عن ندرة مراكز الدّراسات المتخصّصة في الموضوعات الشيعيّة!

الشيعة في السعودية

“عندما كنت طالباً في الجامعة، في الولايات المتحدة الأميركية، أتانا أحد الأساتذة الألمان، من جامعة هايدلبرغ”، يُحدثني صديق تولى تالياً مسؤوليات في الحكومة السعودية، مضيفاً: “كانت المحاضرة التي قدمها لنا الأستاذ الزائر عن الشيعة في المدينة المنورة، أو من يعرفون بالنخاولة، حيث تحدّث بتفصيل مستفيض عنهم”. 
الذي لفت انتباه صاحبنا، أنه كيف لأستاذ ألماني أن يكون خبيراً في مجموعة بشرية محددة، أي “النخاولة”، وكيف له أن يقدم رؤية تحليلية وتاريخية عنهم، وكأنه فرد منهم، أو كأي سعودي عاش معهم!
لم يكن السيد الألماني وحده من شد انتباه مُحدّثي، بل هنالك أستاذ آخر قدِمَ من “معهد شيلوف”، في “جامعة حيفا”، كان خبيراً ضليعاً بتاريخ “الدولة السعودية الأولى”.

اقرأ أيضاً: رسوخ الشيعة في لبنان.. قبل وجود الكيان

إن الذي يجمع بين الأستاذين هو التخصص أولاً، والشغف بالعلم الدقيق ثانياً، والبعد عن الانحيازات والأحكام المسبقة ثالثاً.
إذا أخذنا القصة أعلاه، وحاولنا أن نطبقها عربياً في ما يخص مراكز الدراسات، فسنجد أن المراكز المختصة في قضايا دقيقة، نادرة، ويمكن تسمية عدد محدود منها.
من القضايا الملحة، فكرياً، وسياسياً، موضوع “التشيع”، ليس كمذهب إسلامي له احترامه، بل “التشيع” كرافعة اجتماعية، تولدت منها تيارات فكرية وسياسية مختلفة، وصار له حضوره اليومي في الحوادث الجارية في العراق وإيران ولبنان وسوريا واليمن والخليج العربي؛ أي أنه بات ملفاً حيوياً تتفرع منه ملفات أخرى في أكثر من حقل!
الأمر لا ينحصر في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونظرية “ولاية الفقيه” ودور “الحرس الثوري”، والخطاب الإسلاموي الذي عمل على تثوير الدين، وسعى إلى الهيمنة وإلى أن يكون بمثابة المرجعية الجديدة للشيعة؛ بل أبعد من ذلك، لتحليل مرتكزات هذا الخطاب، والتبصر فيها كما هي، لكي تُفهم فهماً سليماً، عوض الفهم القائم على النظر من بعد، أو من دون محاولة فهم الأسباب التي دفعت أصحاب هذه السياسات إلى تبني هذه اللغة وطرق العمل التي قد نراها غريبة أو عنيفة! 

إن الفهم الحصيف لـ”الحالة الإيرانية” سيجعل من الممكن التعامل معها بطرائق أكثر قدرة على اتّقاء شرها، ومن الممكن أن يدفع نحو خلق مساحات مشتركة لسلامٍ دائم وحقيقي، تكف فيه إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها؛ على الرغم من أن ذلك أمر صعب وشائك.
كان الراحل الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، إذا بعث أحدهم إلى شخصية سياسية ما خارج المملكة العربية السعودية، في مهمة، يوصيه بأنه “قبل أن تطلب شيئاً من الطرف المقابل، ضع نفسك مكانه، وتخيل رد فعله”، وذلك كي يفهمه، ويقدر الأسلوب الصحيح للتعامل معه، كما يخبرني مسؤول سعودي سابق.

العقل المستقل، البارد، التحليلي، غير الانفعالي، القادر على جمع التفاصيل الصغيرة وبناء مشهد أوسع لما يجري من حوادث من دون أن يكون جزءاً من صراعاتها، هذا العقل، مراكز الدراسات وبيوت الأفكار في الخليج العربي بحاجة إليه، في هذه الأوقات الحرجة.
لو أتينا إلى الملف “الشيعي”، فإن المواطنين الشيعة في الخليج العربي عامة، والسعودية بخاصة، يعيشون تحولات مهمة، وهم يوماً بعد آخر يبتعدون عن الدعاية السلبية لحركات الإسلام السياسي، وينخرطون في التنمية، مثل بقية شركائهم في الوطن.
هذه التغيرات الإيجابية المهمة، كي تُرفد رفداً سليماً، تحتاج لقراءات ودراسات جادة، تعمل على بناء وعي جمعي مدني، وتقديم رؤى مستقبلية عن كيفية فهم الموضوعات المرتبطة بالمواطنين الشيعة؛ وذلك لا يمكن أن يتم من دون وجود “بيوت أفكار” مختصة في هذا المجال، تكون على قدر كبير من الصدقية والمهنية.

إن شُحّ مراكز الأفكار المتخصصة في الملفين “الإيراني” و”الشيعي”، سيجعل المعالجات التي تُقدم إلى مؤسسات الدولة أو مؤسسات المجتمع المدني غير مكتملة، ولا تواكب التغيرات الجارية، وقد تدفع نحو الوقوع في عثرات، كان يمكن تلافيها لو تم تأسيس مثل هذه المراكز التي هي الآن، وليس غداً، ضرورة ملحة، وملحة جداً!

السابق
«ما حدا الو مع صرمايتي».. تسجيل صوتي صادم للنائب رياشي يُهين فيه مناصري «القوات»!
التالي
بالفيديو: اشكال بين التيار والقوات في «اللبنانية».. والجيش يتدخل!