لهذه الأسباب لم تحقق الثورة أهدافها!

ثورة 17 تشرين

هل فشلت ثورة 17 تشرين، هل كان يمكن لثورة 17 تشرين أن تحقق أكثر مما حققته، هل أخطأت ثورة 17 تشرين في خياراتها وتحركاتها، كلها أسئلة مشروعة مع نهاية الموجة الثورية الأولى في 15 أيار المقبل من دون تحقيق التغيير المنشود!

لم تكن ثورة 17 تشرين مسلحة، ولم تعتمد على سلاح الجيش للتغيير. وبالتالي لم تكن تسعى لانقلاب عسكري. وهي تواجهت بحركتها السلمية غير العنيفة (باستثناء بعض الجرعات الصغيرة في الحجر وليس في البشر). وذلك، مع ضغط سلاح حزب الله وحلفائه على خيارات الداخل، إن لجهة وضعه الخطوط الحمر السياسية والقضائية، مانعاً للتغيير أو لجهة الغزوات التي نفذها جمهوره على ساحات الثورة في العديد من المناطق من ساحة العلم في صور، الى ساحات النبطية وكفررمان وساحة الشهداء ورياض الصلح والعازارية في بيروت… وذلك بالاضافة الى الاستعراضات الاعلامية الفارغة التي قدمها نواب الحزب ووزرائه، لوقف الفساد والفاسدين، الذين لم يدخل منهم أحد الى السجن! وأيضاً، لم يكن ممكناً مواجهة حزب الله وسلاحه عسكرياً. 

خيارات الثورة الممكنة بالتغيير

أما الخيارات الممكنة التي كانت يمكن أن تسمح لثورة 17 تشرين بالتغيير فهي ثلاثة: 1 – استمرار الحشد المليوني في الشارع2 – خوض الانتخابات النيابية لإعادة إنتاج السلطة3 – تبني المجتمع الدولي للثورة ومطالبها والضغط السياسي في سبيل تحقيقها!

ما هو سبب توقف الحشود 

قامت الثورة بأكثر من واجبها على سبيل التحركات الشعبية وتحركات الأرض. ولا يمكن أن تُلام على أي تقصير في ذلك. وغير صحيح أن تصرفات مجموعاتها “هشلت العالم” كما يحب أن يروج البعض! فقد استمرت التحركات الشعبية لثورة 17 تشرين سنتين ونصف السنة، تقريباً، بينها عدة أشهر من التحركات المليونية تراكمياً ونصف المليونية يومياً، حتى جاءت جائحة كورونا وأجبرتها على الخروج من الخارج، بعدها تعرض لبنان والثورة معه الى سلسلة أزمات وكوارث، من تفجير بيروت والمرفأ الى ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء 20 ضعفاً، بالإضافة الى أزمة انقطاع البنزين وطوابير الذل.

لم يعد ممكناً تحقيق التغيير بالحشود على الأرض

كلها أمور أدت الى شلل التحركات السلمية، والى تراجع القدرة على الحشد والى تراجع هائل في معنويات اللبنانيين. وبالتالي لم يعد ممكناً تحقيق التغيير بالحشود على الأرض. وأصبحت التحركات خجولة، خاصة مع رفض اللبنانيين لمبدأ قطع الطرقات بسبب حاجتهم للتوجه الى أعمالهم، لتأمين حاجاتهم الأساسية. علماً أن قطع الطرقات، بالاضافة الى التظاهرات الكبرى، كان الأكثر فعالية للضغط على الدولة ومسؤوليها.

