«جنوبية» تحاور الشاعر محمد علي شمس الدين: الوطن لصوص أشداء.. والناس تئن وتتجرع السم!

الشاعر محمدعلي شمس الدين

شاعر بمذاق الحياة الطيبة، عاش ويعيش حياته بهدوء المتأمل، وقلق الباحث، وفرح الأيام، وتبقى القصيدة مرآته الصافية. الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين الذي يواصل مسيرته الشعرية بثبات وخطوات جارية في بحر الصفاء والعشق والتصوف والانسان. اصدر ٢٣ كتاب شعر وأدب،ونال الجوائز الادبية والشعرية المتعددة.
“جنوبية” التقت الشاعر شمس الدين وكان هذا الحوار:

إقرأ أيضاً: «جنوبية» تحاور شوقي أبي شقرا حول ماضيه وجديده: ما زلت أسأل نفسي عن الشعر والحياة!

  • بماذا تفكر اليوم ؟
    –أفكر الآن باشياء متعددة لا رابط بينها. الحب. الدواء والزمن الشعر المرض… انت.. الله الفقراء الموت والملوك والضحايا .الضحايا . الشوارع وانه ليس عدل في الارض.. التواريخ مطحنة هوجاء ومضحكة. ابحث عن معنى.. . ان الحياة كلبة وجسدي يعاني…يرشح ماء من جسدي.. الانتحار… أن اقوم بعملية على محطة وأن الحدود انتقلت من مكانها .. انا كالمجتمع.. صحيح اتحين فرص الطعام والدواء واللذة، واكتشف عورات السادة، وضعف الرعايا والناس الذين يتراكمون كالذباب في السوبرماركات ومحطات البنزين، وليس كالنحل يئنون ولا يلسعون وان وطني( يضحك).. لصوص مدربون اشداء، تحتهم ضحايا تئن وتشتم وهي تجرع الذل تحت الاعلام، والثورة كلمة فاقدة لمعناها مع العصبيات، وهذا الذي لا يحتمل والموصوف بجميع لغات الارض والمحير بكيميائه المتفجرة، انسان ملتبس حر من الخارج محتل من الداخل، جغرافيا طليقة لمجتمع مداس وهذه بداوتنا الراهنة والتحرير يكاد. لولا قدم في الشعر وقدم في الخيال، وان الموسيقى تعلو احيانا فوق الكارثة والشعر، وهو يغوص كالسكين في لحمي شبيه بالحب يجعلني اتلذذ. اقاوم… لا انتحر..، اعيش ما استطعت…الى اللاموت سبيلا لكن لا أخاف القيامة. يدلف من سقفي ماء اسود وينفتح في الجدار مجرى مفاجئ من القهوة المرة العربية.
    انا كرجل تاريخ ارى ان البشرية والحضارات والتقدم العلمي والتقني والفنون قامت على الحروب وفي ظلها . من الحروب القديمة بين سبارطة واثينا واليونان والرومان والفرس والعرب مرورا بحروب القرون الوسطى وصولا للعصور الحديثة في الحربين العالميتين وحروب الشرق الأوسط كالحرب في فلسطين والحرب العراقية الايرانية والحرب في سورية والحرب في اليمن.. الخ وان الحرب ليست عبثية بل عليها وبنتائجها تهدم وتبنى الدول وترسم الحدود ومصائر الجماعات والأفراد فالحرب هي ام التاريخ ومهندس المصائر البشرية. وتاريخ الحروب غالبا ما يكتبه المنتصرون ويذكر المؤرخون فريقين : الفريق المنتصر والفريق المهزوم…. ثمة فريق ثالث هو الأهم برأيي لا يولى الكثير من الاهتمام وانا منحاز اليه هو الضحايا. اقول في قصيدة ” النازلون على الريح”. وقد كتبتها وانا انظر إلى عدد من النازحين والنازحات السوريين وقد جلسوا مع أولادهم على سطح مقابل ونشروا اشلاء الغسيل على الحبال وكان في جفني دمعة :
    ” ألا ايها الله يا مالك الملك
    تعطيه من شئت اومن تشاء
    اعطه مرة للضحابا”
    وهذا ما أقوله الان في الحروب الدائرة في ارض العرب… لها اطراف وترسيمات وأسباب وضحايا ، ضحايا… ضحايا
    انا مع الضحايا.
  • ماذا يمكن ان يفعل الشاعر حيال خراب العالم؟
    — وتسألني كيف.. والجواب خراب الخراب. هل بإمكان الكلمات ان تقوم بهذه المهمة الخلاقة… هل بإمكان الشاعر بهدم الهدم بتسميم المسمم بتمزيق الصورة برفع الستارة عن المهزلة بالكشف…… أن ينشئ بنيانا اخر للكائن المشرد والخائف والجائع والعريان. (ابن الانسان) .. واين الحب واين الرحمة واين يتربع الاله وسط هذا البؤس الواضح للبشر في تقلباتهم على أمواج النار والقهر ولماذا……. انت تولد وتبدأ المعركة. ويل للضعيف ، لا رحمة في الارض . هل بإمكان الكلمات ان تسد الثقوب المخيفة في الجسد البشري… من يحمي الحب ، هل بإمكان الكلمات ان تشبع كلباً جائعاً او انسانا او طائرا او حشرة. هل الكلمات اب لنا في الكريهة نحن يتامى الوجود الزهرة المقصودة بالمدفع الدم المنبجس في القبلة وخوف الخائف…والرعب في عيون الأطفال.. تسألني كيف واقول لك بالصراخ لأوسع مدى في التاريخ او بالصمت المطبق لقاع القبور الاسفلية… هذه هي الكلمات . وتسألني عن المقصد وكيف تبدأ القصيدة وكيف تنتهي في المقصد لا مقصد الا هذا التردد بين الصرخة والصمت ولعلني حين قلت انني اصغي لعويل الصمت اردت ان اكسر الثنائية التي طالما رددها البنيويون اللغويون الالسنيون ولخصها بول فاليري في كتابه عن بودلير حين رأى ان الشعر هو ذاك التردد الدائم بين الصوت والمعنى فاذا توقف هذا التردد سقطت القصيدة في هوة النثر. لا ارى ذلك يا صديقي… الشعر هو الوجه الاخر للصوت للصراخ الشعر هو الصمت والتردد ليس قائما بين الصوت والمعنى بل هو قائم بين الصوت والصمت .
    “ان شئتم ان لاتكون الجمل مخيفة فاكملوها”..
  • —لا مناص برأيك؟
    –من اجل تحرير المخيلة لامناص من بديل للحياة للاوطان العفنة للمجتمعات المتهرئة.. لا مناص من سفك دم شياطين كثر في السياسةوالشوارع في الطيالس والعباءات على الارائك وفوق العروش . لا مناص من المغامرة الموحشة واللاتصدق . ان نتحدث (كما يقول بيار بايار) عن كتب لم نقرأها وأماكن لم نزرها. ان نصف مغامرات ورحلات لم نقم بها غابات وشواطئ وانهارا ونسهب في سرد حوادث لم تقع.. ان نكتب اوصافا متعددة عن حوادث مزدوجة ..وهذا هو الاساس في الشعر .. ان نخون الواقع بكل قسوة ولا نحفل الا بما لم يكن وبما ليس هو … ولن يكون شاعر شاعرا الا هكذا . الشعر موت التاريخ وبديله وموت الواقع المعلن والراية الوحيدة المتاحة. للمستقبل.
السابق
مخاوف من فقدان بطاقات التشريج.. والموظفون على اضرابهم
التالي
فيينا… اليوم التالي بعد الفشل