الحكومة في مرمى «كرة النار» المصرفية-القضائية -السياسية!

حكومة ميقاتي

ليست المرة الأولى منذ 2020 تُستعاد فيها المشهديةُ السورياليةُ لصراعٍ «الرؤوس الحامية» في «بلاد الأرز»على توزيع الكراسي على سطح التايتانيك، لكن المُفْجِعَ أن الجولةَ الأخيرةَ من هذه «المُطاحَنة المجنونة» انفجرتْ على جبهة السياسة – بعض القضاء – المصارف وسط خشيةٍ من أن تتحوّل «مثلث برمودا» يبتلع ما بقي من لبنان «الذي كان» وإمكانات نجاته من الانهيار الشامل ومن «مصير الزوال» الذي سبق أن حذّرت منه عواصم عدة وبالفم الملآن.

وقد لا يكون مفاجئاً، في الوطن الذي يكاد أن يتعوّد «الفوز» بأسوأ التصنيفات وآخرها على قائمة «أسعد دول العالم» إذ حلّ في المرتبة ما قبل الأخيرة متوسّطاً زيمابوي وأفغانستان، أن تستمرّ «كرة نار» الانهيار المالي وبعد عامين من «تدشينه رسمياً» في التدحرج بلا أي رادع واجتذاب المزيد من الألغام، مستفيدا من مساريْن: أوّلهما التلكؤ الفاضح عن إنجاز الأرضية التي من شأنها تصفيح آخِر الطبقات الفاصلة عن السقوط في القعر المميت، بدءاً من إقرار قانون الكابيتال كونترول الذي كان يُفترض اعتماده منذ مارس 2020، وليس انتهاء بخطة النهوض وتوزيع خسائر الفجوة المالية الهائلة (نحو 70 مليار دولار) بما فيها إعادة تنظيم أو هيكلة القطاع المصرفي.

ميقاتي يمهل السلطة القضائية ضبْط المسار مع المصارف و… إلا

أما المسار الثاني، فهو الإمعان في زجّ لبنان بـ «ممر الفيلة» في المنطقة ووضعه في فوهة براكينها و«حرْق» الجسور التاريخية بينه وبين الحضن الخليجي والعربي، بما أفضى إلى تَلازُمٍ في شروط الدعم المالي للسلطات الرسمية بين الإصلاحات التقنية الضامنة لوقف الفساد المستشري وسوء إدارة موارد الدولة ومرافقها، والإصلاحات السياسية التي تستعيد معها بيروت «توازُنها» وتوقف انجرافها إلى المحور الإيراني وتمكين «حزب الله» في مختلف مفاصل الحُكْم.

ولم يكن عابراً أنه بين هذين المساريْن اللذين يحكمان بعناوينهما اللاهبة الانتخابات النيابية المقرَّرة في 15 مايو المقبل والتي يتم التعاطي معها على أنها مفتاح التغيير على قاعدة it’s now or never، حصل «الانفجار الكبير» لملفٍ يعتمل منذ أشهر بين بعض القضاء، محمياً من فريق سياسي، وبين القطاع المصرفي، بنوكاً وحاكمية مصرف لبنان، في مواجهةٍ تجاوزت في الأيام الأخيرة كل الخطوط الحمر وبدت متّجهةً نحو فصولٍ عاتيةٍ يُخشى أن يقع «رهينتها» اثنان:

  • المودعون الذين بالكاد يجدون مَنْفَذاً على «فتاتٍ» من ودائعهم «المتبخّرة» بالدولار وعلى حساباتهم بالليرة (بما في ذلك الرواتب الموطّنة) التي تخضع لسقوف تقييدية قاسية من البنوك التي انبرتْ إلى «هجوم دفاعي» بإضرابٍ تحذيري غداً وبعد غد مع تلويح بـ «آتٍ أعظم».
  • وعموم اللبنانيين في «آخِر شرايين» الاستيراد التي مازالت تربطهم بأربع مصارف مراسلة والتي تهدّدها المكاسرةُ بين القطاع المصرفي وبعض القضاء مدعوماً أو مدفوعاً من طرف سياسي وازن (التيار الوطني الحر) وفق ما يتّهمه خصومه، وسط معلومات عن أسئلة بدأت تتهافت من مصارف مركزية أجنبية ولجان رقابية في بنوك خارجية حول الهجمة القضائية على البنوك المحلية وحاكمية مصرف لبنان.

