74 سنة نكبة.. «الطبع» العربي يغلب «التطبيع» الإسرائيلي!

فلسطين

أبى العدو الصهيوني إلا أن “يحتفل” على عادته كل عام بذكرى نكبتنا، فكان إغتيال الصحافية الفلسطينية الحرة شيرين أبو عاقلة على ثرى جنين المجاهدة، علاوة على إعتداءاته المتكررة على المسجد الأقصى. إذ يأبى هذا العدو إلا أن يذكِّر المطبعين معه من الأنظمة العربية وحكامها – وليس الشعوب بإعتبار أن الشعوب لا ولن تنسى – يذكِّرهم كل يوم بطبيعته العنصرية والإجرامية، وبأن الطبع يغلب التطبيع، وبأن هذا التطبيع الذي يغلفونه بالحديث عن السلام، وبمحاولة تخفيف الظلم ووطأته عن الشعب الفلسطيني، ووجوب التنمية الإقتصادية بدل الحروب والدمار، ما هو في الحقيقة سوى هراء وتدليس، وأنه إنما يتم بشروطه هو، وأقل هذه الشروط إستمرار ذبح الشعب الفلسطيني وقواه الحية.

74 عاماً مرت على نكبة فلسطين ولا تزال مستمرة، بحيث بات يمكن إعتبارها “نكبة جارية” لم يكن لها بالمقابل أية “نهضة جارية”، أو إعداد من الجانب الرسمي العربي عملا بقوله تعالى “وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”، أو عملاً بكل القوانين الوضعية التي تكفل حق الدفاع عن النفس والمقاومة لإسترداد الأراضي المحتلة، بإستثناء بعض “الحروب” التحريكية التي كانت أما بهدف الشعبوية وحماية الأنظمة وإظهارها بمظهر المقاوم، وإما بهدف إستدراج عروض سلام أثبتت الأيام أنه بعيد المنال، ما لم ينل الشعب الفلسطيني، حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على أقل تقدير.

خلَّفت النكبة نكبات في طول الوطن العربي، وعرضه بسبب من تكالب المصالح الغربية والشرقية على المنطقة

فكان أن خلَّفت النكبة نكبات في طول الوطن العربي، وعرضه بسبب من تكالب المصالح الغربية والشرقية على المنطقة، مترافقاً مع ضعف التنسيق العربي وسوء إدارة الصراع، والشخصانية التي طبعت سلوك البعض من القادة والزعماء العرب، الذي وصل حد تدبير المؤامرات ضد بعضهم البعض، وكذلك الفساد الذي نخر عظام غالبية الأنظمة العربية “التقدمية” منها والرجعية، وضرب الفكرة القومية العربية بعد غياب الزعيم جمال عبد الناصر وتولي أنور السادات الحكم في مصر، الذي قام وبدعم خليجي بضرب الفكر القومي عبر تشجيع التيارات والجماعات الإسلامية، ووضعها بمواجهة التيارات القومية واليسارية، الأمر الذي أدى إلى ضرب اللحمة القومية وزرع بذور الشقاق بين الناس بذريعة الدين والتدين، وهو الذي إتخذ له لقباً الرئيس المؤمن وبات ينعت كل معارض له بأنه شيوعي، قبل أن يدب الخلاف فيما بينهم ويتم إغتياله على أيدي هذه الجماعات نفسها، في غمرة تمددها بفعل حاجة أميركا والغرب وحلفائهم في منطقة الخليج إليها، لمواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان، فكان أن تم إمدادها بكل ما تحتاجه من دعم وإرسالها إلى أفغانستان ل “الجهاد”، وهو ما أدى بعدها إلى ما وصلنا إليه اليوم، من نكبات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أدت إلى خسارة العراق، وإعادة إحتلال الضفة الغربية وإغتيال ياسر عرفات، وإعادة لبنان إلى أتون الصراع الداخلي بعد إغتيال الشهيد المظلوم رفيق الحريري، ومن ثم محاولة هذه الجماعات مصادرة ثورات الربيع العربي، ما أعطى الفرصة للأنظمة التوتاليتارية في المنطقة للظهور أمام العالم بمظهر المقاتل ضد الإرهاب، ما أدى لتدمير سوريا واليمن وليبيا وحوَّلها إلى دول منكوبة وفاشلة، زادت من تدهور الوضع العربي العام.

