عن المجلس «الثنائي الشيعي» الأعلى.. الطائفة «تُنكب» مرتين!

ياسين شبلي
في الأيام العشر الأخيرة، تحرك المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مرتين، الأولى عندما رفع دعوى بحق شارل جبور، رئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب القوات اللبنانية، بعد أن وصف عقيدة حزب الله ب"التجليطة"، والثانية عندما أصدر بيانا يتبرأ به من سيد معمم وينزع عنه صفته كرجل دين، بسبب ظهوره في برنامج تلفزيوني يعزف الموسيقى على آلة الأورغ.

هذا التحرك في الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، والضنك الذي يعيشه الناس، يذكرنا بأمثال شعبية لبنانية متداولة ، الأول يقول “الناس بالناس والقطة بالنفاس” ، والثاني وهو الأقرب إلى واقع هذا المجلس يقول “الفاضي بيعمل قاضي”. 

الواقع أن هذا المجلس “الفاضي” والغائب عن الوعي أصلاً، والذي تحول إلى ملكية خاصة للثنائي الشيعي، وأتباعه دون غيرهم من المواطنين الشيعة، لم يكن ينقصه حتى تكتمل مثالبه، سوى إنقضاء مدة ولاية القائمين عليه منذ أواخر السنة الماضية، دون إنتخاب البدائل، جرياً على عادة الثنائي المتحكم بزمام الأمور فيه، عادته في تعطيل المؤسسات في البلد، متى لا تتوافق مع مصالحه القائمة على المحاصصة داخلياً، والمرتبطة خارجياً بأجندات إقليمية، بعيدة كل البعد عن مصلحة اللبنانيين، وفي الطليعة منهم الشيعة. 

فهذا المجلس تعتبر رئاسته وإدارته اليوم غير شرعية، بعد إنتهاء مدة ولايتهم دون إنتخاب البديل، من دون أي عذر شرعي، وكأن إنتهاء مدة الولاية كان مفاجئاً، وهذا يعطينا فكرة عن طريقة التعامل بإستهتار وعدم مسؤولية، مع مصالح الطائفة والناس، وما هذا سوى بسبب الخلاف بين الثنائي حول الحصص بينهما، بشكل باتت تصح تسميته ب “مجلس تنظيم مصلحة الثنائي”، على طريقة مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران.

المجلس الشيعي يتعطى بعدم إحساس بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية و”الدينية” تجاه مشاكل الناس في هذه الظروف الصعبة

لا نقول هذا من منطلق معارضة سياسية أو تنظير أو حرتقة أو “تآمر”، كما يحلو لهذا الفريق دائما مقاربة الأمور ، بل من منطلق “فقه الأولويات” إذا جاز التعبير، فليس من المعقول ولا المقبول، أن يتلهى المجلس بأمور من هذا النوع أو على الأقل يعطيها الأولوية، بينما روائح الفساد تزكم الأنوف في هذا المجلس والمؤسسات التابعة له، كمثل إستيراد البضائع بإسمه من دون دفع الرسوم على أنها تقديمات من المريدين، وهو الأمر الذي لم نسمع عن أي متابعة أو ملاحقة بصدده، أقله لتوضيح الأمور بإستثناء ظهور “محامي” المجلس في حلقة تلفزيونية لتبرير هذا الأمر، بصورة أقل ما يقال فيها  بأنها على طريقة “عذر أقبح من ذنب”.

اما المظالم التي تتعرض لها النساء في المحاكم الشرعية، جراء الفساد الناتج عن المحسوبيات التي تتحكم بكل التعيينات،  والتي فجرت الكثير من الفضائح، التي نتج عنها سيل من الإحتجاجات في الشارع، وعلى عدة جولات أمام مقر المجلس، دون أدنى رد أو محاولة إصلاح، وأحدث هذه الفضائح التي لا تزال “طازجة”، هي فضيحة التحرش الجنسي من قبل شيخ في هيئة التبليغ الديني، بإمرأة مطلقة لها قضية في المحكمة الشرعية، والحملة التي شُنت على المحامي الذي كشف الفضيحة ناعتة إياه ب ” محامي الشيطان “، وهي نفس الهيئة التي “ثارت” على السيد المعمم بسبب عزفه للموسيقى.

 هذا غيض من فيض، عن الفوضى وعدم الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية أولاً،  و”الدينية” ثانياً تجاه الناس ومشاكلهم، في هذه الظروف الإقتصادية والإجتماعية الصعبة، وهذه عينة بسيطة مما يجري في كواليس مؤسسات هذا المجلس، الذي تحول من مجلس ملي لملاحقة أمور الطائفة، إلى مجلس سياسي لملاحقة مصالح الثنائي الحاكم، والمتحكم برقاب أهل الطائفة  فضلاً عن مساهمته الكبرى في التحكم برقاب اللبنانيين أجمعين. من هذه المؤسسات مستشفى الزهراء والجامعة الإسلامية وغيرها، هذه المؤسسات التي تأثرت بالشلل الحاصل والفساد في المؤسسة الأم، مؤسسة المجلس، منذ أن دخل الصراع السياسي والمحاصصة إلى أروقته.

