لبنان «المنكوب»: إلى تبادُل الطعنات السياسية دُر

المجلس الاعلى للدفاع

على وقع تعطيل آليات الحُكْم فيه، يدخل لبنان عطلةَ الميلاد وبعدها رأس السنة التي لن تطلّ بـ «طبْل وزمر» ولا بأجراس فرح تحجبها طبول «الحروب» السياسية الطاحنة و«نواقيس الخطر» التي تُقرع بإزاء موجة يُخشى أن تكون الأعتى في الانهيار المالي وتردداته، كما «تسونامي» أوميكرون الذي يشغل العالم وتُلاقيه «بلاد الأرز» بنظام صحي متهاوٍ يُنْذِر بـ«كارثة محتمة».

ولم يكن ينقص الأعياد التي تحلّ أساساً كئيبةً بعدما أُلبِس لبنان «حلّة البؤس الجَماعي»، إلا أن يسبقها إطفاء «قطرة الأمل» بأن يحمل مطلع السنة اختراقاً في الأزمة الحكومية لجهة الإفراج عن جلسات مجلس الوزراء، وهو ما بات في ذاته إنجازاً في ضوء تَقَلُّص «بنك أهداف» ما كان يُفترض أن يكون «حكومةَ إنقاذٍ» إلى انتشال نفسها من الحفرة التي وقعت فيها بفعل التدافع الخشن بين مكوّناتها على تخوم ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت بعدما رفع الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري «البطاقة الحمراء» بوجه المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، قبل أن تتناسلَ هذه الأزمة وتتشابك مع استحقاق الانتخابات النيابية (مايو 2022)، وتفجِّر «قلوباً مليانة» على «جبهات رئاسية» تشي بمزيد من «الاشتعال» في «أول دخول 2022».

عون: لست ملزماً بالتوقيع وحدي على أي قرار ولا يمكن اختصار مجلس الوزراء في ظل حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية

فبعدما علقت الصفقةُ التي كان يُعمل عليها على خط فريق عون – الثنائي الشيعي لمعالجة قضية بيطار في «حقلِ نيرانِ» حساباتٍ متضاربة لأطرافها و«جرعةٍ زائدةٍ» من الشهيات المفتوحة على تعييناتٍ قضائية ومالية – مصرفية وقياسٍ لمنطلقاتها بـ «ميزان» وقْعها الخارجي، انتقلت البلاد إلى «حبْس أنفاس» لـ «ربْط النزاع» الذي أحدثه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مع النكسة التي تعَرَّض لها عبر فشل المجلس الدستوري في التوصل لقرار في شأن الطعن الذي تقدّم به تكتله في التعديلات على قانون انتخاب 2017 ما جعل هذه التعديلات نافذة، وفي مقدّمها إبقاء اقتراع المغتربين للنواب الـ 128 (كل مغترب للنواب المحدَّدين للدائرة المسجَّل فيها بلبنان) وإرجاء استحداث الدائرة 16 بنوابها الستة الإضافيين.

ومع الاتهام المباشر من باسيل للثنائي الشيعي بالمسؤولية عن «سقطة» المجلس الدستوري التي اعتبرها «قراراً سياسياً» وضرْباً للميثاقية ولصلاحية رئيس الجمهورية بردّ القوانين عبر «اللعب» بكيفية احتساب الغالبية المطلقة وجعْلها قياساً لعدد النواب الأحياء عوض الذين يتألف منهم البرلمان قانوناً، فإن الأنظار شخصت إلى ترجمات ما اسماه رئيس «التيار الحر» المترتبات السياسية على ما حصل «ومنحكي فيها بعد الأعياد».

إقرأ ايضاً: حين تستبد «الأحزاب الإلهية» بأبناء الطائفة الشيعية!

وبدا واضحاً في رأي أوساط سياسية أن الطعنَ الذي لم يمرّ فَتَح الباب أمام مرحلة من «تبادُل الطعنات» لن تنتظر ولادة السنة الجديدة حتى وستتمدّد إلى جبهة عون – رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التي «تتحرّك» تباعاً، منْذِرةً بتعقيداتٍ إضافية على الأزمة الحكومية، وهو ما عبّرت عنه الوقائع الآتية:

• كلام باسيل نفسه الذي اعتبر أن ما جرى عشية صدور «لا قرار» المجلس الدستوري خلال زيارة ميقاتي لبري وخروج الأول منها معلناً أنه «غير معني» بالصفقة التي كانت تُطبخ بأنه «مسرحية لا يعتقد أحد أنها مرقت علينا»، نافياً وجود مثل هذه الصفقة رغم كشفه أنه تلقى اتصالاً، قبيل البت بالطعن، يعرض عليه تغطية انعقاد جلسة للبرلمان والتصويت لمصلحة تجزئة مهمة بيطار وسحْب ملاحقة رؤساء الحكومة والوزراء من يده لـ «المجلس الأعلى» لمحاكمة هؤلاء في مقابل قبول الطعن.

