منازلة بـ «البريد الطائر» بين «حزب الله» و إسرائيل..ولبنان «الساحة» ينكّس رأسه!

بدا العالم أمس وكأنه «يشدّ الأحزمةَ» مع اقتراب أوكرانيا من «فوهة حربٍ» من شأن انفجارها الكبير أو الشامل أن يرسم بالنار تحولاتٍ جيوسياسية لن تكون المنطقة العربية (وشمال أفريقيا) بمنأى عنها، هي التي ترتبط بضفتيْ الصراع (روسيا والغرب) بشبكة مصالح، ومازالت «ملاعب النار» فيها مفتوحة في أكثر من ساحة صارت «حلباتٍ لصراع الجبابرة» ولو بشكل غير مباشر، وتترقّب نتائج وتداعيات مفاوضات النووي الإيراني التي ستشكل معطى مفصلياً في مسار ترسيم النفوذ الإقليمي في رقعةٍ أصبحت منذ نحو عقدين… بقعة دم كبيرة.

ويكاد «رادار» الاهتمام اللبناني بهذا الحدَث المدجَّج بالوقائع المتسارعة والمتدحرجة أن يقتصر على مصير أبناء «بلاد الأرز» في أوكرانيا (بينهم نحو 1300طالب) والذين غادر أقل من ربعهم، كما على تداعيات أي اندلاعٍ للحرب على الأمن الغذائي للوطن البائس الذي يستورد نحو 50 في المئة من احتياجاته من القمح من كييف والبدائل الممكنة و… الآمنة.

أما الأبعاد الـ «ما فوق غذائية» لحال «التعسكر» بين الـ «ناتو» وروسيا فوق أرض أوكرانيا، فلا أحد يتوهّم أن لها مكاناً في «دائرة رصْد» لبنان الرسمي الذي تكرّس التجربة بعد الأخرى أنه يكتفي بمعاينة «عدّاد» الأزمات في الداخل ومع الخارج التي يُجرّ إليها وتشتعل فتائلها من فوق رأسه، بقوّة الضعف الفاضح للدولة عن الإمساك بزمام خياراتها الاستراتيجية وتموْضعاتها وعن التحكّم بـ «زناد» الحرب والسلم.

وهذا ما عبّرت عنه في اليومين الماضييْن «منازلة الردع» في سماء لبنان ومنها، ومن خلف ظهر الدولة، بين «حزب الله» وتل أبيب اللذين تبادلا وبـ «البريد الطائر» رسائل، زرعتْ الشكوك الكبيرة في «وعي» إسرائيل حيال أمنها الاستراتيجي، والذعر الكبير في صفوف اللبنانيين بإزاء أمانهم… المهدور.

وزارة الداخلية اللبنانية تمضي بمطاردة المسيئين للبحرين

منازلةٌ صمّت السلطات الرسمية آذانها عنها، اهتزّت معها الثقة في إسرائيل بـ «القبة الحديدية» وكل منظومتها الدفاعية الجوية التي «غابت عن السمع» على مدى نحو 40 دقيقة حلّت فيها المسيّرة «حسّان» ضيفةً «شبح» على طول 70 كيلومتراً في مهمة استطلاعية تبنّاها «حزب الله» داخل «أجواء العدو» ولم يُكشف سرّها إلا بعدما عادت «سالمة»، قبل أن تحلّ «4 دقائق الرعب الكبير» في صفوف اللبنانيين الذين باغتهم الطيران الحربي الإسرئيلي في «ردّ صوتي» عبر تحليق «بمتناول العين» فوق بيروت خصوصاً، خارقاً جدار الصوت وكأنه «عويل» في الجوّ استحضر معه كثيرون المناخات المروّعة لانفجار 4 اغسطس 2020 في المرفأ، ومخاوفَ من أن يكون الأمر «فاتحة» غاراتٍ حُفرت في الذاكرة منذ 2006.

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: الدولار يتحضر لـ«الطيران» إلى «ما بعد بعد فيينا»!

وفي حين حَمَلَ إطلاقُ «حزب الله» مرحلةً جديدةً من الصراعِ مع إسرائيل، التي كانت أسقطت الخميس مُسَيَّرةً تابعةً له، دلالاتٍ بالغة في التوقيت غداة إعلان أمينه العام السيد حسن نصر الله امتلاك المسيّرات وبدء تصنيعها في لبنان (كما القدرة على تحويل الآلاف من صواريخه إلى دقيقة)، فإنّ أسئلةً تطايرت حول إذا كان «التحليق الترويعي» الإسرائيلي هو «آخر الكلام» رداً على «الخرق بالعمق» من الحزب الذي شكّل تغييراً كبيراً في «قواعد الاشتباك» ولو من دون «طلقة نار»، أم أن تل أبيب تحتفظ بخيارات أخرى في إطار نظرية الردع، ولو كانت الهوامش أمامها ضيّقة في سياق «الرد الجِراحي» الذي لا يستجرّ حرباً لا تريدها.

