لبنان إحدى ضحايا الحرب الأوكرانية

تحطم طائرة اوكرانيا

المشهد اللبناني يبدو قبل شهرين من انتخابات نيابية متوقعة مخيفا في عالم مأخوذ بأزمة افتعلها بوتين بغزوه أوكرانيا. لم يعد هناك أي اهتمام بأزمة لبنان الذي بات مصيره في مهب الريح.

أورد نواف سلام، ابن العائلة البيروتية العريقة والقاضي في محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، أسبابا عدة تدعوه إلى الامتناع عن الترشّح للانتخابات النيابيّة المتوقعة في منتصف أيّار – مايو المقبل. من بين الأسباب القانون الانتخابي الذي ستجرى على أساسه الانتخابات، هذا إذا أجريت مثل هذه الانتخابات، التي ستبقي الأكثرية النيابيّة عند “حزب الله”. أظهرت دراسات جدّية أن “حزب الله” سيحتفظ بالأكثرية النيابيّة بما لا يقل عن 65 عضوا من أصل 128 في البرلمان. ستبقى الأكثرية النيابيّة في لبنان عند إيران وهذا ما لم يقله صراحة سلام في بيان الاعتذار عن عدم الترشّح. أراد التركيز على الإطار العام للأزمة التي يعاني منها لبنان والتي وصفها بـ”الأزمة البنيوية الخطيرة”.

اقرأ أيضاً: العرب غير منحازين لكن الحياد له ثَمَن

تطرّق سلام، بين ما تطرّق إليه، إلى قانون انتخابي عجيب غريب وضع على قياس “حزب الله”. كذلك، تطرّق إلى عيوب قانون الانتخابات الذي يجعل أعضاء اللائحة الواحدة في منافسة في ما بينهم! سمح القانون في العام 2018 لقاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، وكان لا يزال حيّا، بالقول إن إيران باتت تمتلك أكثرية في مجلس النواب اللبناني.

يبدو المشهد اللبناني قبل شهرين من انتخابات نيابيّة متوقّعة مخيفا، بل مرعبا، في عالم مأخوذ بالأزمة التي افتعلها فلاديمير بوتين بغزوه أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط – فبراير الماضي. لم يعد هناك أيّ اهتمام بأزمة لبنان الذي بات مصيره في مهبّ الريح. صار العالم، بما في ذلك العوالم العربيّة المختلفة، في مكان آخر في ضوء تعقيدات الحرب الأوكرانيّة وتلويح بوتين بالسلاح النووي والتشديد على رغبته في إزالة دولة أوروبيّة من الوجود… هذا إذا لم يحصل انصياع لشروط قاسية يريد فرضها بقوة السلاح وآلة التدمير التي يمتلكها.

في ظلّ هذا المشهد اللبناني المرعب، يسمح “حزب الله” لنفسه في الذهاب بعيدا في تأكيد أنّه مرجعيّة لبنان. هذا ما أثبته اعتداء أنصاره على مجموعة من اللبنانيين في أثناء “معرض الكتاب العربي” في بيروت. اعترض هؤلاء على وجود صور قاسم سليماني التي طغت على كلّ ما عداها في المعرض، الذي هو من أقدم معارض الكتاب في المنطقة العربيّة، والذي كان يرمز في كلّ وقت إلى ثقافة الحياة في بيروت ولبنان. اكتفى المعترضون على وجود صور كبيرة لسليماني بإطلاق هتافات من نوع “بيروت حرّة… حرّة” و”إيران برّا… برّا”. كان اعتراضهم على “الاحتلال الإيراني”. ممنوع على اللبنانيين مواجهة الاحتلال الإيراني… حتّى بالشعارات.

