«الفظيع وتمثيله»..آخر اصدارات لقمان: عن موت التعبير وانتاج نظام التعذيب!

لقمان سليم

لا شك ان لقاء مقدّرا بين المثقف الثائر اللبناني لقمان سليم الذي دفع حياته ثمنا للحرية، وبين الكاتب والمناضل السوري  ياسين الحاج صالح لن يُسفر الّا عن كتاب على شاكلة «الفظيع وتمثيله»، الذي عرّى النظام الأمني السوري باسلوب سردي علمي وواقعي فريد.

وكان صالح اعتقل لاسباب سياسية عام 1980، ثمّ حكمت عليه محكمة “أمن الدولة” في دمشق بالسجن خمس عشرة سنة، بعدها قضى عامًا إضافيًا دون وجه قانوني.

ولما صدر الكتاب عن دار الجديد بعد اغتيال لقمان صاحب الدار، فقد اختار ياسين الحاج صالح ان يهدي كتابه الى من رعى إصداره ولم يشاهده مطبوعا “الى لقمان  الشريك في اختبار الفظيع”، كما اهداه الى زوجته المخطوفة المناضلة سميرة خليل، ومما كتبه في مقدمة كتابه ما يلي:

“مساء يوم 2 شباط 2021، وصلتني من لقمان رسالة تقول: “هل لك بنظرات أخيرة على الفظيع قبل وضع اللمسات الاخراجية الاخيرة وتركه لمصيره ككتاب؟ “الفظيع” هو هذا الكتاب الذي بين يدي القارىء. لقمان يضيف: “في الصفحة 84 ملاحظة آمل ألّا تفوتك”. ويختم: “على أن، سلام”.

تنظر في قضية حرية التعبير من زاوية مختلفة زاوية موت التعبير أو قتل القدرة التعبيرية

 ومما كتبه المؤلف: القتل الحقود للقمان يندرج ضمن نموذج “الفظيع” هذا الذي يتقصاه الكتاب في قسميه، قسم أول يتناول تحطيم الاجساد، وقسم ثان يحاول التفكير في تسمية وتمثيل تحطيم الأجساد. يبدو هذا مبعث تشاؤم، فالفظيع لا يستسلم للتمثيل: يقتل لقمان ليقول انه لا يزال في ريعان شبابه، ان محاولة وصفه وكتابة سيرته سابقة لأوانها، وان من يفعل يمت. لكننا نعلم، وكان لقمان يعلم ان الفظيع لا ينتظر ان يسمى ليستسلم، مثلما نعلم ان تسميتنا له جزء من صراعنا معه، صراع كان مكلفا على الدوام، كان اشتباكا مع التعذيب والقسوة والخسارة، كان الموت افقا دائما له. لقمان برهن عن ذلك في حياته وفي موته.

تجربة واختبار الفظيع

الكتاب يتوزع الكتاب على قسمين متساويين، القسم الأول من الكتاب يحيط بإنتاج الفظيع ومنتجيه، فيما يعتني القسم الثاني بتمثيل الفظيع، بكيفية التفكير فيه والتعبير عنه، بما نولّده من أشكال استجابة لتحدي التجريد من الشكل، وكذلك بامتناع التمثيل وتعثّراته وفشله.

من حيث هو محاولة لتسمية شرطنا، فإن مفهوم الفظيع ذاته لا يرد إلا في القسم الثاني. تجربة الفظيع تسبق التفكير فيه وتمثيله، لكن لعلنا لا نمتلك هذه التجربة، فتطويها، دون أن نشتغل على تمثيلها واستيعابها، ودون تحكيمها أو “أخذ رأيها” في أدواتنا وطرقنا في التعبير والتفكير.

لم يعد مسلكاً مثمراً من طرفنا، ونحن سلفاً في العام العاشر من اختبار الفظيع، أي من تقدّم فقد شكلنا، أفراداً ومجتمعاً وبلداً وثقافة – أن نثابر على طرق التعبير والتمثيل وأدواتهما السابقة التي توسّلنا بها خلال هذا العقد، وأن لا نعمل على تطوير مجال التعبير/ التشكيل/ التمثيل.

