بيروت تُعاند الرسالة الخليجية الحازمة وتَمْضي في التحدي!

نبيه بري

بأعلى صوت وعلى أعلى مستوى، خاطبتْ دول الخليج العربي مجتمعةً لبنان الرسمي باللغة الحازمة نفسها حيال منطلقات أي دعمٍ لمسار إنقاذٍ وُضع له خطان متلازمان من الإصلاحات التقنية والسيادية التي باتت كرتها في ملعب «بلاد الأرز» التي تتخبّط في أزماتٍ متوالدة، سياسية ومالية، ومع الخارج الذي يكاد أن «ينفد صبره» من أداء السلطةِ الواقعة بين «حروبها الصغيرة» وبين اقتياد الوطن الصغير إلى «أفواه البراكين» في المنطقة.

ولم يكن مفاجئاً بالنسبة للكثيرين مضمون البيان الختامي لقمة الرياض الخليجية، التي لم تترك مجالاً لأي التباس حيال كون خريطة الطريق التي ارتسمت خلال لقاء جدة بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بإزاء المخارج لأزمة لبنان مع بلدان مجلس التعاون باتت تحظى بـ «توقيع خليجي» مكتمل، وتحديداً في ما حددته من إطار متلازمٍ لحلّ له «رافعتان»: تصحيحٌ هيكلي وبنيوي، وتصويبٌ لمسار تآكُل الدولة تحت وطأة فقدان مقومات سيادتها على أراضيها عبر التمكين المتمادي لـ «حزب الله» المنغمس في صراعات الاقليم وفي تهديد أمن أكثر من دولة خليجية.

فالقمة وإن تكن ميّزت بين «الشعب اللبناني الشقيق» الذي أكدت «التضامن الثابت معه لتحقيق كل ما من شأنه أن يحفظ للبنان أمنه واستقراره»، وبين «الأطراف اللبنانية» التي دعتها «لتحمل المسؤولية الوطنية، لتحقق الأمن والاستقرار والتنمية»، فإنها توجّهت إلى لبنان الرسمي برسالة مباشرة لا تحتمل التأويل انطوت على مطلب «سلة واحدة»: «اتخاذ الإجراءات كافة الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرته وسيادته على مؤسساته كافة، ومنع «حزب الله» الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دول إقليمية».

بري: غرفة سوداء انقلبت على التفاهم الرئاسي لحلّ قضية بيطار

ولم يقلّ دلالة إعلان ‏الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، إثر انتهاء القمة، ضرورة «تعزيز الجيش وضمان اقتصار الأسلحة على مؤسسات الدولة الشرعية»، مؤكداً في الوقت نفسه ‏وجوب «تشديد الرقابة على الحدود واتخاذ إجراءات لردع تهريب المخدرات عبر ‏الصادرات اللبنانية إلى السعودية وسائر دول الخليج»، مبدياً الأسف «لاستمرار التصريحات المسيئة تجاه دول مجلس التعاون وشعوبها، وإقامة مؤتمر صحافي في بيروت تَعَرَّضَ للبحرين».‏

واكتسب الموقف الخليجي الذي قدّم «جردة» بـ «المخاطر المتأتية» من لبنان و«جدول مطالب» واضحة من بيروت، أهميته لاعتبارات عدة أهمها أنه معطوف على تأكيد القمة «ما تضمنته المادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك بأن الدول الأعضاء في مجلس التعاون تعتبر أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها، وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعها»، مع التشديد على «العمل الجماعي لمواجهة جميع التهديدات والتحديات»، في موازاة وضْعها مسألة «حزب الله» من ضمن سلوكيات إيران «المهددة للأمن القومي العربي والمزعزع لاستقرار المنطقة».

