«حزب الله».. عندما تمر طريق فيينا بأوكرانيا!

عرض حزب الله العسكري

فوجئت الأوساط الدبلوماسية والعامّة، بهذا الموقف المتقدّم لوزارة الخارجية اللبنانية، في شأن دوليّ لا يتّصل بلبنان مباشرة. لبنان إتّخذ موقف الإدانة قبل أن تفعل الأمم المتّحدة ذلك. كما لم تفعل مثله أيّة دولة إقليمية سوى إسرائيل، فالدول العربية الصديقة لأميركا وكذلك تركيا، إكتفت بإبداء القلق والمطالبة بوقف الأعمال الحربية، وأنحت إيران باللائمة على دول الناتو. فلماذا هذا الموقف التصعيدي لخارجية لبنان؟ ومن يهتم لهذا الموقف أصلا؟ مثل هذا الموقف لحكومات الدول الحرّة، تأخذه الحكومات بعد قراءة متمعّنة في ما يمكن أن يؤدي إليه، وما يمكن أن يتركه من مفاعيل على علاقاتها، ليس مع البلد المعني فحسب، بل مع باقي دول المجتمع الدولي، وقبل كلّ شيء على الواقع الداخلي في البلاد.

اقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: سلاح لأية قضية

بالطبع لم يهتم معالي الوزير بمفاعيل قراره على الداخل. لا أحد من المسؤولين في لبنان يهتمّ أصلا بالآثار الداخلية لمواقفهم الخارجية. كما أنّ هذا الموقف لا يخدم لبنان بشيء. لبنان معتبر دولة من دون مقوّمات. ومن عام 1995 تراه الدول الغربية العوبة سياسية عند النّظام السوري ومن بعده النّظام الإيراني، وتعلم أنّه لا يملك سياسة خارجية، مع احترامنا الصادق لمعالي الوزير. سياسة لبنان الخارجية يملكها حزب السلاح، أي حزب إيران، المهيمن على مقدّرات الدولة والحكومة. ولذلك فالسؤال هو: هل تمّت إستشارة الحزب قبل إصدار البيان بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا؟

أنا مقتنع بأنّ الحزب منح الضوء الأخضر للرئيس. حزب إيران مهتمّ الآن، بإرسال الرسائل الإيجابية للولايات المتّحدة، ولاسيما مع إقتراب توقيع إتّفاق فيينا حول الأسلحة النووية في إيران. إيران تلوم الناتو، وحزبها يدين روسيا عبر رئيس الجمهورية. ليس هذا فحسب، بل موقفه لا يشبهه إلّا موقف إسرائيل. سبحان الله! فإذا أخذنا بعين الإعتبار ما يجري حاليا على صعيد الإتّصالات الخارجية، فإننا لا بدّ أن نربط ولا شك، هذا الموقف بما يجري من مفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. فحزب السلاح منح الدولة حقّ الكلام الذي لا يستطيع أن يقوله هو نفسه. وهذا الحقّ متّفق مسبقا على مضمونه. الحزب لا يستطيع أن يقول أنّه موافق على ما تريده أميركا بشأن هذا الترسيم، فترك أولا لحليفه في الثنائية السيد نبيه بري، أن يخرج بالإطار التفاوضي “العجيب الغريب”، الذي أسقط الحدود المعترف بها دوليا عملا باتفاق الهدنة لعام 1949، لمصلحة الخط الأمني الأزرق، وأحكم القبضة على سير المفاوضات واستكمالها برضى شريكه حزب السلاح من خلال الإصرار على ربطه بتفاهم نيسان لعام 1996. وهذا يعني أنّ الحزب هو الذي لديه سلطة التقرير متى تصبح أعمال الحفريات الإسرائيلية لاستخراج الغاز والنفط، شأنا مدنيا، ومتى تكون عملا عدوانيا. في حينه، موقف الجيش اللبناني الوطني أوقف تلك المسرحية التي إرتقى فيها السيد بري إلى مستوى الخيانة العظمى، كما قال العميد حطيط.