ميقاتي: هناك خشية من أن تقود دعوة مجلس الوزراء إلى تصدُّع يجب التعاون لتفاديه

• حديث باسيل عن «حلف رباعي جديد» (بين القوى المسلمة الأساسية وأطراف مسيحية) بوجه «التيار الحر»، ما عَكَسَ أن هذا الشعار سيعتمده «التيار الحرّ» في الطريق إلى انتخابات مايو 2022 لمحاولة «شدّ العصَب المسيحي» وإحياء تجربة 2005 حين شكّل هذا الشعار منصةً اكتسح عبرها الجنرال ميشال عون آنذاك الأصوات المسيحية، مع ما يستتبعه ذلك من صعوبة تَصَوُّر أن يقوم التيار من الآن وصاعداً بأي خطوة خارج حسابات الربح والخسارة الشعبية في انتخاباتٍ يخوضها باسيل تحديداً وكأنها استحقاقين في واحد: نيابية ورئاسية.

• مسارعة رئيس «التيار الحر» الى ترسيم مساحة اشتباكٍ موثّقة مع ميقاتي الذي يرفض الدعوة لأي جلسة لمجلس الوزراء لا يحضرها وزراء الثنائي الشيعي والذي لمحت حركته في اتجاه بري عشية قرار «الدستوري» والبيان الذي أصدره بعدها إلى أنه «انتفض» بوجه تسوية حيكتْ وأريد للحكومة أن تشكل جزءاً منها.

وفي هذا الإطار، تقدّم 10 نواب من تكتل باسيل أمس بطلبٍ من بري لعقد جلسة مساءلة للحكومة كونها «تمتنع عن الاجتماع ولا تمارس دورها في الحد من الانهيار ومعالجة الأزمات المتفاقمة ما يزيد من معاناة المواطنين».

وجاء هذ التطور على وقع هجوم عنيف شنّه موقع «لبنان 24» (يملكه ميقاتي) على باسيل واصفاً إياه بـ «دون كيشوت الجمهورية اللبنانية» على خلفية قوله «لا تظنن أننا صدقنا المسرحية التي رأيناها البارحة في عين التينة (لقاء بري – ميقاتي)»، مستعيناً للردّ عليه «بقولٍ شعبي نستعير الجزء اللائق منه، شيلي اللي فيك وحطيه فيي»، ومتوجهاً إلى باسيل «لا تظنن أحداً صدق مسرحية حقوق المسيحيين التي تتخذها شمّاعة كلما وجدتَ نفسك مزروكاً في موسم الانتخابات (…) اوقف(حرتقاتك)وآن لك أن تقتنع أن بضاعة( ما خلّونا)باتت كاسدة، وكفّ شرّك عن الناس واتعظ».

• كلام رئيس الجمهورية أمس خلال ترؤسه اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي مدّد العمل بالتعبئة العامة لزوم التصدي لـ«كورونا»، وتحديداً قوله «إن مقاطعة جلسات مجلس الوزراء فعل إرادة من أعضاء موجودين فيه وهذا غير مقبول.

واذا كان هناك اعتراض على موضوع معين فيمكن معالجته من خلال المؤسسات»، معلناً في تكرار لرفضه توقيع موافقات استثنائية «يجب انعقاد مجلس الوزراء وانا لست ملزماً بالتوقيع وحدي على أي قرار ولا يمكن لأي توقيع اختصار مجلس الوزراء في ظل حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية»، و«أي تشكيلات او ترقيات تجري في القوى الأمنية يجب ان تستند الى الأصول»، وداعياً «لمتابعة عمل بعض الجمعيات الأهلية بعد معلومات عن تمويل خارجي لها للقيام بأنشطة سياسية في الانتخابات».

في المقابل، قال رئيس الحكومة «هناك خشية من ان تقود دعوة مجلس الوزراء الى تصدُّع يجب التعاون لتفاديه واننا جميعاً متضررون من عدم انعقاده، ونأمل أن نتمكن قريباً من الدعوة الى عقده لمعالجة المواضيع الملحة»، مضيفاً: «أنا حريص مثل رئيس الجمهورية على انعقاد مجلس الوزراء. لقد كُتب على من يتولى المسؤولية في هذا البلد ان يعمل على تقريب المواقف ووجهات النظر وليس زيادة الشرخ».

ويُذكر أن «الأعلى للدفاع» اتخذ بعض القرارات التي تتعلق بالأوضاع العامة وذات الطابع الأمني، لا سيما المتصلة «بمسائل التهريب على المعابر الشرعية وغير الشرعية وانتاج وتجارة المخدرات وعمل منصّات سعر صرف الدولار الأميركي ومراقبة أسعار السلع الاستهلاكية».

السابق
حين تستبد «الأحزاب الإلهية» بأبناء الطائفة الشيعية!
التالي
«حافة الهاوية»..«الاهتزاز الأعنف» في علاقة «الحزب والتيار»!