يمنى العيد لـ«جنوبية»: همّي الأساس تحرير القارىء من أيّ سلطة تُلغي فَهمَه

ألدكتورة يُمنَى العيد ، هي الرَّمز النَّقديُّ الإبداعيّ الفَذّ بإشعاعهِ المَعرِفِيِّ السَّاطِع ، في سماء عالَم الثَّقافةِ النَّقدِيّة العربيّة ، في العصر الحديث . وذلك عائدٌ إلى أنّ هذه النّاقِدة الأدبيّة تَفَرَّدت بِمَلَكَةٍ نَقدِيَّةٍ لا تُضَاهَى ، بِشهادة مضامين مؤلَّفاتها النَّقدِيّة بأجمعها . فَيُمنَى العيد ، هي صاحبة المشروع النّقديّ العربيّ الحَداثِيِّ التّأسيسيّ ، المتميِّز بخصوصيّته النّادرة ، حصراً ، إذ هو مشروع النَّقد المَعرِفِيّ المتمثّل  ” بإنتاجِ مَعرِفةٍ بالنَّصّ الأدبيّ ” . وما يميّزهذا المشروع هو هَدَفِيَّتُهُ الثّقافيّة المعرفيّة . إنّه المشروع الهادف إلى : ” أن يُصبح النَّقدُ مَقدِرةً يملكها كلّ قارىءٍ ( عربيّ) . ” . ومن اجل تحقيق هذا الهدف ، فلقد قامت يمنى العيد ، بِخَلقِ وَعيٍ نَقدِيٍّ لدى القارىء العربيّ ، وهو وعيٌ تفيض بكلّ تفصيلةٍ ، صغيرة كانت أم كبيرة ، من تفصيلات مقوِّماته التي تحملها كل مرحلةٍ وكل محطّة من مراحل ومحطّات المَسِيرة النّقدية الثَّريّة ( بمفاهيمها وقواعدها العِلميّة التّأصيليّة ) ليُمنى العيد ، التي أجرى موقع “جنوبيّة ” معها هذا الحوار الآتي نَصُّه: 

ألحَزمُ والحنان 

– من كان له التّأثير الأكبر على شخصيّتكِ والدكِ أم والدتكِ ؟ 

– أستطيع القول ، أنّني كنت أميل إلى الصمت ، ولم يكن هناك من حوارٍ عِلميٍّ أو ثقافيّ ، بيني وبين والديَّ وإخوتي . كنت أعيش مع الكتاب ، أقرأ الرّوايات وأعاني رَغبةَ متابعة دِراستي والسَّفر والاكتشاف في بيئةٍ لا تتوفر فيها الدراسة الثانوية والجامعيّة للفتاة ، بشكل خاص . وكان هذا يعني السَّفر لمتابعة الدراسة بعيداً عن البيت الأسريّ ، وضِمناً وصاية الأهل ، وهو ما شكّل معاناةً قاسية بالنسبة لي ، بالرغم من تَعَاطُف والديَّ معي وإعجابي بشخصيّة والدي الحازمة والطموحة ، وشخصيّة أمّي القديرة والحنونة .

 القراءةُ تعني إنتاج مَعرفةٍ بالمَقروء

حدثان مؤلِمان لطفلةٍ حالمة 

– أين عشتِ طفولتكِ ومراهقتكِ وكيف كانتا ؟ 

– عشتُ طفولتي في أحد أحياء مدينة صيدا القديمة ( حي رجال الأربعين ) ، قبل أن ننتقل إلى أحد أحيائها الحديثة ( حي الشّمعون ) في بيت جميل مُطلٍّ على البحر . ولقدعشتُ مراهقتي في بيروت ، بدايةً : تلميذةً داخليّة في مدارس الراهبات ؛ ثمّ طالبةً جامعية في ” دار المعلِّمين العليا ( ألجامعة اللبنانية فيما بعد ) ” . إنّ أبرز ما يحتلّ ذاكرتي من عالم الطفولة ، هو هذا التَّقارب بين سكَّان دارنا الكبيرة والجِيرة ، باعتبار لقاءاتهم على سطوح المنازل حيث كنتُ أنظر إلى البعيد وأحلم بالسّفر . هذا من ناحية ؛ أما من الناحية الثانية ، فهناك حدثان تركا اثرهما العميق في نفسي : ألحدث الأول هو وفاة إبن خالتي الذي هو من عمري ، وكان طفلاً ، وكانت وفاته بسبب الجهل ، ولم أكن يومها أعرف ماذا يعني الموت فكنتُ أبكي في سرّي وأتساءل لماذا لم تخبّئه أمّه في  خزانتها و” تركتهم ” يأخذوه . والحدث الثاني هو إصابتي في إحدى ” مظاهرات الاستقلال ” ، في أواخر عام 1943 . تلك الإصابة الخطيرة التي كادت تُودي بحياتي . أما بالنسبة للمراهقة ، فكما أشرتُ ، كنت طالبة جامعية وكان لحياتي ، بهذه الصِّفة ، أهمّيّتها باعتبار استقلالي النسبيّ وتعرُّفي إلى زملاء جامعيين ؛ لكنّ هذا الواقع الجديد ،والذي كان مَصدَر إثراء لي ، لم يخلو من معاناةٍ سببها سلطةُ شقيقي الذكورية ، غير المبرَّرة ، عليَّ .

