يشوعي لـ«جنوبية»: تصحيح الأجور يزيد التضخم ويرفع الدولار.. وهذا هو الحل؟!

ايلي يشوعي خبير اقتصادي
لا حركة في الإدارة العامة ولا بركة لمصالح اللبنانيين المأزومة أصلا بفعل الانهيار. فهل سيزيد الاضراب الحاصل في هذه الادارات طين الانهيار بلة أم أن جثة الدولة اللبنانية تحللت إلى درجة لم تعد تعير اهتماما، لأي تشوه قد يصيب أي جزء من قطاعاتها؟

ليس من المبالغة القول أن كل شؤون المواطنين مشلولة بفعل الاضراب الحاصل في إدارات الدولة، بدءا من دوائر الاحوال الشخصية المقفلة أمام أي مواطن يريد الحصول على إخراج قيد، مرورا  بالامتحانات الرسمية حيث يهدد المعلمون بعدم المشاركة في مراقبة الامتحانات، وصولا إلى المزارعين الذين أعلنوا أنهم سيتحركون في الشارع إحتجاجا على إضراب الموظفين في مرفأ بيروت والمراكز الحدودية مما يمنعهم من تصدير منتجاتهم إلى الخارج، وغيرها الكثير من القطاعات التي تعاني الشلل بسبب الاضراب الحاصل.

لا شك أن انهيار الادارة هو تتمة للإنهيارات الحاصلة في القطاعات الخدماتية والغذائية(أزمة المحروقات والخبز والدواء)، وترجمة لسياسة الإنكار والتسويف التي تنتهجها السلطة السياسية منذ حصول الانهيار في العام 2019. والجميع يعلم أن مقاليد الادارة اللبنانية من تعيين أصغر حاجب، إلى أكبر مدير عام أو مسؤول هي بيد السلطة السياسية، التي دأبت على جعل هذه الادارة ملعبا لسياسة التحاصص وحشو الازلام والمحاسيب، على حساب مصلحة المواطن والخزينة العامة. 

واليوم في ظل الشلل الذي تعيشه البلاد والعباد بسبب إضراب هذه الادارة ، فهل هذا يعني أنه أمامنا مزيدا من أوجه الانهيار أم أن درجة الاهتراء الحاصل في هيكل الدولة، يطغى على أي ضرر آخر يمكن أن يسببه الاضراب الحاصل في الادارة العامة؟ 

يجيب الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي “جنوبية” على هذا السؤال بالقول: “ما يحصل اليوم في الادارة العامة في لبنان هو صورة طبق الاصل وإنعكاس للإنهيار السياسي والمالي والاقتصادي والقضائي الحاصل”، لافتا إلى أنه “لا بد من الأخذ بعين الإعتبار أن موظفي الدولة الاوادم خسروا أكثر من 90 بالمئة من قيمة رواتبهم، والمشكلة أننا علقنا بفخ تصحيح المداخيل والتقديمات الاجتماعية لموظفي الادارة العامة، لأنه كلما حصل التصحيح كلما إرتفع دولار السوق السوداء لأن الدولة اللبنانية لا تملك إحتياطات بالدولار لتستوعب الزيادات بالليرة اللبنانية من دون أن تشكل هذه الزيادات مزيدا من التضخم وتراجع سعر الصرف”.

الحل الوحيد هو إعادة هيكلة النظام اللبناني من جديد وليس الاستمرار في سياسة الترقيع

يضيف:”الحل الوحيد هو إعادة هيكلة النظام اللبناني من جديد وليس الاستمرار في سياسة الترقيع على غرار ما تتصرف السلطة الحالية، فتراكم الاخطاء والتجاوزات والخروج عن القوانين سواء في القطاعات الاقتصادية أو المالية أو الادارية تسبب بإنهيار وتفكك وشرذمة”، لافتا إلى أن “لدى لبنان وزارة إسمها وزارة الدولة للتنمية والإصلاح الاداري وللأسف فإن الوزراء الذين تولوا مهام هذه الوزارة لم يعطوا أهمية لجعلها أكثر فعالية وإنتاجية وعصرنة بهدف إعطاء إستقلالية للإدارة العامة، وهذه الوزارة لم يعد لها معنى طالما أنها تسمح بالتدخل السياسي في الادارة، إذ لم نسمع أي وزير يقول أنه يسعى لإعطاء إستقلالية للإدارة العامة على غرار ما يُقال بالنسبة لإستقلال  القضاء”.

