حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران.. «يتمنعن وهُنّ الراغبات»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بعد كلام المرشد الاعلى للنظام الايراني عن “الحوار مع العدو ورفض التسليم له ولظلمه” ، يبدو ان الموقف الرافض لامكانية الحوار مع الولايات المتحدة الامريكية، بهدف عودتها الى المفاوضات المباشرة داخل الاوساط الايرانية الموالية للنظام، وداخل التيار المحافظ بدأت بالتراجع، او بدأت تأخذ منحى يميل الى الليونة التي تذكر بمصطلح “الليونة الشجاعة”، الذي استخدمه المرشد عام 2015، عشية التوقع على الاتفاق مع السادسية الدولية. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص بكتب لـ«جنوبية»: «الدليل الحيران» بين باقري وعبداللهيان!

في الاشهر الاخيرة، مع عودة ايران الى طاولة التفاوض لاعادة احياء الاتفاق النووي، مع مجموعة 4+1 من دون واشنطن، كنوع من العقاب الايراني لها على قرار انسحابها من الاتفاق. انقسمت القوى السياسية الايرانية بين مطالب بالحوار المباشر مع واشنطن، توفيرا للوقت والجهد والتقليل من الاثمان والاكلاف، التي ستجنيها الاطراف التي تلعب دور الوسيط، وبين قوى تدعو للتشدد وعدم تقديم اي تنازل، يسمح للطرف الامريكي بالعودة كشريك في المفاوضات، قبل اعلان تراجعه عن كل الاجراءات التي اتخذها ما بعد 2018، وقرار الرئيس السابق دونالد ترمب بالانسحاب، وهي الخطوة المطلوبة التي تسمح له بالعودة الى طاولة التفاوض. 

يبدو ان الموقف الرافض لامكانية الحوار مع الولايات المتحدة الامريكية بهدف عودتها الى المفاوضات المباشرة داخل الاوساط الايرانية الموالية للنظام وداخل التيار المحافظ بدأت بالتراجع

الحملة الواسعة والسقف العالي، لمواقف القوى المعتدلة والاصلاحية الداخلية، المطالبة بالتفاوض المباشر مع واشنطن، انطلاقا من قناعة ان مجموعة 4+1، تشكل واجهة للتفاوض غير المباشر مع واشنطن، خاصة وان الطرفين محكومين لاحقا بالجلوس معا والتفاوض المباشر. لم تترك – هذه الحملة – اي اثر على الموقف الرسمي للنظام، وتدفع لتغيير موقفه والتشبث بمبدأ رفض الذهاب الى هذا المسار، وترجح خيار التمسك بالمفاوض الوسيط، الى حين نضوج الامور ومعرفة اتجاهاتها. 

انقسمت القوى السياسية الايرانية بين مطالب بالحوار المباشر مع واشنطن وبين قوى تدعو للتشدد وعدم تقديم اي تنازل

النظام كان واضحا في موقفه من النتائج التي ينتظرها من مفاوضات فيينا، وقد اعترف مؤخرا انه تلقى عرضا امريكيا، عبر الوسطاء الاوروبيين (الترويكا الاوروبية) وروسيا، بامكانية التوصل الى اتفاق “مؤقت” لمدة سنتين، كمرحلة انتقالية، ولتلافي تداعيات المفاوضات الطويلة زمنيا وامكانية فشلها في النهاية، بان تقوم بموجبه واشنطن بالغاء جزء من العقوبات، مقابل تخلي ايران عن انشطتها النووية التي استأنفتها منذ عام 2019. 

واعتمد النظام، الذي اعتبر هذا الاقتراح بانه اقتراح اسرائيلي ويخدم مصالح تل ابيب، اعتمد على مسألتين في رفضه. اولا ان القانون الذي اقره البرلمان حول الاتفاق النووي في نوفمبر 2020، يشترط على الحكومة الغاء جميع العقوبات قبل اي خطوة تنازلية، او العودة الى الوضع السابق، وثانيا ان هذا النوع من الاتفاق، سيبقي الازمة بين طهران وواشنطن تراوح مكانها، لانها لا تغير الوضع القانوني لواشنطن، ولا يسمح بعودتها كعضو شريك في الاتفاق والسادسية الدولية المعنية بالاتفاق. 