مطلوب، بقوة السلاح والقمع، من اللبنانيين التصرّف مثلما يتصرّف “الثنائي الرئاسي” الذي يضمّ ميشال عون وصهره جبران باسيل. عليهم التعامي كلّيا عن الاحتلال الإيراني وعن سلاح “حزب الله” ووجهة استخدامه في الداخل. يرفض “الثنائي الرئاسي” الاعتراف بالفشل الذي أوصل البلد إليه والخروج في الوقت ذاته من حسابات ضيّقة محصورة في الإتيان بباسيل رئيسا للجمهوريّة. يرفض ذلك استنادا إلى معادلة “السلاح يحمي الفساد” التي هي في أساس وثيقة مار مخايل التي وقعها ميشال عون وحسن نصرالله قبل ستة عشر عاما.

في بلد بلا رأس، اسمه لبنان، من الطبيعي غياب من يقرأ الحدث الأوكراني وخطورته وانعكاساته الإقليمية، خصوصا على النظام السوري الذي يحنّ إليه “الثنائي الرئاسي” والذي أجبره بوتين على الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وانفصالهما عن أوكرانيا.

كان ما حدث بمثابة تثبيت للاحتلال الروسي لجزء من سوريا، كما كان ربطا روسيا مباشرا بين السيطرة على الساحل السوري من جهة والانقضاض على أوكرانيا من جهة أخرى. عشية الهجوم الروسي، زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قاعدة حميميم قرب اللاذقية واستدعى بشّار الأسد لإبلاغه أن الهجوم على أوكرانيا سيبدأ قريبا وأن على النظام السوري الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين.

لا يوجد في لبنان، على مستوى رئاسة الجمهوريّة، من يدرك معنى إجبار النظام السوري على أن يكون تابعا ذليلا لروسيا وانعكاسات ذلك على سوريا المفكّكة نفسها في ظلّ ردّ الفعل الأوروبي، المتسم بالكثير من الذعر، على ما أقدم عليه بوتين.

ثمة فشل لبناني على كلّ الجبهات وفي كل المجالات وجهل لكون إيران تبحث عن طريقة للاستفادة من غزوة أوكرانيا بغية تحقيق مكاسب في مفاوضاتها المباشرة وغير المباشرة مع الإدارة الأميركية.

أسوأ ما في الأمر، أنّ لبنان منغلق على نفسه. يعيش لبنان في عالم خاص به لا علاقة له بما يدور في المنطقة والعالم. ما الذي يمكن توقعه من بلد بلا رأس يرفض رئيس جمهوريته وصهره الاعتراف بأنّ الأمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، هذا إذا كان هناك ما يمكن إنقاذه، مفقود تماما بسبب معادلة “السلاح يحمي الفساد” أوّلا؟

يبدو الأمل مفقودا تماما في غياب طرح موضوع سلاح “حزب الله” والاحتلال الإيراني للبنان… ومحاولة معرفة ما الذي سيستقرّ عليه الوضع السوري، الذي يسير داخليّا من سيء إلى أسوأ، في ضوء الحدث الأوكراني وربط موسكو دمشق بها بشكل عضوي.

اتّبع سلام في شرح أسباب رفضه الترشّح نهجا علميا إلى حدّ كبير. ما الذي يمكن توقعه في نهاية المطاف من بلد ليس فيه من يدرك، باستثناء رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي يعرف العالم وما يتجاوز حدود لبنان، أنّ لا مجال لأيّ مخرج لبناني خارج الإصلاحات؟

هل من يريد الكلام عن إصلاحات حقيقية في كلّ المجالات أم كلّ ما في الأمر أن ثقافة الموت انتصرت نهائيا على ثقافة الحياة في لبنان الذي تحوّل إلى إحدى ضحايا الحرب الأوكرانيّة لا أكثر. لبنان صار ضحيّة في عالم تبدو فيه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران على استعداد لاستغلال كلّ فرصة من أجل المضيّ في مشروعها التوسّعي في المنطقة…

السابق
حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: واشنطن وطهران.. «الشيطان يكمن في موسكو»!
التالي
استدعاء الصحافي محمد نمر بإخبار من رئاسة الجمهورية!