حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: قصف دبي!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تعيشُ المنطقةُ العربيةُ وجِوارُها الإقليمي، في تركيا وايران واسرائيل، انتظارا قلقا على مآلات مفاوضات فيينا، التي تجري بين دول الغرب الاوروبية اضافة لأميركا من جهة أولى، وبين إيرانَ مضافةً إليها روسيا من جهة ثانية، وتتعقّدُ الحُلولُ والاقتراحات لفتحِ ثغرةٍ في جدارِ المواقفِ المتقابلةِ، والتي وَصَلَتْ الى نُقطَةٍ حَرِجَةٍ، تُهدِّدُ استمرارَها وتفتحُ الطريقَ الى إنهيارِها، وولوج طرق أخرى، غير ديبلوماسية، يأخذها كل طرف من اطراف الصراع، طبقا لقدراته وأهدافه…

ويَتلخَّصُ الموقفُ الإيراني بالمطالبةِ برَفْعِ كُلِّ أنواعِ العقوبات عن طهرانَ، للعودة للالتزامِ بمُندرجاتِ الاتفاق الموقع حول ملفها النووي سنة ٢٠١٥، وبتقديم ضماناتٍ أميركية تمنع أيَّةَ ادارةٍ أميركيةٍ مستقبلا، من الخروج مجدداً من الإتفاق، وتستبعدُ إمكانيةَ تِكْرارِ ما فعلَتْه إدارةُ الرئيس دونالد ترامب مع ايران سابقا.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لبنانُ ليسَ دولةً «محتلةً» وإنمّا شعبٌ «مخطوفٌ»!

وترفضُ إيرانُ أنْ تقترِنَ العودةُ الى الاتفاقِ النووِّي بأيَّة التزاماتٍ تقيِّدُ برنامجها الصاروخي الباليستي، كما ترفضُ أيَّةَ تسوياتٍ يُمْكِنُ أنْ تُقيِّدَ نُفوذَهَا الإقليمي، الذي تُمارِسُه عبرَ ميليشياتٍ عسكرية، تُقَوِّضُ بنيانَ المجتمعاتِ العربية، وتنتهكُ سيادةَ دولِ المشرقِ العربي واليمن.

تحتفظ ايران بأوراق ضغط تفاوضية في ملفات ملتهبة وأزمات دموية لها تأثير مباشر في مجرياتها

وتعتمدُ ايرانُ سياسةً، تَهدِفُ الى تحقيق الغاء العقوبات كافية عنها، من خلال العودة للاتفاق النووي، او الالتفاف على العقوبات وتقويض مفاعيلها، من خلال تحسين علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول جوارها، وذلك عبر رفع قيمة صادراتها ووارداتها البينية، مع دول كالصين وتركيا والعراق وكازاخستان والهند وكوريا، وصولا الى دولة الامارات العربية وإمارة دبي…

وتحتفظ ايران بأوراق ضغط تفاوضية في ملفات ملتهبة وأزمات دموية، لها تأثير مباشر في مجرياتها، كالصراع مع كيان العدو الإسرائيلي، والازمة في لبنان والحرب في اليمن، والفوضى في سورية.

البرنامج النووي الايراني الذي عليه شُبُهاتُ صناعةِ أسلحة نووية تخالفُ التزامَ ايران بمعاهدة منع إنتشار الاسلحة النووية

أما الموقف الاميركي فينطلق من واقع أنَّ العقوباتِ المفروضةِ على ايران، ليست باقة واحدة متعلقة بالبرنامج النووي، بل يمكن تصنيفها الى ثلاثة باقات مرتبطة كل واحدة منها، بملف من ملفات النزاع القائمة في المنطقة، فالبرنامج النووي الايراني الذي عليه شُبُهاتُ صناعةِ أسلحة نووية، تخالفُ التزامَ ايران بمعاهدة منع إنتشار الاسلحة النووية، التي وقعتها منذ عهد شاه ايران السابق، عليه مجموعة من العقوبات، وهي منفصلة عن باقتين أُخرتين من العقوبات قديمة وجديدة، بعضها يتعلق بدعم ايران للأعمال والمنظمات الارهابية، وأخرى تتعلق بانتهاك حقوق الانسان وممارسة جرائم حرب في سورية، واضافية زادها الرئيس ترامب تتعلق بالبرنامج الصاروخي الباليستي…

