عيد التحرير.. بأي حال عدت يا عيد!

عيد التحرير

الجنرال شارل ديغول قاد المقاومة الفرنسية الى النصر، وحين نجحت الثورة الفرنسية استلمت السلطة في فرنسا، وخلال فترة زمنية قياسية استعاد الشعب الفرنسي حريته، واستطاعت المقاومة انتشال البلاد من الفقر والضياع، وأنتجت ثورة ثقافية تنموية حضارية رفعت فرنسا الى مرتبة الدول الحضارية.

اقرا ايضا: 25 ايار 2000 _2022.. «نعمة» التحرير تتحول الى «نقمة»!


وبعد استتباب الحضارة، سقط ديغول في الانتخابات، وتقبل الخسارة وانعزل في صومعته، تاركا وفاسحا المجال للأجيال اللاحقة مواصلة الثورة أو السلطة الحضارية.
لا شك أن يوم التحرير في 25 أيار 2000، يوم خرج المُحتل الاسرائيلي من أرضنا، يشكل علامة مضيئة ومفصلية في التاريخ العربي المعاصر عمومًا واللبناني خصوصًا. فما كان مستحيلاً صار ممكنًا بفضل العزيمة الوطنية، والإصرار الشعبي، والإيمان والتمسك بقوة الحق. ويحقّ لنا كلبنانيين احتلت ارضنا، وعانينا من الاحتلال وصنوف القهر والاضطهاد والتعذيب والتدمير، يحق لنا أن نفرح وننتشي حتى الثمالة،أن نحتفي بهذا اليوم العظيم والمقدس، ولنتذكر دائمًا، رفاقنا، الشهداء والأحياء الذين قاتلوا وقاوموا ودافعوا عن الكرامة والأرض، أولئك الذين رفعوا راية المقاومة الوطنية بوجه العدو الصهيوني حتى اندحر. فكل حبة تراب تحررت رويت بدمائهم وعرقهم وعذاباتهم وأملهم بغد أفضل.

نجحت هذه “المقاومة” الطارئة ولكن على عجل بإحكام قبضتها على الجنوب ومقاومته الوطنية


في ١٦ أيلول ١٩٨٢ أطلقت القوى اليسارية،الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي شعلة المقاومة، وافتتحتها بعملية (الويمبي) الشهيرة بإعدام جنود الاحتلال داخل مقهى الويمبي في شارع الحمراء. واستمرت المقاومة بزخم ثوري وطني، ومع الأسف ، نبتت لاحقاً “طحالب” ومجموعات متأسلمة، حاولت أقتناص المقاومة الوطنية، بإفتعال حروب صغيرة وكبيرة مع مُفجري الحرب الوطنية الكبرى!
ونجحت هذه “المقاومة” الطارئة ولكن على عجل، بإحكام قبضتها على الجنوب ومقاومته الوطنية.
إن مفهوم وفعل المقاومة،المقاومة ضد المحتل في كل بلدان العالم هي أداة وفعل ووسيلة لتحرير الارض المحتلة، مهما كلفت من تضحيات. والمقاومة أيضاً هي فعل فعّال في محاربة الفساد وحماية حقوق الناس وحفظ كرامتهم.. فهل حقاً تحقق التحرير المنشود بعد ٢٥ ايار عام ٢٠٠٠؟!
يأخذ الجواب الى واقع بوقائع كثيرة، ليس اخرها فقدان الأمن المعيشي والحياتي في الأرض المحررة، وفي كل البلاد بطبيعة الحال. فلم ينعم جنوب لبنان وأهله ،بعد ايار ٢٠٠٠ وحتى اليوم، بفرصة أمل بحياة طبيعية، بل زادت مأساة الحرمان والهروب (الهجرة الى الخارج)، واشتدت قبضة الحزب الحاكم على الجنوب وأهله ، وليس مبالغة القول ، انك اذا دخلت الى أغلب القرى والبلدات الجنوبية تظن أنك تسير في شوراع طهران!
أما وقد نجحت ايران بالاستثمار في “المقاومة الاسلامية” في الجنوب وفي كل لبنان ، وسخرتها في حربها الخاسرة مع اميركا والغرب، فأخذت “المقاومة” الى مكان آخر ، الى أهداف ومصالح ايرانية بحتة، وباتت القضية الوطنية اللبنانية تفصيلاً في الحسابات الايرانية، وبتنفيذ مقاولة لا مقاومة. انها “المزرعة”اللبنانية ، تستثمرها ايران في مقاولات عالمية!

علمتنا التجارب عبر التاريخ أن المقاومة التي تحرر وطنها تستكمل التحرير ببناء دولة لا بإنشاء دويلة!


لقد بلغ الاستخفاف بعقول الناس والأتباع الواهمين ذروته، حين طرحت “الوفاء للمقاومة” في الانتخابات الماضية شعار “نحمي ونبني” فلا هي حمت ولا هي بنت! ثم انتقلت الى مرحلة الاستغباء الشامل بشعارها “باقون نحمي ونبني” وكأنها فعلت ذلك أصلاً! فيما البلد يتجه من انهيار الى آخر على كافة الصعد.
إن الشعار الأكثر واقعية بالنسبة لهؤلاء، شعارهم المُضمر المستتر، كان “باقون نحمي السلطة الفاسدة ونبني دويلتنا”.
في ذكرى التحرير اليوم، يطل علينا عيد “معربساً”، لا يُصرف بلغة الحرية، وغير مطابق للعيش الكريم بعد زوال الاحتلال، فأي عيد يهل علينا.. وهل يجوز “للبطل المُحرِّر” أن يفرض حضوره بقوة سلاحه، لا بحرية شعبه!
أي تحرير نلته يا “جنوبي يا بو البيوت المخروبي، وحدودك وجيوبك ولقمتك ونعمتك.. مين بيحميها،والدولة مخروبي، والدويلة مهيمنة..”!
لقد علمتنا التجارب، عبر التاريخ، أن المقاومة التي تحرر وطنها، تستكمل التحرير ببناء دولة، لا بإنشاء دويلة!

السابق
هجوم شرس من «حزب الله» على البخاري: بعد «الوقح».. حمادة يصفه بـ«الأحمق»!
التالي
عقوبات أميركية على شبكة دولية لتهريب النفط وغسيل الأموال.. ما علاقة «حزب الله»؟