اعترف مؤخرا انه تلقى عرضا امريكيا عبر الوسطاء الاوروبيين (الترويكا الاوروبية) وروسيا بامكانية التوصل الى اتفاق “مؤقت” لمدة سنتين كمرحلة انتقالية

مع استبعاد اي امكانية لاتفاق مؤقت، ارتفعت في الايام الاخيرة حظوظ التوصل الى اتفاق، يقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، خصوصا مع اجماع جميع الاطراف،  على حصول تقدم ايجابي، حتى ولو كان بطيئا، قد ينتهي الى اتفاق في وقت قريب. حسب الشواهد الصادرة من فيينا، بان نص التفاهم سيعلن عنه في وقت اقرب من المتوقع، وان هذا التقدم جاء نتيجة قراءة موضوعية لطرفي الازمة، وبعد ان وجد الجانب الايراني نفسه مجبرا على استخدام سلم النزول عن المواقف العالية التي اتخذها، في مقابل الحاجة الامريكية لهذا الاتفاق، الذي يشكل المدخل العملي لوقف الانشطة النووية الايرانية، ويمهد الطريق امام عودة واشنطن الى طاولة التفاوض. 

واذا ما كانت الصيغة الجديدة للاتفاق، اي الخطوة مقابل الخطوة، مرفوضة من الجانب الاسرائيلي، الذي يعتقد بانها لا تستجيب لمخاوفه ومخاوف العديد من الدول الاقليمية، القلقة من البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي للنظام في ايران، فضلا عن انه لا يعطل البرنامج النووي. الا ان هذا التفاهم على ما يبدو، هو الذي فتح الباب امام المرشد الاعلى، رفع  “حُرُم” العودة الى التفاوض مع الجانب الامريكي “العدو”، وبالتالي وضع ايران على سكة الخروج من دائرة العقوبات. خاصة وان مثل هذه الصيغة تسمح باستمرار المفاوضات، بعيدا عن التوقيتات والسقوف الزمنية، وتساعد على الوصول الى اتفاق اكثر ثباتا، وبعيدا عن الثغرات التي نفذ منها ترمب وسمحت له بالانسحاب من الاتفاق. 

تبدو الحاجة الايرانية للتوصل الى اتفاق تزداد الحاحا نتيجة الازمات الاقتصادية الداخلية وضرورة تثمير الجهود الدبلوماسية

الليونة الايرانية، والمسار التنازلي المتدرج الذي اعتمدته، قد لا يعني التوقف ايرانيا عند مطلب الغاء عقوبات ما بعد 2018 ، بل بمحاولة الحصول على الية امريكية لا تسمح باعادة تجربة تعطيل الاتفاق، وايضا المطالبة بالغاء واشنطن شرط تجديد توقيع الرئيس الامريكي على الاتفاق كل ستة اشهر، والغاء موافقة (OFAC) على المشتريات الخارجية الايرانية خاصة في مجال نقل الجوي والطائرات المدنية)، والتفاوض لالغاء البند المتعلق بتفعيل آلية الزناد او “سناب باك”، في قرار مجلس الامن رقم 2231 التي تسمح بتفعيل العقوبات الدولية. 

وتبدو الحاجة الايرانية للتوصل الى اتفاق تزداد الحاحا، نتيجة الازمات الاقتصادية الداخلية، وضرورة تثمير الجهود الدبلوماسية، التي بدأتها بالتأسيس لاتفاقيات وتفاهمات سياسية واقتصادية، مع دول الجوار العربي والاسيوي، وكذلك العودة الى الاندماج مع المجتمع الدولي والاسواق العالمية. لان هذه المساعي ومعها كل الجهود الدبلوماسية، ستبقى رهينة التوصل الى تفاهم يعيد احياء الاتفاق النووي، خاصة وان الاطراف الاقليمية والدولية، تربط اي تقدم على المسار الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي، بنتائج مفاوضات فيينا، وبوابة الوصول الى حل لهذه المعضلة، يمر عبر بوابة الحوار والتفاوض المباشر مع واشنطن. وان كل التسويغات التي بدأ المحافظون او المتشددون يقدمونها، لاي حوار محتمل مع الادارة الامريكية، هي تعبير عن احساس عميق بضرورة ومصيرية هذه الخطوة على مستقبل ايران، وبالتالي باتت محور اهتمام ونقاشات الدوائر الخاصة، والمقررة في هرمية السلطة والنظام ، وان توضع في مقدمة اهتمامات مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي يستعد لتقديم الغطاء الايديولوجي والمصلحي والوطني لهذه الخطوة، التي من المفترض ان تترجم بمواقف تصدر عن المجلس الاعلى للامن القومي، المكلف برسم السياسات الاستراتيجية للنظام، بالتشاور مع المرشد الاعلى، وتنفذها وزارة الخارجية بما هي الاداة الدبلوماسية للحكومة المنبثقة عن النظام. 

السابق
غرف العزل مشغولة بنسبة 85%.. هذا واقع مُستشفيات لبنان مع «كورونا»!
التالي
بعدسة «جنوبية»: وقفة احتجاجية أمام السفارة الفرنسية.. ماذا يحدث؟