الموقف الأميركي يصر ان العودة الى الالتزام المتبادل بالاتفاق النووي، يعني فقط رفع العقوبات المتصلة بهذا البرنامج، مع الإبقاء على العقوبات الأخرى، التي لا تُرفَعُ إلاّ عند التزام طهران، بالامتناع عن دعم عمليات الإرهاب وتشكيلاته العسكرية وانتهاك حقوق الإنسان…

ويتعقّدُ التوصلُ الى إتفاقٍ، حين يتم طرحُ برنامجِ إيران الصاروخي، الذي لم يكن قد بلغ هذه الدرجة من التقدم سنة ٢٠١٥، ولذلك لم يأخذ حينها، حيزا هاما في الاتفاق الذي تم توقيعه سابقا…

فخلال ست سنوات بعد توقيع الاتفاق، قامت إيران بتطوير قدراتها الصاروخية كما ونوعا، فأنتجت صواريخَ قادرةً على تجاوز الغلاف الجوي للكرة الأرضية، وهذا الأمرُ يشكلُ تجاوزاً لعتبة تقنية هامة، كما استطاعت إنتاجَ نماذجَ جديدةٍ، تطاولُ مسافاتٍ أبعد مدى من أجيالِ صواريخها القديمة، واستطاعت أن تنجح أيضا بتطوير أجهزة التَحَكُّم، بمسارات الصواريخ وزيادة دقة إصابتها لأهدافها…

إيرانَ قادرةٌ على تحميلِ كمياتٍ خطرةٍ وكافيةٍ، من المواد الانشطارية المشعة على رأس صاروخ تقليدي

تطرحُ قدراتُ إيرانَ هذه مجتمعة، معضلةَ مواجهةِ خطرٍ إيراني حقيقي، حتى ولو لم تتقدم ايران الى إنجاز قنبلة نووية حقيقية، ففي الوضعية الراهنة ودون أيِّ تقدمٍ على طريق التخصيب العالي الوتيرة، او إستعمال الماء الثقيل لإنتاج البليتونيوم، فإنَّ إيرانَ قادرةٌ على تحميلِ كمياتٍ خطرةٍ وكافيةٍ، من المواد الانشطارية المشعة على رأس صاروخ تقليدي، وتفجيره في قلب أيَّة مدينة كبرى موجودة على مدى ٢٥٠٠ كلم من قاعدة الإطلاق، القنبلة الاشعاعية القذرة هذه، قد لا تحدث دمارا يشبه دمار مدينتي هيروشيما او ناكازاكي اليابانيتين، لكن التَلَوُّث الاشعاعي الناتج عنها، سيقتل مئات آلاف الضحايا وسيكون سلاحَ دمارٍ شاملٍ، بكل ما للكلمة من معنى.

لا يريد أحدٌ في العالم أن تنتجَ إيرانُ قنبلة نووية، ليست دول العالم الغربي فقط، او دول الخليج العربي ومصر والجزائر والمغرب، بل أيضا روسيا والصين، لا احدٌ يمكن أن يصمتَ تجاه احتمال امتلاك إيران قنبلة نووية، وأول المبادرين لمواجهة ذلك إسرائيل، التي تمتلك ما يفوق مائتي رأس نووي، لكن ايران رغم كل ذلك، أصبحت على أعتاب إنتاج سلاح نووي ولا يفصلها عن ذلك، سوى وقت محدد، تتراوح تقديرات الخبراء حول طول مدته، من ٩ اشهر الى ٣ سنوات فقط.
لا تستطيع إسرائيل أن تتعايش مع الوضعية الراهنة لإيران، حتى ولو توقفت حيث وصلت، وهي حريصة على الذهاب سريعا، الى حسم الخيارات الدولية، والوصول الى نتائج حاسمة؛ اما حلٌ يقضي بتفكيك البرنامج النووي، وإزالة منشآته، وفرض رقابة دولية مستمرة وفاعلة، على كل نشاط نووي إيراني، ويكون هذا الحل مرتبطٌ وموصولٌ بحل آخر، يتناول برنامج إيران الصاروخي الباليستي، بما يؤدي الى نزع الترسانة الصاروخية الايرانية الدقيقة والبعيدة المدى، وبخلاف هذين الحلين فان اسرائيل، تسعى بكل قواها الى تبني و تنفيذ عمل عسكري، تضطلع فيه بمشاركة أميركية وغربية، لتدمير البرنامج النووي بكل ابعاده العسكرية والتقنية والعلمية، سواء كانت أهدافُه لإنتاج الطاقة أو الطب او الاسلحة النووية، كما الى تدمير منشآت إنتاج الصواريخ الباليستية ومستودعات تخزينها.