وعَكَس الاجتماع الاستثنائي الذي عقدتْه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أمس وخُصص لبحث الملاحقات القضائية بحق مصارف رامياً كرة تصحيح هذا المسار في ملعب السلطة القضائية والنيابية العامة التمييزية و«إلا»، الطبيعةَ «المتفجّرة» لهذا الملف الذي يتوزّع قضائياً بين:

  • الملاحقات التي تقودها القاضية غادة عون بحق حاكم المصرف المركزي رياض سلامة «المطلوب سوْقه مخفوراً» على خلفية اتهامه بملف تهريب أموال إلى الخارج وتبييضها والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي.
  • إصدار القاضية عون قراراتٌ بمنع السفر بحق رؤساء مجالس إدارة 6 من كبريات المصارف تم تجميد أصولها وأعضاء بمجالس إداراتها ومنْعهم من السفر، وذلك في قضية متفرّعة من الأولى وتتصل بتحويل مصرف لبنان 8 مليارات دولار إلى هذه المصارف لدفعها لمودعين خارج لبنان والاتهامات بأن الأخيرة احتفظت بنحو 7 مليارات في خزناتها.
  • توقيف رجا سلامة، شقيق حاكم «المركزي» من القاضية عون في ضوء إخبارٍ في لبنان ضده وضد شقيقه بجرم الإثراء غير المشروع وتبييض أموال، وسط معلومات عن ادعاء في هذا الملف حصل على رياض ورجا سلامة بـ «الإهمال الوظيفي وهدر المال العام وإساءة الأمانة» وإحالة الملف مع الادعاء على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور.
  • الدعاوى من مودعين بحق مصارف للحصول على ودائعهم، وهو ما استتبعه قراران قضائيان بحجز تنفيذي على موجودات مصرفين («فرنسبنك» في مختلف الفروع و«بلوم» في فروع طرابلس) بما فيها الخزائن والأموال وختْمها بالشمع الأحمر.

وعلى وهج هذه القضية وتفاعلاتها الخطيرة، التأم مجلس الوزراء في جلسةٍ حاول معها ميقاتي التقليل من وطأة «انغماس» الحكومة في التدخل بعمل السلطة القضائية، عبر «التراجع» عن دعوة رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ومدعي عام التمييز غسان عويدات ورئيس التفتيش القضائي بركان سعد، لحضور الجلسة التي عكستْ انتقال تشظيات المواجهة بين بعض القضاء والمصارف إلى داخل الحكومة في ضوء أمريْن:

الأول تَصَدُّر ميقاتي جبهة التصدّي لما اعتبره «استخدام الاساليب الشعبوية والبوليسية في مسار التحقيقات والذي أساء ويسيء الى القضاء والى النظام المصرفي ككل»، محذراً «من أن مسار الأمور لدى بعض القضاء، يدفع باتجاه افتعال توترات لا تحمد عقباها، وثمة محاولات لتوظيف هذا التوتر في الحملات الانتخابية».

باسيل: المنظومة السياسية تهبّ لحماية المنظومة المالية وهذه المرة باستخدام الحكومة لفرملة القضاء

والثاني اعتبار رئيس الجمهورية ميشال عون، ان «الحملات الاعلامية التي حاولت الربط بين دور لرئاسة الجمهورية والاجراءات القضائية التي اتخذت في حق عدد من المصارف، هي قمة في التزوير والافتراء والتضليل»، لافتاً إلى أن «كل هذا الضياع يمكن تفاديه من خلال اقرار خطة التعافي المالي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومن ضمنها اقرار قانون الكابيتال كونترول والتي يتوجب على الحكومة الاسراع في انجازها».

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»..بكركي «تنتصر» في إنتخابات الرابطة المارونية..و«سقوط مدو» لمرشح باسيل وكنعان!

وفي السياق نفسه، جاء تحذير رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من أن «المنظومة السياسية تهبّ مجدداً لحماية المنظومة المالية، وهذه المرة باستخدام الحكومة لفرملة القضاء»، قبل أن يحمّل التيار «الحكومة مسؤولية الفوضى المالية بسبب التباطؤ بإقرار خطة التعافي المالي».

ورفض «كل محاولة للضغط على القضاء لكف يده عن الملفات المالية والمصرفية التي يحقق فيها والتدخل بشؤونه من خلال أي إجراء تعسفي قد يتم اتخاذه من خارج الأصول».

وبين «خطيْ التماس» الواضحين، لم تجد الحكومة في اجتماعها الذي تخلله أيضاً كلام لوزير «حزب الله» مصطفى بيرم، اعتبر فيه أن «هناك شُبهة في الرأي العام بأن الحكومة تحرّكت لحماية المصارف ولم تتحرك من أجل المودعين»، إلا أن تضع السلطة القضائية أمام مسؤولياتها، مع تلميح من ميقاتي بأن إقالة مدعي عام التمييز «واردة» بحال عدم ضبط المسار القضائي المتعلق بالقطاع المصرفي تحت مظلة النيابة العامة التمييزية «ومنشيلو عالبيت»، بعدما كانت تقارير تحدثت عن طرح قدّمه رئيس الحكومة لعون بتعيين بديلين عن عويدات وعبود، شرط إبعاد القاضية عون عن ملف المصارف، ولكن رئيس الجمهورية رفضه.

وبعد الجلسة الحكومية، قال ميقاتي «أوكّد مجدداً حرصي وحرص مجلس الوزراء على استقلالية السلطة القضائية وعدم التدخل في الشؤون القضائية احتراماً لمبدأ فصل السلطات.

