حين تستبد «الأحزاب الإلهية» بأبناء الطائفة الشيعية!

علي الامين

 مهما علت الشعارات الرنانة والمخادعة عن “مصلحة الشعب” أو “ارادة الأمة”، و “الكرامة الوطنية” أو حقوق الدين والطائفة والمذهب، فهي لن تقوى على “تجميل” بشاعة ترسيخ احادية السلطة أو نظام الاستبداد، عبر قمع أو “قبع” كل من مختلف أو معارض.

 وليس بعيدا من ذلك، يشكل المسار الطائفي أو المذهبي في لبنان احد أبرز مصادر الاستبداد والالغاء، عبر استثمار معظم أركان السلطة هذه المسارات، لتعزيز نفوذهم واستئثارهم بالسلطة، وتفادي اي مساءلة أو محاسبة. 

على أن ما يمكن ملامسته في الاطار الشيعي اللبناني، أن المتسيّد فيها اليوم، كما لم يحصل لها في التاريخ اللبناني الحديث على الأقل، هو صاحب شلال من الدماء يتدفق منذ عقود، و يمتلك قوة عسكرية وأمنية، ترهب الأفراد والشيعة على وجه العموم، تخاطب في نفس الوقت، شعوراً خبيثاً موجودا في كل جماعة طائفية،  ألا و هي النشوة بالقوة والغلبة على بقية الطوائف.

ما يمكن ملامسته في الاطار الشيعي اللبناني أن المتسيّد فيها اليوم هو صاحب شلال من الدماء يتدفق منذ عقود

هذا التداخل، بين إلغاء التنوع داخل البيئة الشيعية وترسيخ الآحادية، وبين نشوة القوة والغلبة على اللبناني الآخر، يوفر سبيلا لتسليم البيئة الشيعية بالواقع المشوّه، الذي من شأنه ان يخفف الشعور بالضعف والعجز، إزاء مواجهة التحديات الوطنية الحياتية، بما هي فعل تفاعل اجتماعي وسياسي واقتصادي  وثقافي، ويرسل لدى هذه البيئة  ثقافة العزلة  أو”الفرقة الناجية” و”شعب الله المختار”. وهذا ما تفعله بالضبط، ما اصطلح على تسميتها “الثنائية الشيعية”، التي هي بالفعل احادية، يقرر مسارها “حزب الله” بمظلة إيرانية، بعدما تراجعت المظلة السورية وانكفأت، لصالح قائد واحد في إيران.

إقرأ أيضاً: منظومة..«عذر أقبح من ذنب»!

الاستثمار في الجهل، اي في تجريم الاختلاف، وتشويه مفاهيم الدولة والمواطنة، والاعلاء من شأن الهوية الخاصة في مقابل الهوية الوطنية، وترسيخ ثقافة الخروج على قانون الدولة ودستورها، في مقابل تمجيد ما يضر بمصالحها، ليتحول تهريب المازوت عبر الحدود الى “انتصار وانجاز”، وخروج المقاتلين من اللبنانيين الشيعة للقتال، في دول مختلفة وبما يخالف القوانين، بمثابة “عمل بطولي”.

اهتزاز المفاهيم وتشويهها ديدن كل متسلط ومستبد، هكذا فعل “حزب الله” ولا يزال في البيئة الشيعية وعلى المستوى اللبناني، إذ لا يرى الوطن الا على صورته، فلا وجود لمواطنين خارج هيئته ومثاله، ولا دولة خارج نظام مصالحه، ولا معنى للسيادة خارج سلطته وتسلطه، ولا شركاء خارج طاعته، ولا سلاح فوق سلاحه، ولا مقاومة للاحتلال خارج ما يقرره، و بالتالي يضرب بعرض الحائط مبادئ المواطنية والتعددية والديمقراطية.

ما تصنعه سلطة “حزب الله” داخل البيئة الشيعية، هو تشكيل الطائفة على صورتها، بلا تعدد ولا تنوع، كتم التمايز، والاعلاء من عبادة القائد، نسف فكرة الاجتهاد الأصيلة في المذهب الشيعي، وهي التي رسخت الاختلاف والتعدد على مستوى فهم النص الديني، فكيف في الشأن العام والقضايا السياسية النسبية.

رسم صورة الطائفة من قبل “حزب الله”  هو فعل مناقض لسياق تاريخي وثقافي وحضاري أسس له عشراتبل مئات من المفكرين والعلماء الشيعة في لبنان

رسم صورة الطائفة من قبل “حزب الله”،  هو فعل مناقض لسياق تاريخي وثقافي وحضاري، أسس له عشرات، بل مئات من المفكرين والعلماء الشيعة في لبنان، من عبد الحسين شرف الدين، وحسين مروة، إلى محسن الأمين، وموسى الزين شرارة، واحمد بيضون، وليلى الحر، وزينب فواز، وعلي مروة، ومحمد مهدي شمس الدين، ومهدي عامل، و اللائحة تطول.. من محمد علي الحوماني، وطلال حيدر وهاني فحص وحبيب صادق، ومحمد حسن الأمين، الذين ومعهم الكثيرين، رسخوا بغناهم الفكري والديني والثقافي، التنوع والحيوية الفكرية والثقافية، فيما  لا يسع “حزب الله” الا “التغني”، بأنه فرض احاديته، التي نمت على شرط تصحر ثقافي وفكري غير مسبوق في تاريخ هذه الطائفة، و على اساس قوة ونفوذ، لا يستقيمان خارج طغمة السلاح!

السابق
صور تهنئة بعيد الميلاد المجيد لعام 2022
التالي
لبنان «المنكوب»: إلى تبادُل الطعنات السياسية دُر