سعي حثيث من قبل إسرائيل للدفع باتجاه الخيار العسكري تجاه إيران

ويتبدى المشهد الإقليمي حرجا عند كل إخفاق في فيينا، بسعي حثيث من قبل إسرائيل، للدفع باتجاه الخيار العسكري تجاه إيران، مع حرص اسرائيلي على ضبط ايقاع التصعيد الاسرائيلي، على وقع خطوات الانزعاج الأميركي من التشدد الايراني، ورفع سقف مطالبها في محادثات فيينا.

فقد اقدمت اسرائيل على إعلان موازنة مالية ضخمة، رصدتها لشن ضربات عسكرية ضد إيران، كما سعت لعقد جلسات تنسيق عمليات عسكرية، مع قيادة الجيوش الأميركية ووزارة الدفاع الاميركية، وصولا الى الإعلان عن مناورات وتدريبات مشتركة أميركية اسرائيلية، حول سيناريو حرب محتملة، هدفها تدمير البرنامجين النووي والصاروخي في إيران. فهل الحرب على ايران اصبحت وشيكة؟!

على الرغم من تصريحات اميركية عديدة، عن عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي وعن وجود خيارات اميركية، قد تكون عسكرية، كخيارات بديلة يمكن اللجوء إليها لحظة انهيار مفاوضات فيينا، فإن أميركا بايدن غير متحمسة، لحرب وشيكة تُشنُّ ضد ايران، ويشاركها في عدم الحماس هذا، دول اقليمية كثيرة، أوَّلُها تركيا و تاليها دول الخليج العربية في الامارات والبحرين والكويت وحتى السعودية.

وحدَهُ لبنان مازال يدفع ثمن رايات التصعيد والخطابات المتشنجة، لقبع قاض هنا او استدعاء مرتكب إلى تحقيق هناك

الحرب قد تكون محتملة لكنها غير وشيكة، لذلك شهدت الساحة الاقليمية اعادة تموضع وتشكل، عبرت عنها الدول الاقليمية جميعا، من حَلِّ الخلاف المصري التركي ووضع حد للتصعيد في ليبيا، الى فشل وافشال هجوم الحوثيين على مأرب، الى زيارات ولي عهد المملكة العربية السعودية الى دول الخليج جميعا، كما زيارات ولي عهد دولة الامارات العربية المتحدة الى تركيا، وزيارة وزير خارجيته الى دمشق، كما زيارة مسؤول الامن القومي الاماراتي الى طهران… الأطراف جميعا تتحاور، وتستكشف مسارات لتهدئة وتبريد الصفائح الحامية والأزمات الملتهبة، وحدَهُ لبنان، مازال يدفع ثمن رايات التصعيد والخطابات المتشنجة، لقبع قاض هنا او استدعاء مرتكب إلى تحقيق هناك…

بيروت كانت جميلةً وسيدةَ عواصم العرب، لكنها لم تَجْد من حُكّامٍ وأولي أمرٍ أمسكوا قرارها، حكمة وامانة، تمنعان تفجيرها ودمارها، اما من بنى دبي درة للصحراء، ورعى نجوميتها، فله من الذكاء والفطنة والدهاء، بأن يرفدها بحصانة إقليمية تمنع إيران من قصفها، في وقت تلعب فيه دور قاطرة تطبيع مع اسرائيل.

المأساة التي تتحول الى مهزلة، انه في الوقت الذي يرفع فيها جماعة الممانعة وحزب الله، تهمة الخيانة في وجه كل من يدعو الى نأي لبنان بنفسه، او الى اعلان الحياد الايجابي عن صراعات المنطقة، تستقبل دمشق وطهران دون ان ترف اجفان احد فيها، مهندسي التطبيع مع اسرائيل، فيما تصدر المحكمة العسكرية في لبنان حكما بحبس لبناني تزوج في المانيا فلسطينية من عرب ال٤٨ ، بتهمة الاتصال بالعدو كونها تحمل جواز سفر اسرائيلي.

السابق
«وضع القطاع الاستشفائي صعبٌ جداً».. عراجي: وصول «أوميكرون» متوقع
التالي
بالفيديو.. قبيسي لجمهور «الممانعة» بعد تكريمه أميركياً: TALK TO THE HAND