السيد محمد حسن الأمين: الصلاة طريق المؤمنين نحو السلام

السيد محمد حسن الامين
قدم العلامة الراحل السيد محمد حسن الامين، بحثاً مختصراً، قدم خلاله رؤية مختصرة للصلة العميقة، بين حاجة الإنسان للسلام، ودور الصلاة في تمهيد الطريق إلى تحقيق هذا السلام، الذي يطمح إليه الإنسان على هذا الكوكب الأرضي.

ان فهمنا لرسالة الأديان والتوحيد بوصفه دعوة إلى عبادة إله واحد، وهذه ليست مسألة لاهوتية كي ندرسها في البيئة الدينية فقط، فالوحدانية تلخيص عميق حول ارتباط الإنسان بالمطلق أو بالله، فلا يوجد أي حاجز أو أي فعل مصادر للحرية، فالحرية الإنسانية ليس لها حدود على الإطلاق، والحرية مرتبطة بالسعي الأساسي للإنسان للوصول إلى غايته الحقيقية، والآية القرآنية “يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه”  تؤكد أن المصير الإنساني الأسمى هو هذا الامتزاج بالذات الإلهية وللوصول إلى الله وسعي الإنسان للوصول إلى الله وزاده هو الحرية والذهاب إلى الحرية…

إذاً، فالصلاة تحررنا والسلام هو هدف للكائن الإنساني على هذه الأرض منذ أقدم الأزمنة حتى يومنا هذا. والسلام المرتجى في هذه الحياة يتضمن بعدين أساسيين، أحدهما السلام داخل المجتمعات وبين المجتمعات والأفراد، وهذا هو السلام الطبيعي الذي تسعى إليه الشعوب على اختلاف أديانها وتعدد قومياتها وإثنياتها، أعني أن هذا السلام هو الحلم الدائم للمجتمعات والأفراد والذي لم يتحقق بعد بالرغم من أن الحضارات تقريباً تتبنى مبدأ السلام وتنظر إليه بأنه أفضل المثل الذي تطمح إليه الجماعات البشرية.

شعور الإنسان بالسلام الداخلي هو الدرجة الأولى نحو تحقيق السلام بين الجماعات والمجتمعات

نحن في عالم تكتنفه الصراعات والحروب التي إذا هدأت لفترة فإنها لا تلبث حتى تعود على إيقاع الأطماع والأهوال بين الأديان، وطلباً للسيطرة والنفوذ، وإذا حفرنا عميقاً في أسباب هذه الصراعات والحروب لوجدنا أن هذه الأسباب تكمن في نفوس الأفراد، فبوسع القوانين أن تضبط هذا الصراع إلى حدّ ما ولكن ليس بوسعها من خارج الإنسان أن تحقق الهدف الأسمى في الحياة المشتركة بين أبناء البشر بغض النظر عن هوياتهم الدينية وغيرها.

لذلك نلاحظ أن الأديان السماوية إنما نزلت لتربية الإنسان الفرد من الداخل على أساس أن تربية الفرد تغدو تربية لجميع الأفكار، فيسود السلام بينها، ولعل أهم الفرائض التي فرضتها الأديان السماوية هي الصلاة الواجبة في الأديان السماوية وفي غيرها.

وعن الحديث النبوي في الإسلام يقرّر الحاجة إلى الصلاة بالقول: “الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وبالقول “إن الصلاة عامود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن رُدّت رُدّ ما سواها”.

إقرأ ايضاً: السيد محمد حسن الأمين يتوهّج في ذكراه الأولى.. حين يطغى الحضور على الرحيل!

نعم إن شعور الإنسان بالسلام الداخلي هو الدرجة الأولى نحو تحقيق السلام بين الجماعات والمجتمعات.

صحيح أن المجتمعات تنمو وتنجز الكثير من حاجات الإنسان وذلك عن طريق العلم، ولكن ليس بوسع طريق العلم وحدها يتحقق السلام المنشود.

إن علماً بدون صلاة أو إيمان قد يغدو خطراً يطال المجتمع الإنساني، وألاحظ هنا أن الكتب السماوية دعت إلى السلام وفي القرآن الكريم آية كريمة تفسّر لنا معنى الجنة والنعيم في الآخرة انطلاقاً من السلام الداخلي الذي يحصل عليه الإنسان هو السلام بين الأفراد والجماعات، ويتجلى ذلك في قوله تعالى “ونزعنا ما في صدورهم من غلّ أخواناً على سرر متقابلين”.

وواضح من خلال هذه الآية أن سبب الشقاء البشري في الدنيا هو البغي والجشع والحسد والتنافس في الحصول على المكاسب والمنافع.

إن الصلاة لا تنهى عن السعي لإصلاح حياة الفرد وحاجاته ولكنها تهذّب الغرائز التي تطغى على الأهواء والرغبات فيكون الإنسان في المكان الوسط بين الدين والدنيا وفقاً للقول المأثور، “إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً”.

سبب الشقاء البشري في الدنيا هو البغي والجشع والحسد والتنافس في الحصول على المكاسب والمنافع

ان حقيقة الحرية وسط هذا الوجود التكويني المركب انما تعني تحرر النفس من عبودية الهوى والشهوات ومن كل ما يراودها من اطماع وميول وضغوط تسارع في انقيادها واذلالها، هذا المعنى لا يختلف فيه أحد عن الآخر، فجميع المؤمنين يقدّرون أهمية الصلاة لجهة إصلاح الأفراد والمجتمع، ولكن المشكلة التي نواجهها أننا حوّلنا الصلاة من عبادة حقيقية تساهم في بناء الذات الإنسانية إلى طقس من الطقوس الفارغة من محتواها، ولذلك يغدو دور العلماء في كل أمة مناطاً بإيصال الفهم العميق لعبادة الصلاة، ولا فرق هنا بين دين ودين.

وبما أن فريضة الصلاة ذات منافع لا حصر لها من حيث تنمية الإنسان روحياً، فإنها لا شك مصدر عميق لممارسة السلام داخل الذات واتجاه الآخرين، فلا يكفي ان تحرر الصلاة الانسان من ذنوبه وشهواته، ولكن يجب ان تحرره من عبادة المال والجاه والسلطان أيضا، كما لا يكفي لهذه العبادة الروحية ان تجعلك تحب أهلك وعشيرتك ومن هم أخوتك في الدين، ولكن ينبغي ان تجعلك تحب وترأف بالناس جميعا لانهم أخوتك في الانسانية دون النظر لدينهم وجنسهم ولونهم وعرقهم، فعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله”.

فريضة الصلاة تنمي الإنسان روحيا وهي مصدر عميق لممارسة السلام داخل الذات واتجاه الآخرين

ولم يقل النبي “انفعهم للمسلمين”، وانما قال انفعهم لعياله أي لكل الناس لأن الله ربّ كل الناس وليس رب المسلمين فقط، هذا هو هدف الصلاة الحقيقي، وهكذا يحضر السلام تلقائيا ويسود مجتمع المؤمنين روحيا وانسانيا قبل سيادته عن طريق القانون، لأن الصلاة التي تحرّر الانسان وتجعل المحبة تسود في مجتمعه، هو حتما مجتمع سوف يسود فيه السلام بشكل صريح وتلقائي.


 *نص غير منشور للعلامة الراحل السيد محمد حسن الأمين   

السابق
«حزب الله» يَحصر السباق الرئاسي بين فرنجية وباسيل..وإنطلاق المزايدات الإنتخابية!
التالي
شوقي بزيع لـ«جنوبية»: العلامة الأمين مزيج من الفضيلة و الطهر