وبالتوازي، وانطلاقاً من مسؤولية الحكومة في رسم السياسة العامة، وانطلاقاً من مبدأ التعاون بين السلطات وتوازنها وتكاملها وتعاونها، وحرصاً منا على استقرار الأوضاع من النواحي كافة، طلب المجلس أن يأخذ القانون مجراه من دون أي تمييز أو استنسابية وأن تُتخذ المبادرة لمعالجة الأوضاع القضائية وفقاً للأصول وبحسب الصلاحية التي نصت عليها القوانين المرعية الإجراء، وذلك من قبل أركان السلطة القضائية، كلّ بحسب اختصاصه، وبشكل يحفظ حقوق الجميع وفي طليعتها حقوق المودعين».

وإذ أكد «القرار المتخذ في الجلسة السابقة لجهة تكليف وزير العدل وضع رؤية لمعالجة الأوضاع القضائية ومعالجة مكامن أي خلل قد يعتريها وعرضها على مجلس الوزراء قريباً»، قال «وفي سياق متصل كلفنا وزير المال الطلب من مصرف لبنان اتخاذ الاجراءات اللازمة، وبشكل فوري، لعدم تحديد سقوف السحب للرواتب والمعاشات الموّطنة لدى المصارف».

وأضاف: «تبلغنا خلال الجلسة من نائب رئيس مجلس الوزراء سرعة العمل على إنجاز مشروع خطة التعافي ومشاريع القوانين المرتبطة بها تمهيداً لعرضها وإقرارها من مجلس الوزراء.

كما شددنا وتمنينا على المجلس النيابي الكريم الاسراع في اقرار قانون الكابيتال كونترول».

ورداً على سؤال، أعلن«أصررنا على أركان السطة القضائية أن يأخذوا دورهم كاملاً، وهذا هو المطلوب ونحن سنراقب الموضوع عن كثب خلال الأيام المقبلة، ونحن هنا ليس لنحمي أحداً، وكل الحوار الذي جرى اليوم داخل مجلس الوزراء، لم يكن لحماية المصارف أو حاكم مصرف لبنان، بل نحن نحمي مؤسسات وبلداً».

وعن وجود محاولات لدفعه الى الاستقالة، قال: «هذا الأمر غير وارد على الاطلاق، لأن هدفنا اجراء الانتخابات النيابية، وبعد الانتخابات صحتين ع قلبن».

وتابع «حصل تكامل في الآراء من الوزراء القضاة داخل الجلسة على أن بعض الاجراءات القضائية المتخذة ليس في مكانه الصحيح، من هنا تحدثنا عن تصويب المسار القضائي.

والاربعة أجمعوا على ما يمكن للنيابة العامة أن تفعله أو لا تفعله، وعلى أن مصرف لبنان يجب أن يتم مراجعته في الحجز على أي مصرف، وضرورة اتباع قانون اصول المحاكمات الجزائية، خصوصا في المواد التي توجب على المدعي العام التمييزي أن يأخذ دوره».

جعجع يحذّر من «مسرحية سياسية قضائية ظاهرها الانتصار للحق والقانون وباطنها تطيير الانتخابات»

في موازاة ذلك، وفيما تقدمت رابطة المودعين والمحامين«بطلب أمر على عريضة امام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت لإصدار قرار معجل التنفيذ نافذ على أصله بإلزام المصارف اللبنانية المجتمعة في ما يسمى جمعية المصارف اللبنانية بعدم الإقفال (الاثنين والثلاثاء)»، كان رئيس حزب«القوات اللبنانية» سمير جعجع يعبّر عن الخشية من أن يكون الهدف من الإجراءات بحق المصارف «دفعها للإغلاق، الأمر الذي سيمنع إجراء الانتخابات في موعدها لأنه سيتعذر على اللوائح فتح الحسابات وتحريكها أثناء الحملة، في مسرحية سياسية قضائية ظاهرها الانتصار للحق والقانون وباطنها تطيير الانتخابات».

ولم تحجب هذه العناوين الأنظار عن 3 عناوين:

  • الأول زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لمصر والتي سيتخللها اليوم محطة غير مسبوقة لبطريرك ماروني في الجامعة العربية.
  • الزيارة التي يقوم بها ابتداء من اليوم عون للفاتيكان حيث يلتقى غداً البابا فرنسيس في محطة تكتسب دلالات عدة في توقيتها.
  • الموقف الموحّد من عون وميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، رداً على الطرح الخطي للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين والذي بدا معه لبنان وكأنه أطلق «لعم»، على قاعدة دعوة واشنطن لاستئناف رعايتها المفاوضات غير المباشرة عبر طاولة الناقورة، والعودة للاتفاق الإطار الذي انطلقت على أساسه المفاوضات وفق مبدأ الترسيم لا التسوية ولا توزيع الحقول وتقاسُمها.
السابق
ميقاتي يُهدد القضاء ويحمي سلامة والمصارف..وباسيل يَخسر أولى جولاته المارونية!
التالي
الأحزاب التقليدية تخذل النساء مجدداً..والتعويل على قوى «التغيير»