المجتمع الدولي خذل الشعب اللبناني

لم يتبنَ المجتمع الدولي (بمن فيهم الولايات المتحدة) ثورة 17 تشرين وأهدافها، ولم يسهم بدعمها، ولا حتى بمساعدتها بتحقيق أبسط الأمور، كالضغط للوصول الى قانون انتخاب لائق يحقق صحة التمثيل الشعبي. وبعكس كل ما يُقال ويُشاع، فهو لم يكن له أي دور في التحضير للثورة، وبالتأكيد لا دور له في تمويلها عبر سفاراته كما يحلو للبعض اطلاق التهم جزافاً وبطلاناً في هذا الموضوع! (فقد كانت معظم التحركات بتمويل ذاتي). وقد كانت الثورة مفاجأة للمجتمع الدولي، بسبب عفويتها الناشئة عن الغضب التراكمي وعن المحاولات الشعبية التغييرية في السنوات السابقة، كما خلال أزمة النفايات. وقد خضت ثورة 17 تشرين وغيرت الستاتيكو، والإطار الذي كان يتحرك به هذا المجتمع الدولي داخلياً وإقليمياً. وهو لذلك تدخل لإعادة الستاتيكو والوضع لما كان عليه. فتدخل للحفاظ على السلطة، بإدارة حزب الله لها، في موقعها على الرغم من إدراكه لرفض الشعب لها ولفسادها وللسلاح الذي يحميهما. وتمّ تكليف الرئيس الفرنسي المعاد انتخابه إيمانويل ماكرون بالمهمة. ونجح ماكرون بطعن الثورة في قلبها، وبتعويم أهل السلطة وحزب الله إقليمياً ودولياً. وإعادة انتخاب ماكرون يعني استمرار تكليف هذه السلطة وحزب الله بإدارة شؤون البلاد. وبالتالي منع أي عملية تغيير، وإبقاء لبنان في جهنم لفترة طويلة. 

المطلوب اليوم هو التصويت للوائح الثورة  وللوائح ثورة زائد معارضة وحجب أي صوت عن السلطة

في ظل كل هذه الظروف تأتي الانتخابات النيابية، على أساس قانون طائفي مفصل، على قياس رؤساء الأحزاب المذهبية في وقت طالب الثوار بتطبيق الدستور وباعتماد قانون الدستور. أي قانون انتخابي خارج القيد الطائفي مع اعتماد النسبية والدوائر الكبرى الى جانب مجلس للشيوخ. ولكن السلطة رفضت تطبيق الدستور. والمجتمع الدولي لم يساعد بذلك. وجاء موعد الترشيحات وتشكيل اللوائح لترتكب الثورة دعسة ناقصة، بتغليب الأنا على مصلحة لبنان والثورة بتشكيل لوائح موحدة. ولم تنجح كل الجهود وعشرات ورش العمل التي قام بها “اتحاد ساحات الثورة” في كل الدوائر للوصول الى لوائح موحدة. وكانت النتيجة صورة غير مرضية وخيبة كبيرة للناس ومقاطعة البعض المرتقبة. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن المطلوب اليوم هو التصويت للوائح الثورة  وللوائح ثورة زائد معارضة وحجب أي صوت عن السلطة. وعدم المقاطعة وعدم وضع أي ورقة بيضاء. ومع أن التغيير لن يكون كبيراً في الانتخابات النيابية، لكن من الضروري الحصول على أفضل الممكن للتحضير لمرحلة المواجهة المقبلة.

متى تنطلق الموجة الثورية الثانية؟ 

مع نهاية الموجة الثورية الأولى، لا يمكن تحديد بداية الموجة الثورية الثانية. فهذه الموجة الثورية الثانية لا تحددها مجموعات الثورة وكوادرها. بل يحددها المزاج الشعبي ووجع الناس. وشرارتها لا يمكن معرفة لحظة حدوثها مسبقاً، وقد تكون الفوضى هي الأسرع من هذه الموجة الثانية! إلا أن المواجهة السياسية الكبرى تكمن في تشكيل جبهة سياسية قادرة على إقناع الأشقاء العرب بوجود رافعة شعبية تستحق المساعدة المالية وعلى إقناع المجتمع الدولي على مساعدتها من أجل التغيير.

المرحلة المقبلة لا تشبه المرحلة السابقة، مع تراكم وتكاثر الأزمات الاجتماعية الجديدة

كل ذلك، في غياب أي قدرة للتغيير بقدرات عسكرية! فالمرحلة المقبلة لا تشبه المرحلة السابقة، مع تراكم وتكاثر الأزمات الاجتماعية الجديدة ومع سرعة أكبر في انهيار الوضع المالي ونفاذ الاحتياطات المصرفية وتفكك إدارات الدولة وخطر وصول هذا التفكك الى الجيش والقوى الأمنية.. وبقاء الطبقة السياسية في الحكم يبشر بالأسوأ. شدوا الأحزمة… فيما هم يشدونها على أعناقكم!

السابق
هل يتطابق الإعتداء على وزير الطاقة مع «مواصفات الثورة»!
التالي
في حال «فكّوا عنّون القبضة الإيرانية».. جعجع يُخاطب «صديقَيْه» الشيعي والعوني!