طرقنا القديمة غير حساسة لتجاربنا الجديدة، المهولة، بل هي تُطبّع الهول عبر إدراجه في لغة وأساليب وتعابير سابقة له، فتثلم الحس بالفظاعة، بدل أن تشحذه. يتطلع هذا الكتاب لأن يكون مساهمة في وعي الفظيع في زمن قريب من وقوعه – يتطلع لأن يحفّز غصباً أخلاقياً، ولأن يدفع نحو الإبداعية والعدالة.

في القسم الأول من الكتاب أربع مقالات: تعني الأولى الحب، والتعذيب والاغتصاب، والإبادة، بما يجمع المدركات الثلاثة الأولى من تجاوز للحدود، رضائي في حالة الحب، وإكراهي في التعذيب والاغتصاب، وما يجمع التعذيب والاغتصاب والإبادة من تجاوز حدود الفرد فالمجتمع فالإنسانية.

وتهتم المقالة الثانية، علاقات التعذيب السياسية، بإظهار أن التعذيب هو العلاقة السياسية الأساسية في سوريا الأسد طوال نصف قرن، وبالتالي على أن كل كلام في السياسة ينبغي أن يبدأ من هنا.

أما المقالة الثالثة، السُّنة التدمرية، فتفكر في تعميم نظام معسكر التعذيب في تدمر على سوريا بعد الثورة، وتقابل بين نمط القتل الأٍدي وكل من شقيقيه النازي والستاليني، وتُرجع الاستعدادات الإبادية للنظام إلى تحوّل الطائفية بعد الثورة السورية باتجاه عنصري.

القتل الحقود للقمان يندرج ضمن نموذج “الفظيع” هذا الذي يتقصاه الكتاب

وتتناول المقالة الرابعة، قبر للمرء جميعه، التغيرات الكبيرة في موت السوريين بالتوازي مع تحولات حياتهم بعد تمردهم على الحاكمية الأسدية.

هذه الفصول الأربعة تتكلم عن إنتاج الفظيع ونظامه.

تمثيل الفظيع وإمكانيته

وفي القسم الثاني أربع مقالات/ فصول، تتكلم على تمثيل الفظيع وإمكانيته:

المقالة الأولى، مسالك حيال الفظيع، تعمل على تعريف الفظيع، وتميز بين أربعة سبل مختلفة للتعامل مع خبرة الفظيع؛ الغضب والإدانة، الصمت والانسحاب، “الإبداع”، والعنف.

تنظر المقالة الثانية، تحديق في وجه الفظيع، في النقاش السوري حول الصور الفظيعة، وتنحاز إلى وجوب أن تتاح الصور للعموم، بخاصة إن كنا لا نعاني مباشرة من واقع الفظاعة، وهذا لأن ثقافتنا التحررية المأمولة ستُبنى على تجاربنا المدمرة الراهنة.

يفكر النص الثالث، الكلوم والكلمات، في تمثيل تجاربنا وأزماتنا، ويميز بين وجهين للتمثيل، التعبير المتصل بالتجارب والتشكيل المتصل بالتراث. وتنظر المقالة في تمثيل تجاربنا في إطار تصور أوسع للتمثيل يشمل التمثيل السياسي وتمثيل الأعمال بدخول وعائدات…

أما المقالة  وهي النص الرابع والأخير: الكلمات والعنف والدموع، فتحاول الإجابة عن سؤال ماذا يحدث حين تفشل الكلمات، وتنظر في قضية حرية التعبير من زاوية مختلفة، زاوية موت التعبير أو قتل القدرة التعبيرية أكثر من قمع التعبير.

السابق
خاص « جنوبية»..الدولار يعود إلى «جنونه» بعد تعثر الموازنة!
التالي
خاص «جنوبية»: «يويو» جداول يومي..أسعار المحروقات تشتعل والمازوت مفقود!