على أن البُعد الأبرز لعملية «حزب الله» وتدشين «الفصل الجوي» بـ «كتيبة الدرون» من الصراع مع إسرائيل، يبقى ما يعبّر عنه لجهة تثبيت الحزب ركائز منظومته العسكرية خارج الشرعية وبمعزل عنها، في الوقت الذي تحوّلت وضعيّتُه العنصرَ الرئيسي في أزمة لبنان مع دول الخليج التي تشترط معالجة مسألة سلاحه وفق القرارات الدولية وخصوصاً الـ 1559 كمدخلٍ لاستعادة الثقة مع بيروت، وذلك من ضمن إطار متكامل عبّرت عنه ورقة البنود 12 من المبادرة الخليجية التي حَمَلها وزير الخارجية الكويتي احمد الناصر إلى لبنان، إلى جانب عنوان النأي بالنفس ووقف التدخل في شؤون الدول العربية والخليجية وتحويل «بلاد الأرز» منصة «عدوان لفظي وفعلي» عليها.

وإذ كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الأكثر تعبيراً عن معاني هذا التطور بتغريدة ساخرة قال فيها «إن خطة النهوض مع صندوق النقد تتضح وقد أوصى كبار المستشارين من الفريق اللبناني بتبني الليرة واستثمارها في شركات وطنية مثل كهرباء لبنان المثَل الأعلى للنجاح، واقترح توظيف أموال المودعين في قطاع الطائرات المسيّرة المصنوعة محلياً او الصواريخ او المتفجّرات ففيها مردود أفضل»، فإن بعض لبنان الرسمي مضى بمحاولة «إبقاء الخيط» معلَّقاً مع المبادرة الخليجية عبر الإيحاء بأنه يحترم أقلّه مندرجاتها ولو لم يكن قادراً على تنفيذها، وذلك على وقع إعلان رئيس البرلمان نبيه بري أمام مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي «ضرورة تبني المؤتمر الدعوة لبدء حوار لبناني مع دول الخليج برعاية من دولة الكويت».

في هذا السياق، جاء توجيه وزير الداخلية بسام مولوي، الذي سبق أن أعلن منْع إقامة نشاطين مناهضين للبحرين، و«تحدّاه» حزب الله عبر استضافتهما في معقله (الضاحية الجنوبية لبيروت)، كتاباً الى النيابة العامة التمييزية، طالباً «إجراء اللازم تبعاً للنصوص القانونية لناحية ملاحقة المنظمين والمتكلمين في الندوتين اللتين عقدتا في قاعة رسالات في محلة الغبيري وتعرضتا الى السلطات البحرينية الرسمية بشكل خاص ولدول الخليج العربي بشكل عام، وذلك لعدم استحصالهما على الموافقة الإدارية الرسمية المسبقة وفق الاصول القانونية، ولعرقلتهما المهمة الرسمية اللبنانية من أجل تعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي، واستناداً الى نصوص قانون العقوبات المتعلقة بالجرائم الماسة بالقانون الدولي».

بري طالب مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي بـ «تبني الدعوة لبدء حوار لبناني مع دول الخليج برعاية الكويت»

في موازاة ذلك، أعلن مولوي أن «القوى الأمنية تمكنت من إحباط عملية تهريب 700 ألف حبة كبتاغون كانت معدّة للنقل براً بواسطة شاحنة الى السعودية»، وأنه «بعد عملية رصد دقيقة أوقف اللبناني ر.م. في البقاع، وبنتيجة التحقيق معه تبيّن ارتباطه بالمطلوب غ.د شقيق أحد الموقوفين والمتورط في أكبر عملية تهريب حبوب الكبتاغون الى الدول العربية».

ويأتي ذلك، فيما كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يلتقي، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس ويبحث معه في الأوضاع اللبنانية وعمل «اليونيفيل» في الجنوب، ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، ووزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية توبياس ليندر.

السابق
لبنان «يَتنعّم» بالصفقة النووية بعد الإنتخابات..والثورة تزخم لوائحها ومرشحيها!
التالي
نصر الله يطيح رغبة لبنان بتصويب علاقاته بدول الخليج