هذا المجلس “الفاضي” والغائب عن الوعي أصلاً والذي تحول إلى ملكية خاصة للثنائي الشيعي وأتباعه دون غيرهم من الشيعة

فالمستشفى التي أنشئت من أجل تخفيف معاناة فقراء الطائفة، ومساعدتهم عبر تبرعات من أبنائها المغتربين والميسورين، تحولت إلى مشروع إستثماري، أشبه ما يكون بصرح سياحي لا يدخله إلا “المترفون”، وكذلك الجامعة الإسلامية  التي كانت منذ سنوات خلت صرحاً علمياً يعتد به، وإذ بها تتحول في السنوات الأخيرة، على ما يبدو، إلى ساحة صراع بين العديد من مراكز القوى، التي قد لا يكون الصراع بينها بعيداً، عن إنفجار فضيحة الشهادات المزورة، التي “أُكتشف” أمرها في العراق مؤخراً ، والتي كان للجامعة منها نصيب مع غيرها، من الجامعات “الإسلامية” الطابع، بحيث دار الحديث عن حوالي 27 ألف شهادة مزورة، وهو حدث جلل يضرب سمعة التعليم في لبنان في مقتل، ومع ذلك لم نسمع بأي تحرك أو تحقيق لكشف ملابسات هذا الموضوع، لا على المستوى الرسمي عبر وزارة التربية، ولا على مستوى المجلس الذي تتبع له هذه الجامعة، بإستثناء إستقالة رئيسة الجامعة، وهي إستقالة أتت على ما يبدو بدافع ذاتي وأخلاقي منها، وهي كما أشير من عدة مصادر، شخصية أكاديمية لا تشوب سمعتها المهنية والأخلاقية شائبة.

الطائفة الشيعية التي لطالما كانت حيويتها في تنوعها الفكري والفقهي الديني والدنيوي اليوم تعاني من الجمود الناتج عن فكر شمولي

إنه لمن دواعي الألم، أن تختصر طائفة بكاملها كالطائفة الشيعية في لبنان، بما لها من تاريخ ناصع في الفقه والإجتهاد والتنوع، ومساهمات جليلة في الفكر الإسلامي، بما أنجبت من علماء أجلاء سليلي عائلات، لها بصماتها في التاريخ الحديث، وشخصيات عملاقة لا يتسع المجال لذكرها هنا، وحتى لا نتهم بممالقة  أحد، أن تختصر هذه الطائفة بمجلس صوري يديره بعض المشايخ،  كممثلين لمرجعياتهم السياسية فحسب ، في الوقت الذي يوجد فيه قامات فقهية وفكرية كبيرة وكثيرة، خارج المجلس لا لشيء، سوى لأنها صاحبة رأي وقرار حر وضمير حي، لا يخضع لإملاءات أمراء السياسة من جهة، والمال “النظيف” من جهة أخرى، على طريقة “سيف المعز وذهبه” . 

إقرأ ايضاً: جوزف حرب..ابن الجنوب الغائب الحاضر في ذاكرة شعرية «مشغولة بالدهب»!

إن الطائفة الشيعية، التي لطالما كانت حيويتها في تنوعها الفكري، سواء الفقهي الديني منه، أو الدنيوي كالسياسة والثقافة والفنون بكل مجالاتها، هي اليوم تعاني من الجمود الناتج عن فكر شمولي، منبثق عن أجندات سياسية وأحلام أمبراطورية، لا مصلحة لها بالتنوع والإنفتاح والتفكير، لأنه مقتلها، ولأنها بعيدة كل البعد عن مصلحة الشيعة العرب، الذين لا مصلحة حقيقية لهم، خارج أوطانهم ومجتمعاتهم العربية، التي عليهم الإندماج فيها، كما أوصاهم الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، والنضال في سبيل تطورها مع غيرهم من المواطنين دون تمييز أو تمايز.

لا مخرج من حالة التسلط والتفرد ولا نجاة إلا بالعودة إلى أساس الفكر الشيعي المتمثل بالإصلاح في كل مناحي الحياة

 قد يبدو هذا الكلام للبعض اليوم غير عملي، بسبب فائض القوة المستعارة، التي ينعم بها البعض نتيجة الظروف الإقليمية، إلا أنه وعلى المدى المتوسط والبعيد، هو الحقيقة التي قد ينجح البعض للأسف، بححبها لبعض الوقت، ولكنه بالتأكيد لن يستطيع حجبها كل الوقت، لأنها هي الأساس، وهي التاريخ الذي لن يستطيع محوه، زعيم سياسي من هنا مهما علا شأنه، أو مجلس مُصَادر ومُغيَّب من هناك، كما غُيِّب مؤسسه في لحظة تاريخية فارقة، لعلها كانت هي المؤسس والمحرك والمدبر، لما وصلت إليه أمور الطائفة اليوم من جمود في الفكر، وتسلط في الممارسة سواء داخل الطائفة أو خارجها، والتي لا مخرج منها ولا نجاة، إلا بالعودة إلى أساس الفكر الشيعي، المتمثل بالإصلاح في كل مناحي الحياة، متمثلين بقول سيد الشهداء إمام الإصلاحيين الإمام الحسين بن علي حين قال، ” إني لم أخرج أشرا ولا بطرا.. ولا مفسدا ولا ظالما.. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر”. فهل هناك من يسمع ويعي قبل فوات الأوان؟ 

السابق
جوزف حرب..ابن الجنوب الغائب الحاضر في ذاكرة شعرية «مشغولة بالدهب»!
التالي
خاص «جنوبية»: بهاء الحريري «خائب الظن»..عائلياً وسُنياً!