد خلال استقباله الوفود العربية على «ان لبنان الذي يعاني سلسلة أزمات متراكمة، يعاني أيضاً أعباء يتحملها من جراء الأعداد الكبرى للاجئين والنازحين على أرضه، وهو لم يعد قادراً على تحمل هذا الواقع، وموقف المجتمع الدولي لا يشجع على إيجاد حلول سريعة»، آملاً من وزراء الخارجية العرب «المساعدة لمواجهة هذه التحديات».

وتطرق إلى «الانتخابات النيابية التي أجريناها في مايو المنصرم وشاركت بعثة من الجامعة العربية بمراقبتها، ونحن بصدد تشكيل حكومة جديدة، ونسعى للوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان. وهناك وساطة أميركية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان. ولبنان يتمسك بثرواته المائية والنفطية والغازية».

وفي إشارة إلى نيته مغادرة قصر بعبدا فور انتهاء ولايته الرئاسية في 31 اكتوبر المقبل، تمنى «للجزائر التوفيق في تنظيم القمة العربية في الأول والثاني من نوفمبر. وسأتابعها كمواطن لبناني، لأن ولايتي تنتهي في 31 أكتوبر».

وبعد اللقاء، قال أبو الغيط «ان هذا الاجتماع التشاوري هو الثالث، ويُعقد بالتراضي والتوافق بين كل الدول العربية. والدور كان على لبنان في استضافته، والوزراء رحبوا بالحضور وبتأييدهم للشعب اللبناني والحكومة اللبنانية والرئاسة اللبنانية. وقد استمعنا الى كلمة رقيقة شرح فيها فخامة الرئيس عون موقفه، وعرض للوضع اللبناني كما للحاجة الى الدعم العربي للبنان. ومن جانبنا، كجامعة عربية، فإننا نقف خلف الدولة اللبنانية والحكومة والشعب اللبناني».

الدعم والتضامن مع لبنان

أكد الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي أن اجتماع وزراء الخارجية العرب «تناول الاعداد لقمة الجزائر العربية والوضع الكارثي للمجاعة في الصومال في ظل الأوضاع المناخية الصعبة والامن الغذائي العربي، وهناك خطة تعدها الامانة العامة وستقدّمها في سبتمبر المقبل، كما تم البحث في القضية الفلسطينية».

وشدد على «دعم وتضامن المجتمعين مع لبنان لكن لم تطرح قضايا فرعية أو جزئية».

وتحدث وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي لدى وصوله للمشاركة في الجلسة الى الصحافيين، قائلا: «وجودنا في بيروت في غاية الأهمية لأننا نؤكد على أهمية الدولة اللبنانية ضمن البيت العربي، وقدوم وزراء الخارجية الى بيروت أيضاً له مدلولات غاية في الاهمية».

عون: سأتابع قمة الجزائر كمواطن لبناني لأن ولايتي تنتهي في 31 أكتوبر

وأضاف «نحن نعتبر ان هذا الاجتماع رغم انه تشاوري وليس اجتماعاً رسمياً بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكنه لقاء يجمع وزراء الخارجية ويسمح لكل وزير ان يتحدث بحرية في أي موضوع يريده. وبالتأكيد انا بصفتي كوزير خارجية لدولة فلسطين أحضر الى بيروت للتأكيد على العلاقات المميزة التي تجمع لبنان بفلسطين وكي أنقل الهمّ الفلسطيني الى هذا المكان، كذلك لنتحدث بشكل حر حول الأوضاع والهموم الفلسطينية التي أصبحت مقلقة بشكل كبير، ويجب على الدول العربية ايضاً ان تهتم وتأخذ في الاعتبار ما يحدث في فلسطين من انتهاكات لحقوق الفلسطينيين وجرائم ترتقي إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».

وأكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين في الاردن أيمن الصفدي، أن «المملكة لا يمكن أن تسمح للبنان ان ينزلق باتجاه المزيد من الصعوبات».

وقال: «نأمل ان يستطيع لبنان تجاوز تحدياته السياسية خطوةً باتجاه البدء في تجاوز تحدياته الاقتصادية وبالتالي سنعمل ما في وسعنا لتقديم المساعدة للبنان كي يستطيع مواجهة التحديات وبالنسبة لنا ولجلالة ملك الاردن لبنان هو أولوية والشعب اللبناني هو شعب شقيق».

ووصف وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لمعامرة، الاجتماع بـ «المهم من أجل التحضير لقمة الجزائر»، مؤكداً «السعي الدائم للم الشمل العربي لتشكيل أوسع إطار عربي رسمي لمواجهة التحديات».

دول لم تتمثّل بوزراء الخارجية

تمثلت السعودية في اللقاء التشاوري بمندوبها الدائم لدى الجامعة العربية السفير عبدالرحمن الجمعة، وكذلك كل من الإمارات عبر السفيرة مريم خليفة الكعبي وعُمان من خلال السفير عبدالله بن ناصر الرحبي.

وحضر عن البحرين سفيرها في سوريا وحيد مبارك سيار، وعن مصر نائب وزير الخارجية للشؤون الجغرافية السفير حمدي سند لوزة.

وفيما تمثّل العراق بمندوبه الدائم لدى الجامعة السفير أحمد الدليمي وأيضاً ليبيا بمندوبها السفير عبدالمطلب إدريس ثابت، وكذلك المغرب بالسفير أحمد التازي وجيبوتي بمندوبها السفير أحمد علي بري، تمثلت موريتانيا بالمكلف بمهمة في ديوان وزير الخارجية والتعاون الموريتانيين في الخارج السفير حسني فقيه، وجزر القمر المتحدة بوزير الدولة المكلف التعاون مع العالم العربي قاسم لطفي.

السابق
ميقاتي يقفل الباب على المطالب السياسية بالحقائب الوزارية!
التالي
تَرَقُّبٌ في لبنان لمنحَى «التعديلات الخَطية» على اتفاقية صندوق النقد