أوكرانيا.. كييّف المحاصرة تحاصر موسكو

مصطفى فحص

كسر صمود العاصمة الأوكرانية كييّف عنجهية القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية، بعدما تحطمت آلته العسكرية على أبوابها، وخسر تفوق جيشه تفوقه أمام مقاومة منعته حتى الآن من دخول العاصمة، ونجحت في عرقلة وصوله إلى هدفه الأساس وهو احتلال سريع لكييف من خلال عملية خاطفة تحسم المعركة وتسمح للمقيم في الكرملين إعلان انتصاره الاستراتيجي، لكن على أبواب كييّف وأبواب أغلب المدن الأوكرانية الكبرى حوّل المقاومون الأوكران آلة الحرب الروسية إلى خردة محطمة على أسوار مدنهم، الأمر الذي أجبر الرئيس الروسي وجنرالاته على تغيير خططهم بعدما أيقنوا انهم أخفقوا، وان لا إمكانية ولا قدرة لهم على حسم سريع يوفر الوقت ويخفف من حجم الخسائر البشرية والمادية.

لم يعد أمام بوتين وجنرالاته إلا استراتيجية تحطيم الخصم من أجل إخضاعه، وذلك على غرار ما جرى للعاصمة الشيشانية غروزني سنة 2000 وضد المدن السورية المنتفضة بعد التدخل الروسي في منتصف سبتمبر 2015. في التجربتين الشيشانية والسورية، حققت موسكو انتصارات مفرغة من مضمونها، وهذا ما هو مرجح للحدوث في حال نجح الجيش الروسي في احتلال كييّف بنفس الطريقة التي احتلت فيها غروزني وحلب ودرعا وحمص وباقي المدن السورية.

بعد الفشل السريع في تحقيق النصر السريع، انتقلت الخطط الروسية إلى حصار المدن الكبرى من أجل إجبارها على الاستسلام، ولكن حتى الآن يبدو أن فرضية الاستسلام مستبعدة، لذلك سيصبح بوتين وجنرالاته مجبرين على احتلالها وهذا سيتطلب تدميرها، وفقا لمبررات الغزو التي يروج لها بوتين فإن السيطرة على مدن مدمرة ومحطمة خصوصا العاصمة سيتحول سريعا إلى هزيمة، لأسباب عديدة، في مقدمتها أن هذه المدن الرافضة أصلا للاحتلال ستصبح مدنا معادية، ولن يسمح أهلها لجنوده بحرية التحرك خصوصا أن الأوكران ستدفعهم رغبة جامحة بالانتقام من قوات معادية، وهذا يعني أن لا إمكانية لخلق واقع آمن بين الروس والأوكران قادر على فتح مجالات للتواصل، فالواضح أن موسكو ستجد صعوبة كبيرة في إدارة المدن المحتلة من نواحي عديدة في مقدمتها أنها ستتحمل أعباءها الخدماتية، كما أن الاوكران لن يسهلوا قيام حكومة محلية موالية للروس، وعلى الأرجح أنهم لن يعترفوا بمن ستفرضه عليهم موسكو على غرار سلطة قاديروف في الشيشان وبشار الأسد في سوريا.

تُكابر آلة الدعاية الروسية وترفض الاعتراف بأن المدن الأوكرانية مدن معادية، وبأن سكانها خرجوا يرفعون علم بلادهم بوجه الجنود الروس الذين دخلوا مدنهم، وهذا يعني أن هناك رفضا شعبيا كبيرا، سيشكل حاضنة لكل الذين سيحملون السلاح من أجل مقاومة الاحتلال، وكأن القيادة الروسية قد نسيت أو تناست أنه عندما احتلت أفغانستان في ساعات، كان المجاهدون يسيطرون على أقل من %5 من أراضي أفغانستان، ويملكون عتادا بدائيا جدا في مواجهة آلة الحرب السوفياتية الضخمة، لكن مع مرور الوقت انقلبت المعادلة وأصبح السوفييت شبه محاصرين في أفغانستان، وفي التجربة الأوكرانية فإن السلاح الذي يستخدمه الأوكران أكثر تطورا مما يملكه الروس وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع حجم الخسائر الروسية في الأرواح والعتاد، وقد يدفعهم إلى توسيع نطاق عملياتهم من أجل ضرب المدن الغربية وقطع طرق الإمداد التي نجحت حتى الآن في مهمتها، وهذا يكشف أيضا أن هناك صعوبة في حصار كامل للمدن وخصوصا كيّيف دون اللجوء لاستخدام القوة الماحقة، خصوصا سلاح الطيران الذي يبدو أنه لم يحقق تفوقه الجوي الكامل حتى الآن، وأن استمرار خطوط الدعم والإمداد بهذه الوتيرة في تزويد الأوكران بمزيد من الصواريخ المضادة للطيران، قد تسبب بإخراج سلاح الجو الروسي جزئيا من المعركة، ما سيضاعف الصعوبات على موسكو في معركة حصار المدن.  

ختاما، لا انتصار من دون كيّيف، ولكن في واقعة الروس أن تأتي متأخرة كأنها لم تأت أبدا، لأن لا قيمة لدخولها مدمرة، وفي الحالة الأوكرانية دخول المدن بعد حصارها وإخضاعها سيحول الغزاة إلى مُحاصرين، وعندها سيصلح القول إن موسكو محاصرة في كييّف.  

السابق
بعدسة «جنوبية»: (LADE) تُطلق صافرة الانذار.. حذارِ تطيير الانتخابات!
التالي
«أوجيرو» تردّ بإيحاءات غير اخلاقية على سامر: لا ننصحك بالجلوس على «الراوتر» خاصةً اذا..