اختيار من سيقود فرنسا بين..السيئ والأسوأ!

ماكرون لوبان

ينتخب الفرنسيون اليوم الأحد رئيساً (أو رئيسة) في ظل جو تشاؤمي لدى الناخبين الذين يروّن أنفسهم بين المطرقة والسندان، أي بين الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يطلق عليه اسم «رئيس الأغنياء»، ومارين لوبان، التي تمثل اليمين المتطرف.

ورغم أن الإحصاءات الأخيرة تشير إلى إمكان انتصار ماكرون بفارق بسيط على لوبان، فإن عدم الرضا يسيطر على الناخبين الذين لا يريدون عودة الرئيس نفسه ولا يريدون لليمين المتطرف أن يحكم.

واللافت في الأمر ان المرشحين ركزا على السياسة الخارجية التي ستعتمدها فرنسا، والجزء الأكبر منها يتعلق بالحرب في أوكرانيا، وسط عدم التركيز على الأوضاع الاقتصادية والتحديات الداخلية.

يقول الطبيب بيار جوستي «سأنتخب لأنه حقي الدستوري وأشعر بالمسؤولية أمام وطني.

إلا انني سأختار بين السيئ والأسوأ، ولن أتردد بالمشاركة في التظاهرات ضد أي من المرشحين لأن برنامجهما لا يتناسب مع رؤيتي حيال ما يجب أن تفعله فرنسا تجاه مواطنيها، من سن التقاعد إلى تحسين ظروف العيش، وإيجاد فرص عمل للأجيال القادمة والحافظ على البيئة».

من غير المبالغة القول إن خريطة أوروبا بالكامل ستكون عرضة للإهتزاز وكذلك النفوذ الأميركي إذا فازت لوبان

وتابع «وبالطبع لا أحبذ خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي كما تدعو لوبان، كما أنني لا أُحبذ التبعية لأميركا ولحلف الناتو كما يهدف ماكرون».

في المناظرة التلفزيونية بين ماكرون ولوبان – والتي دامت نحو ساعتين ونصف الساعة – خرجا بحصيلة كان رسم معادلتها الرئيس السابق فرانسوا ميتران، والقائلة «لا أعلم إذا كسبت المباراة ولكنني أعمل على أساس انني لم أخسرها».

ركز ماكرون على تطلعاته حيال الحفاظ على أوروبا موحدة وفرنسا جزء منها، لإدراكه ان أوروبا ضعيفة مما يتيح لفرنسا قيادتها. وأكد ضرورة أن تكون بلاده جزءاً من حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأنها لن تقف مع روسيا وهي أعطت الصلاحية للمجموعة الأوروبية لشراء الغاز من موارد أخرى ومن دول غير روسيا.

واتهم منافسته بأنها تسلمت أمولاً من روسيا لتمويل حملتها الانتخابية.

إقرأ ايضاً: خاص «جنوبية»: خلاف بين السفير والقنصل في دبي يتهدد إنتخابات الجالية اللبنانية!

لوبان، التي لم تنف تلقيها أموالاً من موسكو لأن القوانين الفرنسية لا تمنعها من الحصول على قروض من مصارف أجنبية، ما دامت تصرح عنها رسمياً، أكدت أنها دانت الغزو الروسي لأوكرانيا ولكنها «لن تقبل بأن تبقى فرنسا ضمن الاتحاد الأوروبي» وتريد «لفرنسا الحرية من حلف الناتو»، الذي أصبح مهيمناً على القرار الأمني والعسكري الأوروبي.

بالنسبة إلى غالبية الفرنسيين الذين وضعوا أمام اثنين لا ثالث لهما كمرشحين (ماكرون ولوبان) على غرار ما حصل في انتخابات 2017، فإن هذا الأمر أتعبهم خصوصاً أن ماكرون لم يعد وجهاً جديداً، وقد اختبر الفرنسيون أداءه.

أما بالنسبة إلى لوبان، فقد أحرزت تقدماً كبيراً منذ الانتخابات الرئاسية الماضية لدرجة أن وجودها على الساحة السياسية وقربها من الرئاسة لم يعد مستغرباً أو بعيداً عن متناول اليد.

وتظهر الاستطلاعات أن ماكرون يمكن أن يحصل على 56 في المئة (66 في المئة في الانتخابات الرئاسية الماضية) مقابل 44 في المئة لمارين، والأنظار اليوم هي على الـ 10 – 15 في المئة من الناخبين المترددين والذين يرون في برنامج الاثنين نقاطاً لا يتفقون معها.

ومن غير المبالغة القول إن خريطة أوروبا بالكامل ستكون عرضة للإهتزاز وكذلك النفوذ الأميركي إذا فازت لوبان.

إلا أن ذلك لا يعني ان ماكرون، في حال فوزه، سيكون خاضعاً لأميركا. فهو يؤمن بحلف الناتو – الذي خرج منه الجنرال ديغول عام 1966 وأعاد فرنسا إليه الرئيس فرنسوا ميتران عام 2008 – ولكنه لا يؤمن ان أوروبا يجب ان تكون ساحة المعركة بين روسيا وأميركا، وتالياً فان مواقفه الأخيرة تماشت مع برنامجه الانتخابي وأن ماكرون – المرشح سيختلف سلوكه بالنسبة إلى السياسة الخارجية عن ماكرون – الرئيس في حال أعيد انتخابه.

من الواضح أن حجم التحديات الخارجية والداخلية ستكون كبيرة أمام أي رئيس سيتربع على عرش فرنسا، وذلك بسبب الغلاء والتضخم والأزمات الدولية التي أصابت شظاياها القارة الأوروبية بأكملها، بل العالم بأسره.

فوز اليمين المتطرف لن يكون لمصلحة المهاجرين، خصوصاً الذين لم تسوء أوضاعهم وكذلك بالنسبة إلى الحقوقيين والمؤسسات الاجتماعية والإنسانية التي تدين التمييز العنصري، ولاسيما أن لوبان قالت إنها ستعيد هؤلاء إلى أوطانهم.

ومما لا شك فيه ان فرنسا تلعب دوراً مهماً، بل الأهم مع المانيا، في أوروبا.

وكذلك لفرنسا دور مع دول الفرنكوفونية ولديها قواعد عسكرية ومشاركات مع قوات «الناتو» في مواقع عدة من العالم.

ولهذا السبب، فان من يحكم فرنسا يؤثر في السياسات الدولية والأوروبية على نحو فعال.

فان المناظرة بين ماكرون ولوبان لم تكن على المستوى المطلوب في أوساط الشعب الفرنسي الذي يجد نفسه أمام شخصين لا يريد أحد منهما

أما الفرنسيون فهم يتطلّعون إلى سياسة الرئيس الداخلية في الدرجة الأولى وينظرون في شكل ثانوي إلى السياسة الخارجية.

ولهذا فان المناظرة بين ماكرون ولوبان لم تكن على المستوى المطلوب في أوساط الشعب الفرنسي، الذي يجد نفسه أمام شخصين لا يريد أحد منهما، ولكنه مضطر للاختيار الصعب و… بينهما.

السابق
لائحة «صوت الجنوب» مستمرة..والمرشح حسين الشاعر لـ«جنوبية»: المنظومة تحاول شيطنة المعارضة!
التالي
دويلة «النكّيشة» في لبنان تستبيح الدولة – الخردة