والسؤال الذي يُطرح كيف يمكن إنتشال الادارة اللبنانية من براثن الزبائنية السياسية ؟ 

لا يعود من مبرر لوجود وزير الدولة لشؤون التنمية والإصلاح الاداري  كون هذه القيادات تتولى مهمة عصرنة هذه الادارة وإعادة هيكلتها

يجيب يشوعي:”الرئيس فؤاد شهاب أسس إدارة حديثة في لبنان، وأنشأ مؤسسات إدارية متمثلة بمجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي والمجلس التأديبي العام وديوان المحاسبة، وهذه الادارات من المفروض ان تكون مستقلة، لكن علينا قبلا أن نوجد لها قيادات تماما كما يجب أن نسعى لإيجاد قيادات تسمح بإستقلالية القضاء”، لافتا إلى أنه”يمكن الاحتذاء بالتجربة الكندية مثلا، فبدلا أن تعين القيادات السياسية القيادات الادارية والقضائية يتم تشكيل لجنة تضم متقاعدين في الادارة أو السلك القضائي لتعاون الحكومة في وضع معايير، لإنتقاء الاسماء وبعد موافقة هذه اللجنة على الاسماء المقترحة يُصار إلى تعيينهم”، ويشير إلى أنه “غداة ذلك تصبح هذه القيادات مستقلة تماما وتأخذ على عاتقها تنظيم هذه الادارة وموظفيها وترفيعهم ومكافآتهم وتحديث قوانين الوظيفة العامة والتعويضات والاجور”، ويوضح أنه “عندها لا يعود من مبرر لوجود وزير الدولة لشؤون التنمية والإصلاح الاداري  كون هذه القيادات تتولى مهمة عصرنة هذه الادارة وإعادة هيكلتها، لتكون أكثر إنتاجية وفعالية وتحضّر للوزراء فريق العمل المناسب وتعبئة الشواغر الادارية”.

طالما أننا لم نصل إلى تحقيق هذا الهدف عبثا نحاول بناء إدارة في لبنان أو قضاء

يلفت يشوعي إلى أنه “في لبنان يحصل العكس إذا يتم على مجلس الخدمة المدنية فرض التعيينات، وكل وزير يأتي بفريقه إلى الوزارة، وحين يكون هناك تباعد في المصالح بينه وبين الكادر الاداري الموجود والمسيس يحصل تضارب في الصلاحيات ويتم تعطيل العمل الاداري”.

ويختم: “طالما أننا لم نصل إلى تحقيق هذا الهدف عبثا نحاول بناء إدارة في لبنان أو قضاء”. 

 على ضفة المفاوضات الجارية لفك هذا الإضراب،  يكثّف رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر  جهوده لتقريب وجهات النظر بين الحكومة ورابطة موظفي الدولة، و يشرح ل”جنوبية” أنه “إلى جانب مطالب موظفي القطاع العام، كون 80 بالمئة من هذا القطاع يتبع الاتحاد العمالي العام مثل المؤسسات العامة والمصالح المستقلة والبلديات والمستشفيات الحكومية”، مشيرا إلى أن “المفاوضات الجارية بين الحكومة والرابطة وتم التوصل إلى بعض المبادئ التي هي قيد الدرس من قبل الرابطة، وهي تحرير ما يسمى بالمساعدة الاجتماعية التي تعطى شهريا لموظفي القطاع والتي تبلغ قيمتها بين مليون ونصف و3 مليون ليرة، كما تم الاتفاق على رفع بدل النقل أسوة بما هو حاصل بالقطاع الخاص وعلى أن يكون هناك راتب مقابل أساس راتب شهري (مليونان كحد أدنى و6 مليون كحد أقصى) وعلى تفعيل تعاونية موظفي الدولة كي تقوم بواجباتها وأن يكون الدوام الرسمي 3 أيام بالاسبوع لغاية الساعة 2 بعد الظهر”.

الاسمر: هدف تحركنا إنصاف موظفي القطاع العام وأن لا يدفع المواطن ثمن الاضراب المفتوح

يضيف :”كما حصل التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وعد مشكورا بالتسريع،  لإقرار الموازنة لأن كل المطالب التي إتفقنا مع الحكومة على إعطائها للقطاع العام بحاجة إلى قوانين في مجلس النواب”، لافتا إلى “الهدف من التحرك هو إنصاف موظفي القطاع العام وأيضا أن لا يدفع المواطن اللبناني ثمن الاضراب المفتوح، خصوصا أننا بحاجة إلى إرادات في الدولة، بعد أن صدر قانون بتمديد المهل وبالتالي بين هذا القانون والاضراب الحاصل لا يمكن للدولة أن تحصل إراداتها”.

ويختم :”الحوار مستمر وسألتقي غدا الرئيس نجيب ميقاتي  للبحث بمطالب قطاع النقل العام والسائقين العموميين، والاهم أن تُقر الموازنة بأسرع وقت ممكن كي نكون عند وعدنا بإيفاء وعودنا لموظفي القطاع العام”.

بشارة الاسمر
السابق
خاص «جنوبية»: ملف سلامة «ينام نومة اهل الكهف»!
التالي
أخبار وتسريبات تتعلّق بالاستشارات… هذا ما اوضحه مكتب ميقاتي