  في أكثر كُتبي النَّقديّة سعيتُ إلى التأكيد على أنّ الرّواية العربية ليست وكما يرى بعض النّقاد محاكاةً للرواية الغربية

سببان وجيهان لإسمي المستعار 

– يمنى العيد ، هو اسمكِ الأدبيّ الذي اشتثهرتِ به ، على الدوام ، ما كان سبب اختيار هذا الاسم ؟ وكيف ولماذا ارتأيتِ استبداله باسمكِ الحقيقي ؟ 

– هناك سببان للكتابة بإسمٍ مستعار : الأول ، أنّي عندما بدأت أكتب وأنشر كنت موظَّفة في الدولة اللبنانية في وزارة التربية ، وكان لا يُسمح للموظّف أن ينشر ما يكتب ، إلاّ بعد أخذِ إذنٍ بالموافقة من رئيسه المباشر في الوزارة التي يعمل فيها . والسبب الثاني هو أنّ إسمي ( حكمت ) هو إسمٌ ذكوريّ أيضاً . وكنت لا أحبّ أن يظنّ مَن يقرأني بأني ذَكَرٌ ، بل كنت أُصرّ على أن أُعرَف ككاتبةٍ أُنثَى . 

هناك حدثان تركا أثرهما العميق في نفسي : ألحدث الأول هو وفاة إبن خالتي والثاني هو إصابتي في إحدى “مظاهرات الإستقلال ” إصابةً خطيرة كادت تُودي بحياتي

هَمِّيَ النّقديّ الأساس  

– أنتِ صاحبة مشروعٍ نقديّ عربيّ ، حَداثيّ ، تأسيسيّ ، في عالم الثقافة النقدية العربية ، في العصر الحديث . إذ إنّ اشتغاليّةَ هذا المشروع غير مسبوقة ، لأنها – وعلى ما نرى –اشتغاليّةٌ يتوهَّج فيها – وعلى ما نلمس – في كل محطات هذا المشروع ، إجتهادكِ المَعرفيُّ ، ألجادُّ والعميق والمكثَّف ، لأن يكون النقد الأدبيّ العربيّ ، نِدّاً كفؤاً ، عل المستوى الفنّيّ ، للنقد الغربيّ . واعتبرتِ أنّ سعيكِ ، في هذا المجال ، هَمَّاً نقديَّاً ، على حدّ قولكِ ، فلماذا حملتِ هَمَّ تحقيق هذا الامتياز النقدي ، عربيَّاً ؟ 

في عمر المراهقة كنت طالبةً جامعيّة وكان لحياتي بهذه الصفة أهمّيّتها لكنّي كنت أعاني من سلطة شقيقي الذكورية 

– أشيرُ ، بدايةً ، إلى أنّ هَمِّيَ الأساس كان هو القارىء ، لأن يكون قادراً على فَهمِ ما يقرأ ، متحرِّراً من أيّ سُلطةٍ تحاول أن تُملي عليه ” فَهمَها ” . وقد بدأتُ بممارسة هذه الفكرة ، يوم كنت معلِّمةً في مدرسة ثانوية ، ومديرةً لمدرسةٍ ثانوية . وقد تابعت ، هذا الهدف ، في تدريسيَ الجامعيّ مع طلاَّبي ، وذلك بِشَرحِي لهم معنىَ القراءةِ ومفهومَها ، وبممارسة القراءة بالتشارك معهم ، وإبراز ما كنّا نكتشفه في النّصّ، حين نقرأه قراءةً نَقديَّةً مَعرِفيَّةً وفق المفاهيم التي كنت أشرحها لهم . وهنا أودّ أن أقول إنّ القراءة تعني إنتاجَ مَعرفةٍ بالمَقروء. أمّا في ما يتعلّق بما تقوله ، حول ” ألنِّدِّيَّةِ ” بين النقد العربي والنقد الغربي ، فلم تكن النِّدّيَّةُ هَمِّي ، بل كنتُ أحاول أن أُظهِر بأنّ الرّواية العربية ليست – وكما يرى بعض النّقّاد – محاكاةً للرواية الغربية ، وذلك باعتبار أنّ التقنيات السرديّة هي تقنيات عامّة ، وهذا ما سعيتُ  إلى إيضاحه   والتأكيد عليه في اكثر من كتابٍ من كُتبي النّقديّة . فالتّقنيَّاتُ السّرديّة ، يستعملها الرّوائيّ العربيّ ، كما يستعملها أيّ روائيٍّ آخَر : فرنسيّ أو إنكليزيّ أو روسيّ …إلخ  هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى فإن الرّواية العربيّة تحكي حِكَايَتنا نحن . وقد شرحتُ ذلك في أكثر من كتاب من مؤلّفاتي ، وخصوصاً في كتابي ” فنّ الرّواية العربية بين خصوصيّة الحكاية وتَمَيُّز الخطاب “. 

هناك سببان لكتابتي بإسمٍ مستعار: الأول : كنت موظفة في الدولة والثاني : إنّ إسمي ( حكمت ) هو إسمٌ ذكوريّ أيضاً

” أوكسجين حياتي ” 

– ماذا تعني لكِ الكتابةُ ؟ 

– إنّ الكتابةَ هي أوكسجينُ حياتي .

السابق
انخفاض ملحوظ بدولار السوق السوداء.. كيف أقفل مساءً؟
التالي
سلامة يحسمها بشأن التعميم ١٦١.. هل توقفت مفاعيله؟