توقّف كلّ بحث بهذا الشأن بسبب الإشتباك الأميركي الإيراني في إطار المفاوضات في فيينا، وصار الأمر مرتبطا بالمفاوضات الجارية هناك. وعندما تقدّمت المفاوضات، وأصبح الحل وشيكا، برز موقف الحزب الذي منح الدولة حقّ تقرير الموقف بشأن الخط الذي يجب إعتماده للمفاوضات. سبحان الله! حزب إيران يترك للدولة أن تقرر شأنا مصيريّا بهذا الحجم؟؟ سارعت وزارة الخارجية إلى سحب رسالة وجّهتها إلى الأمين العام للأمم المتّحدة، تعتبر فيها خط الترسيم المقبول هو الخط 29، محتجة بأنّ الولايات المتّحدة ترى أنّه: “لا يمكن للمسؤولين اللبنانيين الموافقة بشكل كلامي على التفاوض حول الخط 23، فيما هناك رسالة مكتوبة تطالب بالخطّ 29.” لماذا وافق اللبنانيون كلاميا على التفاوض على الخط 23، وكل ذلك رغم احتجاج رجال القانون اللبنانيين، من مدنيين وعسكريين الذين يجادلون، بأنّ هذا الخط يخالف القانون الدولي، ويوقع بلبنان خسائر جسيمة من مياهه الإقليمية اللبنانية لمصلحة إسرائيل؟ وبمعنى آخر تنازلت حكومة السيد ميقاتي تلقائيا عن حقّها، بمراجعة القضاء الدولي في حال إعترضت إسرائيل على الخط 29، ووضعت الحكومة الأمر قيد التفاوض مع الولايات المتّحدة. والتفاوض مع الولايات المتّحدة طابعه سياسي وليس قانونيا، الأمر الذي يعني أن هناك من سيوظف الجانب السياسي لمصلحته.

ما هي الجوانب السياسية التي يمكن للبنان المطالبة بها؟ وهل لدى لبنان مطالب محدّدة؟ حزب إيران يضع المطالب السياسية وأهل السلطة ينقلونها. تبيّن سريعا، أن المطالب السياسية لحزب إيران وضعتها إيران من خلال مسعى إيراني مع الولايات المتّحدة، يخدم إسرائيل عمليا (وليس أميركا)، وعلى حساب لبنان وشعبه، بغية تمرير الإتفاق الذي تريده في فيينا. سارع حزب السلاح لترجمة المسعى الإيراني. فلبنان لا يعنيه، وهو قال ذلك مرارا. هو يرى أن إيران هي مستقبل العالم كلّه تحت عنوان الدولة الإسلامية.

لكن ما هي مصلحة رئيس الجمهورية؟ في هذا الإطار كشف مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق دافيد شينكر، في مقابلة عبر فيديو مصوّر على موقع “هنا بيروت” عن “عرض قدّمه بعض أعضاء الحكومة اللبنانية، كصفقة لرفع ‎العقوبات عن ‎النائب جبران باسيل. ويتضمن العرض موافقة لبنان على الخط 23 كحد أقصى لحدود لبنان البحرية مع إسرائيل، وهو ما تطلبه إسرائيل خلال عملية ترسيم الحدود.”

السيد باسيل نفى الأمر وقال أنه ليس “عميلا”. عال. المطلوب إذاً وقف التفاوض السياسي. إسرائيل تقول أنّ حدودها البحرية هي الخط 23. وعلى لبنان أن يقول أنّها الخط 29. قد يقع الخلاف، وهذا أمر طبيعي. لهذا الغرض وُجد القضاء الدولي. على لبنان التمسّك بالقانون. فنحن لا نستطيع التفاوض بالسياسة.

بالمناسبة نشير إلى أنّ أولى مشاكل الحرب الباردة بين القطبين الإتّحاد السوفياتي والولايات المتّحدة، إتّصلت بإيران. فقد وقّع الإتّحاد السوفياتي الذي كان يحتلّ إيران خلال الحرب العالمية الثانية، على اتفاق مع حكومتها لإستغلال آبار النفط فيها. فاعتبرت الولايات المتّحدة هذا الإتفاق غير شرعي، لآنّه تمّ إكراها بفعل الإحتلال السوفياتي لإيران. ترى كيف يمكن أن تقبل الولايات المتّحدة اتفاقا مع حكومة لبنانية تقول أنّها تخضع لحزب تصفه بالإرهابي ويتبع إيران؟

السابق
عودة السنيورة لإنقاذ لبنان!
التالي
الحرب في أوكرانيا: هل حققت روسيا أهدافها؟ وماذا يقول الكرملين للروس؟