وإذ يؤشر بند لبنان في قمة الرياض إلى أن ملف «بلاد الأرز» انتقل إلى مرحلة أخرى من التعاطي وفق منطوق مقتضيات الدفاع عن الأمن القومي العربي، رغم ما تركتْه استقالة وزير الإعلام جورج قرادحي من مفاعيل «موقتة» احتوت مرحلياً دفعات إجراءاتٍ زاجرة خليجية جديدة بحق بيروت كانت على الطاولة، فإنّ التعاطي الرسمي اللبناني مع مرتكزات الغضبة الخليجية غير المسبوقة ما زال يتذبذب بين محاولات معالجةٍ «موْضعية» يضطلع بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبين «ضربات من كل حدب وصوب» يتلقاها كلما اعتقد أنه سَحَبَ فتيلاً أو مدّ جسراً.

قمة الرياض تخاطب لبنان الرسمي بلغة واحدة… الإصلاحات و«حزب الله»

فلم يكد ميقاتي «يهنأ» بتعاطيه «الفائق السرعة» مع «المؤتمر المُعادي للبحرين» الذي عُقد في بيروت الأسبوع الماضي وكان محلّ احتجاج شديد اللهجة من المنامة، حتى تلقى ما بدا أنه «صفعة» لمجمل مساعيه لطمأنة دول الخليج ومعاودة «كسب الثقة»، ولو شكلياً، وهذه المَرّة من رئيس البرلمان نبيه بري الذي انبرى إلى موقف نافر اتهم فيه العرب بـ «محاصرة لبنان».

وخلال استقباله وفداً من نقابة المحررين، قال بري «علينا أن نقرّ بأن لبنان يتعرّض للحصار. هل يعقل التصديق ان اسرائيل العدو انفتح على العرب على النحو الذي يحصل اليوم والعرب يقفلون أبوابهم على لبنان؟ لبنان الذي دفع أثماناً باهظة من أجل تثبيت عروبته وهويته، نعم لبنان يتعرض لحصار».

وإذ سبق تصريح بري كلام نُقل عن رئيس الجمهورية ميشال عون وغمز فيه من قناة المواقف الخارجية من «حزب الله» متحدثاً عن «محاولات لتفجير ‏الوضع عبر التركيز على تطويق فئة معينة من اللبنانيين.

وأنا لن أكون جزءاً من هذه المحاولة، سواء كنا زعلانين في السياسة أو متراضين»، فإن وزير الداخلية بسام مولوي، كان يتلقى أول اتصال خليجي منذ انفجار الأزمة مع دول «التعاون»، وكان من نظيره البحريني الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة الذي قال إن «قيام عناصر مخالفة للقانون ببث وترويج ادعاءات مغرضة ضد البحرين، عبر لبنان الشقيق، أمر يسيء للبحرين وكذلك للبنان».

ورأى أن «هذه العناصر تجمعها علاقات تعاون وتواصل مع جهات خارجية، تسيء للبحرين وتقوم بالتدخل في شؤونها الداخلية».

مولوي يتلقّى اتصالاً من نظيره البحريني ويوجّه بترحيل أعضاء «الوفاق» من غير اللبنانيين

وشدد الوزير البحريني على أن «هذه التصرفات يجب ألا تكون على حساب لبنان ومصالحه»، مثمناً اهتمام وزير الداخلية والبلديات اللبناني بالأمر، وحرصه على اتخاذ الإجراءات القانونية حيال هذه العناصر المخالفة للقانون.

وفي الإطار، وجّه مولوي كتاباً إلى المديرية العامة للأمن العام طالباً اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الآيلة إلى ترحيل أعضاء «جمعية الوفاق» من غير اللبنانيين إلى الخارج، نظراً لما سببه انعقاد «مؤتمرها المعادي» في بيروت السبت الماضي، «من إساءة إلى علاقة لبنان بالبحرين، ومن ضرر بمصالح الدولة اللبنانية».

إقرأ أيضاً: «حرب مفتوحة» حكومياً ومجلسياً بين عون وبري..والدولار يُطلق صفارة الإنهيار!