قتلت الأنظمة العربية من شعوبها أضعاف أضعاف ما قتل العدو

ولا نبرئ هنا القبضة الحديدية التي سِيست بها أمور الأمة منذ النكبة وحتى يومنا هذا، وكأنها قطيع من الماشية، فكان أن قتلت الأنظمة العربية من شعوبها أضعاف أضعاف ما قتل العدو – وهذا لا يعني تبرئة العدو أو التخفيف من جرائمه كما يحلو لبعض الإنهزاميين الفعل ولكنه تقرير واقع للأسف – وكان آخر ما ظهر من هذه الإنتهاكات الشريط الذي نشرته مجلة “الغارديان” البريطانية لمجزرة حي التضامن الدمشقي، الذي أظهر حفرة دفن فيها العشرات من المواطنين السوريين والفلسطينيين أحياء، ودفن معهم كل إحساس بالإنسانية في هذا العالم البلا خجل ولا مرؤة ولا أخلاق، هذا العالم الذي لا يأبه سوى لمصالحه ولا يتحرك إلا بأجندات سياسية، بغض النظر عن عدالة القضية التي يتحرك لأجلها ، كما هو حاصل اليوم في أوكرانيا التي شاء حظها أن تكون شقراء و “زرقاء العينين”، حتى يتحرك العالم لنصرتها في مواجهة مجرم العصر الحديث فلاديمير بوتين، الذي هو نفسه بالمناسبة جزار سوريا الأكبر وداعم سفاحها وجلاوزته، وهما اللذان أهلكا الحرث والنسل فيها من دون أن يرف لهذا العالم جفن.

الإنتهاكات التي تتعرض لها يومياً فلسطين وشعبها، إنما تثبت للمرة المليون بأن التعايش مع هذا الكيان العنصري الإستيطاني المجرم هو إلى المستحيلات أقرب

إن الإنتهاكات التي تتعرض لها يومياً فلسطين وشعبها، التي لم يكن إغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة إلا واحدة منها، إنما تثبت للمرة المليون بأن التعايش مع هذا الكيان العنصري الإستيطاني المجرم، هو إلى المستحيلات أقرب، وأن الحل لا يكون بالتطبيع معه في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات العربية البينية، تراجعاً يصل في بعض الحالات حد القطيعة، بل يكون بتشديد المقاطعة له، وإذا كانت مواجهته بالقوة في ظل الظروف الدولية والعربية المعروفة غير ممكنة حالياً، فأضعف الإيمان هو الصمود في مواجهته وعدم إعطائه هدايا مجانية عبر فك العزلة الإقليمية عنه، ما يفسح في المجال أكثر لبعض الأطراف كإيران، للإستثمار في هذا التقصير العربي، بدلاً من محاولة إسترداد القضية من قبضتها، التي شجع العجز العربي بعض الأطراف الفلسطينية، بوضع كل أوراقهم فيها، ونقصد هنا بالطبع التيارات الإسلامية سواء حماس أو الجهاد الإسلامي، وكذلك تكثيف دعم نضالات الشعب الفلسطيني اليومية ضده، عبر دعم صموده في أرضه، والضغط في سبيل تحقيق الوحدة الفلسطينية، التي هي مهمة الفلسطينيين بالدرجة الأولى، الذين يتحتم عليهم الإبتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية، والعودة إلى وحدة الصف ولو بالحد الأدنى، حتى يستطيعون الحفاظ على وجودهم ودينامية قضيتهم.

قد يقول قائل بأن الأوان قد فات على هذه الطروحات بحسب الأوضاع الراهنة، التي وصل لها العالم العربي، وقد يكون في هذا القول بعض الصحة، ولكن السؤال ما هو البديل، هل هو التطبيع المجاني كما هو حاصل اليوم، أم هو الإستسلام للظروف وبالتالي للإحتلال ، ونكتفي بالتحسر على فلسطين في ذكرى النكبة من كل عام، وهل هناك فيما نطرحه شيء من الخيال أو المبالغة لوقف النكبات التي حلت وتحل بنا، أم هو أقل الواجب والضروري لحماية الأرض والحقوق التي تحفظ حاضرنا وتؤمن مستقبلنا؟

السابق
اغتيال ضابط في الحرس الثوري يهزّ إيران.. شارك في الحربين السورية والعراقية!
التالي
«حتّى نستطيع الاستمرار».. إضراب للصيدليات في هذا التاريخ