وأكّد مولوي حرصه على «ضمان أمن واستقرار مملكة البحرين ورفضه القاطع لأن يكون لبنان منصة لبث الكراهية أو العداء اتجاه أي دولة عربية ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي».

ولم تحجب هذه العناوين البارزة الأنظار عن الأزمة الحكومية التي تنتقل من باب مقفل إلى ثانٍ موغل أكثر في الانسداد، فيما «جنون الدولار» مستمرّ وسط محاولات من السلطة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة للجم تفلُّت العملة الخضراء من كل الضوابط وتحليقها فوق 30 ألف ليرة، وفق ما عبّرت عنه سلسلة تدابير «مخدّرة» أُعلن عنها مساء الثلاثاء وقابلتْها الأسواق بمفاعيل آنية تراجع معها سعر الصرف من نحو 28500 ليرة إلى قرابة 26 ألفاً في ساعاتٍ لتستعيد العملة الوطنية منحاها الانحداري إلى حدود 27700 ليرة عصر أمس.

وعلى وقع كلام نقلته صحيفة «الأخبار» عن عون وكرر فيه أنه «لا يمكن الاستمرار في تعطيل الحكومة بعنوان غير محقّ.

ولن أوقّع موافقات ‏استثنائية لأن هناك حكومة أصيلة»، مع تأكيده أن الحديث عن «تسليم (الخارج) الأموال الى الشعب مباشرة من دون المرور بالدولة هو بمثابة رشوة مكشوفة وتمويل خارجي لمنظمات داخلية. هذا قطْع رأس للدولة، ما يوجب أن يكون هناك ‏موقف واضح من الحكومة ومجلس النواب»، بدا واضحاً أن الدعوة لجلسة حكومية ما زالت عالقة بين محاذرة ميقاتي الإقدام عليها خشية تفجير مجلس الوزراء بصاعق مقاطعة الثنائي الشيعي «حزب الله» وبري، وبين إصرار هذا الثنائي على ربْط الإفراج عن الجلسات بالحد الأدنى بكف يد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار عن ملاحقة رؤساء الحكومة والوزراء، وهي العقدة التي تتطاير تشظياتها بأكثر من اتجاه وخصوصاً على خط علاقة عون – بري ومن خلفه «حزب الله».

ولم تكن عابرة مواقف السقف العالي التي وجّهها بري أمس، وطاولت عون وفريقه من دون تسميتهما، إذ أكد «معروف مَن لم يؤيد اتفاق الطائف ولم يطبق لا القانون ولا الدستور، للأسف هناك عشرات القوانين لم تُطبق لا في هذا العهد ولا العهود التي سبقته مثلا القانون الخاص بالكهرباء التي سببت هدراً تجاوز 45 في المئة من نسبة العجز في مالية الدولة».

وإذ سأل في غمْز من عون «لقد انجز مجلس القضاء الأعلى في هذا العهد تشكيلات قضائية ولم توقع، لماذا؟ سهيل عبود معروف من اقترحه. لماذا لا توقع ولم توقع التشكيلات القضائية؟ ولو كان هناك مجلس قضاء أعلى يمارس دوره لما وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم من تطييف وتمذهب في القضاء»، مؤكداً «الثنائي لا يريد تطيير بيطار وما نريده فقط العودة الى القانون والدستور. تم التوافق على هذه العناوين مع غبطة البطريرك (بطرس الراعي) وعلمتُ وأعلنها غبطته ان الرؤساء ايضاً التزموا (بحلّ قضية بيطار عبر البرلمان).

لكن تم الانقلاب على هذا التوافق وتطييره قبل صياح الديك، ومَن نسف هذا التوافق هم العاملون في الغرفة السوداء التي تدير العمليات في هذه القضية»، مضيفاً «على مجلس القضاء الأعلى مسؤولية حسم هذا الموضوع».

السابق
هذا ما جاء في مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الاربعاء 15/12/2021
التالي
أسرار الصحف ليوم الخميس في 16 كانون الأول 2021